هناك مثل انجليزي مشهور يقول ( البؤس يحب الصحبة ).
يمكن تفسير هذا المثل بطريقتين.
الطريقة الأولى أن البؤساء يفضلون مصادقة البؤساء من أمثالهم.
الطريقة الثانية ان البؤساء يميلون لإتعاس من حولهم وتفريغ  الحزن والغم الذي يشعرون به ونشره على أوسع نطاق ممكن, وهذا يعني أن البؤساء هم بالضرورة أشخاص نكديين .
 النكد في اللغة العربية هو كل شيء جر على صاحبه شرا, ولا يوجد شك أن النكد لا يأتي ورائه سوى الشر والكرب والحزن. النكد يفسد العلاقة بين الرجل وزوجته وبين الاب وأبنائه وبين المرء وأصدقائه ويجعل الحياة أصعب وأقسى على الجميع.
إننا عادة ما نعتقد أن الشخص النكدي هو شخص شرير وكئيب وانه يتعمد إتعاس من حوله وإفساد حياتهم ولكنه في الحقيقة شخص مسكين يستحق التعاطف والشفقة, الانسان النكدي هو إنسان تعيس مقهور, يشعر بالإحباط والحزن والغضب ربما لأنه تعرض للظلم والاضطهاد, وربما لأن الحياة لا تسير على هواه.
انه لا يستطيع مواجهة من تسببوا في اتعاسه لذا يجد نفسه مضطرا لكبت مشاعره السلبية بداخله. هذه المشاعر تتراكم وتتضخم إلى أن  تصل الطاقة السلبية بداخله إلى اقصاها,  فيضطر بشكل غير واعي إلى التخلص منها عن طريق إزاحتها على الآخرين.
الإزاحة هي أحد الآليات الدفاعية التي اكتشفها الطبيب النفسي سيمجوند فرويد والتي يقوم الإنسان باستخدامها لحماية نفسه من المشاعر السلبية ,فيقوم  بشكل غير واعي باستبدال الاهداف التي يراها خطرة أو غير مقبولة من المجتمع بأهداف أخرى أكثر أمنا وقبولا.
تبدأ دورة النكد مع  أي موقف سيء يواجهه المرء في حياته , مثلا  إذا تعرض الموظف إلى اضطهاد من رئيسه في العمل فإنه يضطر إلى الصمت والاحتمال وكبت غضبه بداخله.
انه لا يستطيع مواجهة رئيسه حتى لا يخسر وظيفته, ولكن طاقة الغضب بداخله تزعجه ولذلك فهو يتخلص منها بشكل غير واعي, وعندما يعود إلى منزله يقوم بممارسة النكد على زوجته  ويتشاجر معها  لأنها لم تنتهي من تجهيز طعام الغداء أو لأن سطح المنضدة يعلوه التراب أو لأنها لم تستقبله بابتسامة مرحبة.
الزوج يجد زوجته هدفا أكثر أمنا لتفريغ غضبه  خاصة إذا كانت تملك شخصية ضعيفة وخاضعة  فإنها تتحمل غضب زوجها في صمت وتكبت مشاعرها تجاهه ثم تقوم بتفريغها وإزاحتها على شخص آخر أضعف منها  مثل الخادمة أو أطفالها الصغار.
 تستمر دورة النكد و  القهر إلى ما لا نهاية, وكل شخص مقهور تجده يعيد تدوير القهر ويمارسه على ما هو أضعف منه.
المثير للدهشة أن دورة النكد تسير من شخص لآخر بشكل غير واعي فالشخص النكدي  لا يعي حقيقة ما يفعله ويعتقد حقا أنه محق في غضبه وأن أسباب شجاره مع الآخرين ليس تافهة. إذا حاولت مواجهة هذا الشخص بما يفعله  فإنه سيغضب منك وسيتهمك بالظلم والافتراء بل وربما يتهمك بالنكد.
إنه  يدافع عن نفسه عبر ممارسة آلية نفسية أخرى اكتشفها فرويد وهي الإسقاط.
يعرف عالم الاجتماع الدكتور مصطفى حجازي في كتابه المهم سيكولوجية الإنسان المقهور الإسقاط بأنه عملية نفسية يميل الشخص من خلالها إلى تحويل كل يزعجه إلى الخارج فيطرد من خلالها صفات أو مشاعر او رغبات أو نزوات أو أفكار لا يعترف بها ولا يقبل بها كجزء من ذاته , انه يطردها لكي يركزها في الاشخاص والعلاقات والظواهر المادية ملصقا إياها بهم , ونافيا للتهمة عن ذاته , فيتهرب من مشاعره بإلصاقها بغيره أو اتهام الغير بها كنوع من تبرئة الذات.
ليس غريبا أن تجد كثير من الرجال يتهمون زوجاتهم بأنهن يعشقن النكد لدرجة أن هناك اعتقاد سلبي شائع عن المرأة العربية بأنها نكدية. 
العكس هو الصحيح  فالرجال العرب قادرين على ممارسة النكد بشكل أكبر من السيدات بحكم أن المجتمع الذكوري يمنح الرجل مميزات وحقوق وسلطات واسعة تؤهله لكي يتحكم في المرأة ويضطهدها ويقهرها كما يشاء بدون أن يعبئ بالعواقب. إن الرجل العربي يمارس الإسقاط على زوجته ويتهمها بالصفة التي يتملكها ويرفض الاعتراف بها.
الأوقات المفضلة لممارسة النكد عادة ما تكون أيام الأعياد والإجازات والمناسبات السعيدة لأنها الأوقات التي تبدو فيها الحياة هادئة وجميلة وكل شيء يسير على ما يرام.
السعادة المرسومة على وجوه الناس والطاقة الإيجابية التي تملئ الكون تستفز الشخص النكدي وتذكره بتعاسته فكيف يكون كل الناس سعداء وهو الوحيد الذي يتألم ويعاني في صمت  ؟.

يجد نفسه بلا شعور مضطرا  لتفريغ الطاقة السلبية بداخله قبل أن تنفجر فيصنع أي مشكلة أو يفتعل أي شجار  ويحول الأفراح إلى أحزان.
بعد أن ينتهي من تفريغ طاقته السلبية ويطمئن أن كل من حوله صاروا يشعرون بالتعاسة يشعر بالارتياح في البداية ولكنه عندما يرى الأذى النفسي الذي سببه لأقرب الناس إليه قد يشعره بالذنب ويجعله يعتذر لهم . هذا الاعتذار لا يعني بالضرورة أنه سيغير نفسه ويتوقف عن ممارسة النكد , فبعد أن تتراكم بداخله المشاعر السلبية مرة أخرى يتلبسه عفريت النكد ويدفعه  بشكل غير واعي لنشر البؤس وإفساد حياة أقرب الناس إليه.
الطريقة الوحيدة لمقاومة النكد هي أن يمتلك الانسان الوعي و الشجاعة لمصارحة ذاته واخراج مشاعره من مخابئها والاعتراف بها والعمل على مواجهتها والتعامل معها بشكل صحي بدلا من أن يعيد إنتاج القهر الذي يشعر به ويظلم أقرب الناس إليه ويجعل منهم كبش فداء حتى يرتاح ويتحرر من مشاعره السلبية. 

0 تعليقات