كانت الحاجة ثريا  تجلس في   شرفة منزلها تشرب الشاي وتستمتع بمشاهدة الشارع , وإذ بها تلاحظ  توقف سيارة أجرة  أمام باب عمارتها مباشرة ثم رأت فتاة  شابة  تنزل منها. كانت الفتاة  ترتدي بنطلون جينز أزرق ضيق و قميص أسود قطني  بنصف كم  وبشرتها القمحية كانت مغطاة  بطبقة رقيقة من البودرة وشعرها الأسود القصير  كان مصففا  بعناية ,عيناها اللتان غطتهما  نظارة شمس كبيرة أعطتها  غموضا حرك فضول الحاجة ثريا تجاهها.
 وقف عم جمعة حارس العمارة ليرحب بالفتاة ثم نادي على ابنيه الصغيرين لكي يساعداه في حمل حقائبها  من صندوق السيارة, خمنت الحاجة ثريا  أن تلك الفتاة ستسكن في الشقة المفروشة التي تقع في الدور الثاني تحتها  ولكنها تعجبت  من  قدومها بمفردها   .
بينما كانت في   طريقها للخروج  من العمارة قابلت عم جمعة فسألته  عن الساكنة الجديدة. أخبرها أن اسمها   نيرمين وهي  قادمة من السويس لكي تدرس في كلية الفنون الجميلة , أهلها يقيمون في الإمارات وقد أعطوها نقودا  لكي تؤجر هذه الشقة   وتقيم فيها بمفردها  لحين عودتهم نهائيا لمصر العام القادم .
وضعت  الحاجة ثريا يديها على  صدرها  وصاحت متعجبة :
- إزاي  الأستاذ ممدوح يوافق إنه يأجر الشقة  لبنت لوحدها ؟
- بيقول إن البنت مؤدبة ومحترمة بس أنا وافق بس علشان هي دفعت له فلوس كتير.
- بس افرض إنها طلعت ....
قاطعها عم جمعة مرددا بثقة:
-  وأمال أنا إيه فايدتي هنا  ؟ اطمئني أنا هاراقبها   ولو شكيت فيها هابلغ الأستاذ ممدوح علشان يطردها.
بعد ثلاثة أيام  كانت الحاجة ثريا  على وشك الخروج من باب العمارة  لشراء خضروات من السوق فرأت الساكنة الجديدة  على وشك دخول العمارة.
ألقت عليها تحية الصباح وعلى وجهها ابتسامة مرحبة فبادلتها الفتاة الابتسام.
 سألتها إذا كانت هي الساكنة الجديدة فردت عليها الفتاة بالإيجاب وعرفتها على نفسها  ,أخذت  الحاجة ثريا تهز رأسها متظاهرة أنها تسمعها  بينما كانت  تتأمل   البنطلون الجينز الأسود  الملتصق بجسدها والألوان التي تشع من جفونها وتحت عينيها وفوق شفتيها ,سألت نفسها  هل هي عائدة  من ملهى   ليلي  أم من الكلية ثم تجرأت وأفصحت لها عن السؤال الذي حيرها منذ أن  
رأتها 
- ليه قاعدة لوحدك  في الشقة ؟ مش المفروض يبقى  فيه حد من أهلك معاكي علشان يرعاكي ويحرسك .
بدا على نيرمين الانزعاج  ثم ضغطت على شفتيها و نظرت لجارتها بوجوم  وقالت لها  " أنا بعرف اعتمد على نفسي ومش محتاجة حد يحرسني  " ثم تركتها وصعدت لشقتها مسرعة.
 هروب نيرمين ضاعف من شكوك الحاجة ثريا  تجاهها. كانت فقط تريد أن تعثر على  الدليل القاطع الذي يحول تلك الشكوك ليقين.
خطر لها أن تستعلم عنها من الشاب الذي يسكن في الشقة المواجهة لها . كانت تعرفه جيدا . اسمه عمرو  ولقد جاء من إحدى محافظات الدلتا لدراسة الهندسة وهو يسكن في الشقة بمفرده ومعروف عنه  التدين والاستقامة .
عندما قابلته  على باب العمارة جرت ناحيته فحياها  بفتور, رأته يتحرك ببطء وقد بدا علي وجهه الأسمر النحيل الشحوب, سألته إذا كان مريضًا.
تعثر في الكلام ثم أخبرها  أنه يعاني من الإرهاق لأنه يذاكر لعدد طويل من
 الساعات .نظرت له  بحنان وإشفاق و دعت له بالتوفيق في الامتحانات ثم سارعت في سؤاله  عن نيرمين  .
رد عليها ببرود :
-  بصراحة معرفش عنها حاجة حضرتك عارفة اني مش بكلم بنات
- أنا عارفة وده اللي بيعجبني فيك  ولكن مشفتش حد خارج من عندها
 لا طبعا , ليه بتسأليني عن البنت دي بالتحديد   ؟  -
لم تدر ماذا تقول له فلاذت بالصمت وصعدت لشقتها وهي مازلت تفكر في طريقة لتأكيد شكوكها, وبعد أن تعبت من التفكير توصلت إلى أنها يجب ألا  تشغل بالها بهذه الفتاة  كثيرا فلابد أن يأتي يوم تنكشف فيه حقيقتها  .
 مرت عدة أسابيع وفي إحدى الأيام كانت الحاجة ثريا على وشك دخول الحمام لكي تتوضأ ولكن قبل  أن تفتح الصنبور اخترق أذنيها  صوت رجل يزعق بصوت غليظ:
 - لو عايز تحشش انت حر في نفسك بس متجرش ابني معاك.
   هرعت الحاجة ثريا  من شقتها ونزلت على السلالم سريعا  , فرأت عمرو  يقف على باب شقته ويقف أمامه رجل ضخم في منتصف العمر   تتطاير من عينيه شرارات الغضب. نظر الرجل  لعمرو ثم واصل صياحه:
-  لو حاولت تتصل بابني هبلغ عنك البوليس وهقولهم إنك تاجر مخدرات  
  أخذت الحاجة ثريا تحدق في عمرو وهو يتوسل  للرجل أن يخفض من صوته.  فوجئت  بنيرمين تمر أمامها  ثم  اقتربت منها  وهي تنظر للرجل الغاضب باستغراب   وسألتها  " إيه اللي حصل  ؟".

أحمر وجه الحاجة ثريا و غمغمت بارتباك " مش عارفة " ثم تركت نيرمين  وصعدت لشقتها وهي تسأل نفسها كيف استطاعت أن تنخدع في عمرو بهذه السهولة وهي التي كانت تفتخر بقدرتها على سبر أغوار الآخرين بمجرد النظر إليهم ؟.

0 تعليقات