في المقال السابق تحدثت عن أفضل خمسة كتب فكرية قرأتها في 2019، واليوم اختتم حديثي عن حصاد الكتب باستعراض أهم خمسة أعمال أدبية قرأتها هذا العام.
اللون أرجواني – آليس ووكر

         أعظم الروايات هي الروايات التي تجعلك تشعر بعد الانتهاء من قراءتها بالندم لأنك اكتشفتها متأخرًا.
هذا كان شعوري بعد أن انتهيت من قراءة رائعة آليس ووكر اللون أرجواني.
تلك الرواية العظيمة صنفت بين الأفضل في الأدب الأمريكي، وحازت على جوائز ادبية عديدة وتم بيع ملايين النسخ منها وتحولت إلى فيلم سينمائي شهير عٌرض في الثمانينات أخرجه ستيفن سبيلبرج.
الرواية تنتمي إلى أدب الرسائل، فهي عبارة عن سلسلة من الرسائل كتبتها الشخصية الرئيسية في الرواية وهي سيلي.
سيلي فتاة مراهقة تكتب رسائل إلى الله لتتساءل عما فعلته لتعيش كل هذا العذاب على يد والدها الذي يغتصبها
ويسيء لها نفسيًا، تتحسر على موت والدتها، تكتشف أنها حامل وبعد أن تضع ابنها يأخذه منها من اعتقدت أنه والدها.
تشكو سيلي إلى الله بعد أن أخرجها والدها من المدرسة واضطرت أن تتزوج من رجل لا تحبه حتى تنقذ أختها الصغيرة نيتي من الزواج منه.
تضطر سيلي للابتعاد عن أختها الحبيبة وتعيش مع زوجها الجديد الذي تسميه السيد وتخاف أن تكتب بقية اسمه.
تعيش معه كالعبدة فهو يضربها ويجبرها على العمل في المنزل وخدمة أولاده. تتعرف على عشيقة السيد المغنية شوج إفري، وهي من وجهة نظري أفضل شخصية في الرواية وأكثرها إثارة للاهتمام، وتقع في حبها وتصبح فيما بعد صديقتها المفضلة ومنقذتها.
 قد تبدو الرواية للقارئ السطحي رواية (نسوية)
تتحدث عن قهر الرجل للمرأة، أو رواية تتحدث عن الاضطهاد والتفرقة العنصرية القاسية التي عانى منها السود في أمريكا.
لكن من يتعمق في الرواية سيكتشف أنها تتحدث عن قضايا كثيرة ومتشعبة.
تتحدث عن علاقة الإنسان بالله، عن المعنى الحقيقي للحب، عن قوة الإرادة الإنسانية، عن الاستعمار الغربي لأفريقيا وعلاقة الأمريكيين السود الملتبسة بأوطانهم الاصلية في افريقيا
، وعن الحرية والجمال المتمثل في اللون الارجواني الذي يغضب الله منك عندما لا تلاحظه.
برعت أليس ووكر في رسم الشخصيات لتجعلها عالقة في ذهن القارئ، ونجت من فخ تصوير الرجال كوحوش، واستطاعت ابراز تعقيدات شخصياتهم فهم ليسوا ملائكة وليسوا شياطين كذلك.
السرد في الرواية بسيط وسهل لأنه يعبر عن تفكير امرأة غير متعلمة لكنه رغم ذلك عميق.
رغم المعاناة التي تصورها الرواية إلا أنها ليست كئيبة أو سوداوية بل بالعكس فهي تدعو القارئ للتفاؤل والحب والاستمتاع بالحياة والإيمان بالله.
رباعية نابولي – إيلينا فرانتي

رباعية نابولي هي أربع روايات متصلة ببعضها البعض، تروي قصة حياة 
الصديقتين إيلينا ورافيلا أو ليلا من الطفولة حتى الشيخوخة.
الجزء الأول (صديقتي المذهلة) يروى مرحلة الطفولة.
 الجزء الثاني (حكاية الاسم الجديد) يروي مرحلة المراهقة
الجزء الثالث (الهاربون والباقون) يروي مرحلة الشباب
الجزء الرابع (حكاية الطفلة الضائعة) يروي منتصف العمر والشيخوخة.
تحكي الرباعية قصة إيلينا وليلا فتاتان فقيرتان تنتميان إلى أحد الأحياء الشعبية في نابولي، الفتاتان تتمتعان بذكاء حاد وشغف بالعلم، تصيران رفيقتين في الصف المدرسي ثم تجعهما علاقة صداقة قوية.  
تفرقهما ظروف الحياة، فليلا تتوقف عن التعليم بأمر أبيها وتتزوج مبكرًا بينما تواصل إيلينا الدراسة حتى تلتحق بالجامعة وتصير كاتبة مشهورة.
تمر علاقتهما بمنعطفات كثيرة ويشوبها التنافس والغيرة والغضب، ولكن يظل هناك رابطًا سحريًا يجمعهما وتظل ليلا هي ملهمة إيلينا التي تقرر بعد اختفائها أن تكتب لتحكي عنها وعن حياتهما والحي الذي نشأتا فيه. في خلفية الأحداث يتعرف القارئ على أجواء الحياة في نابولي والصراعات السياسية بين الشيوعيين والفاشيين في إيطاليا في الخمسينات والستينات، وعن المافيا التي تسيطر على نابولي وعن الفقر والفساد والطبقية.
تبدو أحداث الرواية عادية في الصفحات الأولى، ولكن بعد أن تتجاوز بضعة فصول منها وتتعرف على شخصياتها جيدًا ستجد نفسك اندمجت معهم، وعشت معهم أفراحهم وأحزانهم.
رغم أن كل جزء من الرواية يتجاوز الخمسمئة صفحة إلا أنني لم أشعر بأي ملل وأنا أقراها لأن أسلوب السرد سلس وجذاب والترجمة العربية لمعاوية عبد المجيد أكثر من رائعة.
ورغم أنها تحتوي على كبير من الشخصيات إلا أنهم جميعًا مرسومين ببراعة ودقة شديدة تجعلهم مرتبطين رغم اختلافهم.
تصرفات ليلا وإيلينا تدفعك للتعاطف معهما في لحظة والغضب منهما في لحظات أخرى، ورغم ذلك لن تستطيع أن تتوقف عن الاهتمام بمصيرهما.
خلف كل الحكايات التي ترويها إيلينا فرانتي تنكشف أمام القارئ مفاجآت الحياة وأنانية البشر وحماقاتهم وجهلهم وقدرة الزمن على تغييرهم وقهرهم تدريجيًا.
رباعية نابولي من أفضل وأمتع الروايات الحديثة التي قرأتها، وإيلينا فرانتي تستحق اللقب الذي منحته لها صحيفة النيويورك تايمز، فهي بالفعل أفضل روائية في عصرنا.
أخف من الهواء – فيديريكو جانمير

