كنت أنزعج كثيرا عندما أسمع من يبرر استمرار الاستبداد  في الدول العربية  رغم اختفائه في أغلب انحاء العالم  بأن العرب لا يمكن أن يحكمون  إلا بالعصي أو الكرباج لأنهم  يحبون  الفوضى ولا يعرفون  النظام   و كنت أظن أن سبب استمرار الاستبداد هو جهل العرب   
  بحقوقهم    .
ولكني عثرت على الإجابة الحقيقية عندما قرأت كتاب عبد الرحمن الكواكبي الشهير طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد  وطرح فيه عبد الرحمن الكواكبي هذا السؤال  وأنا هنا أقتبس إجابته 
 " وإذا سئل سائل لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين ؟ فأبلغ جواب مسكت هو  إن الله عادل مطلق لا يظلم أحدا فلا يولي المستبد إلا على المستبدين  ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لو وجد كل فرد من أسراء المستبد  مستبد في نفسه  لو قدر له لجعل زوجته وعائلته والبشر كلهم حتى و ربه تابعين لرأيه وأمره .
فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار  وهذا صريح معني كما تكونوا يولى عليكم .
إجابة عبد الرحمن الكواكبي  بدت لي في البداية صادمة  وظالمة للشعوب  العربية التي تعاني من الاستبداد , فلقد كنت أظن  أننا  نريد الحرية   والدليل على ذلك أننا حاربنا على مر التاريخ الذل والاستبداد والديكتاتورية والاحتلال   .
و لقد اعتقدت  أننا بالفعل في طريقنا للتخلص من الاستبداد نهائيا بعد أن قامت الثورات العربية   ولكن  سلوكيات   الناس  في  فترة ما بعد الثورات  كشفت  لي صواب رأي عبد الرحمن الكواكبي  .
فلقد أدهشني  أن أرى أشخاصا  قاطعوا أعز أصدقائهم و تبرءوا من أشقائهم وأقاربهم  و طلقوا زوجاتهم بسبب اختلافهم في  الآراء و   المواقف السياسية   ,  كما أنني  عندما أشاهد  لقاءات التي تجري    مع ما من يدعون أنهم ثوار   و نشطاء  سياسيين  و حقوقيين و مثقفين  أجد     بعضهم ينعتون  المختلفين معم بأسوأ الألفاظ بل يكفرونهم ويخونوهم  و  آخرون   يطالبون بإغلاق قناة أو صحيفة أو إسكات صوت شخص معين أو سحب الجنسية منه  لأنه يقول ما يخالف تعريفهم للوطنية.
فمن الغريب أن تجد من يكرهون الاستبداد السياسي يمارسون  نوعا أخر من الاستبداد مع
  زوجاتهم وأبنائهم ويفخرون أن كلمتهم لا تُرد و قراراتهم لا تتم مراجعتها .
إن استبداد العرب  في سلوكهم    وكراهيتهم  للرأي الأخر وعشقهم  لمن يردد أرائهم  ويؤيدهم  طول الوقت   رغم شوقهم  إلى الديمقراطية جعلت الشخص الوحيد المناسب لرئاستهم  هو  شخص أشد استبدادا وأكثر ديكتاتورية منهم  حتى يستطيع أن يخرسهم  ويقمعهم    ويمنعهم  عن الكلام.
والسؤال هنا هل الاستبداد داء معدي وصل إلينا من جراء تتابع الطغاة  علينا أم أنه جزء من تركيبتنا الجينية العربية    ؟  العثور علي الإجابة  ليس مهما  .  

المهم  هو أننا يجب أن ندرك  أننا إذا  أردنا أن نمحو  الديكتاتورية من  أوطاننا  يجب أن نمحيها  من نفوسنا أولا و يجب أن نفتح عقولنا للآراء المختلفة و نحاول أن نبحث عن الصواب والمنطق في أراء الآخرين   ,وحتى لو اختلفنا معهم يجب  أن نعطيهم  الحرية لكي يعبرون عن أنفسهم  ويتصرفون بدون أن نتحكم فيهم أو نملي عليهم طريقتنا في التفكير  و نظرتنا إلى الحياة .

هذه العملية ليست  سهلة فربما تمر سنوات طويلة قبل أن نتمكن من اقتلاع الاستبداد من حياتنا  نهائيا لأن الطبع عادة يغلب التطبع , ولكننا لن نستطيع   تحرير أوطاننا من الاستبداد إلا إذا بدأنا  بتحرير

 عقولنا من قبضته  أولا .

0 تعليقات