أخف من الهواء رواية تحمل الكثير من اسمها، فهي رواية قصيرة خفيفة مثل نسمات الهواء المنعشة، ولكنها في الوقت نفسه محزنة ومؤثرة.
تتحدث الرواية بشكل غير تقليدي عن الوحدة والشيخوخة، فهي تحكي قصة امرأة عجوز تتعرض لمحاولة سرقة من فتى مراهق فتقوم بحبسه في الحمام ثم تدير معه حوارًا طويلًا لتتعرف عليه وتعرفه على نفسها وتحكي له قصة حياتها.
أتخيل أن المؤلف كتب الحوار بين السيدة العجوز والسارق، ثم حذف الجزء الخاص بالسارق وترك كلام العجوز فقط، والذي
حمل معه العديد من الاعترافات والتصرفات التي قد تبدو غريبة ولكنها مبررة لأنها صادرة عن إنسانة تعاني من وحدة أليمة وتهميش. هذه العجوز تعيش في مجتمع قاسِ لا يهتم بكبار السن ولا يستمع إليهم.
إنها من الروايات القليلة التي بمجرد أن تبدأ فيها لن تتركها حتى تنتهي من قراءتها.
غرفة الانتظار – يوسف عز الدين عيسى

الدكتور يوسف عز الدين عيسى في نظري من أكثر الأدباء المصريين تميزا وأقلهم حصولًا على الاحتفاء والاهتمام رغم تفرده وإبداعه الذي ظهر جليًا في أعماله الأدبية العديدة التي أخذت طابعا رمزيًا سرياليًا مثل روايته العظيمة الواجهة والمجموعة القصصية غرفة الانتظار.
في هذه المجموعة نجد قصصا متنوعة كتبها الأديب الكبير في فترات مختلفة من حياته، تقفز تلك القصص الخيالية خارج نطاق المكان والزمان لتقدم إسقاطات عن حال الإنسان عامة وحال المواطن المصري خاصة.
من السهل فك رموز معظم القصص واكتشاف المغزى منها مثل قصة
سيكوسيتا والبيت وغرفة الانتظار، وهناك قصص أخرى شديدة الغموض لكنها تبقى ممتعة وتستحق القراءة.

مدينة الحوائط اللانهائية – طارق إمام


صار الأدب المصري في السنوات الأخيرة محبوسًا بين أعمال أدبية شديدة الواقعية أو روايات بوليسية ورعب تجارية، حتى تم توجيه اتهامات كثيرة للأدباء المعاصرين بضعف الموهبة والاستسهال. لكن من يقرأ مدينة الحوائط اللانهائية سوف يطمئن أن المواهب الادبية في مصر لا تزال موجودة بقوة، وأن الادب المصري قادر على القفز خارج الصندوق والتحليق في سماوات الخيال.
العمل يمكن تصنيفه كرواية أو مجموعة من القصص المنفصلة المتصلة فأبطال العمل ينتمون إلى مدينة واحدة خيالية غريبة تسمى مدينة الحوائط اللانهائية.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
 الجزء الأول يتحدث عن نساء المدينة، الجزء الثاني عن رجال المدينة، والجزء الثالث عن غرباء المدينة.
يحتوي العمل على جرعة كبيرة من الفنتازيا والخيال المستوحى من أجواء ألف ليلة وليلة وأجواء الواقعية السحرية التي أشتهر بها أدباء أمريكا اللاتينية.
ورغم أن عدد صفحات الكتاب مائتي صفحة فقط إلا أنه أخذ مني وقتًا طويلًا لكي أنهيه بسبب امتلاءه بالتفاصيل.
من الواضح أن الأديب طارق إمام بذل مجهودًا كبيرًا في كتابة كل كلمة من هذا العمل، كأنه يرسم قصته بالكلمات وينسجها بدقة حتى يجعل يصدق أن الخيال الذي يقرؤه يمكن أن يصبح حقيقة.
هذا الكتاب انصح به كل من يحب القصص الخيالية الرمزية وكل من يريد أن يقرأ عملًا أدبيًا مختلفًا عن السائد.

0 تعليقات