اشتهرت كثيرا مقولة " كيفما تكونوا يولى عليكم " بين الناس، وقام بعض الدٌعاة والشيوخ بنسبها للنبي عليه الصلاة والسلام رغم أن علماء الحديث أثبتوا أنها ضعيفة، وأصروا على استخدامها كذريعة لتبرير فساد الحكام وطغيانهم.
يعتقد المؤمنون بمقولة " كيفما تكونوا يولى عليكم" أن الحكام الفاسدين هم العقاب المٌستحق من الله للناس على سوء أخلاقهم وانحلالهم، وبدلًا من أن يفكر الناس في الثورة على الحكام لابد أن يثوروا على أنفسهم أولًا، وينشغلون بإصلاح أخلاقهم وإتباع تعاليم الدين.
وعندما يتغير الناس، ويتخلصون من الفساد والشرور داخلهم سيكافئهم الله بالحاكم العادل الذي يستحقونه.
كثير من العامة يصدقون هذه المقولة ويعتقدون أن العرب بطبيعتهم قوم متعصبون، فاسدون بلا ضمير، يكرهون العمل والنظام والالتزام بالقوانين، لذا فإن الشخص الوحيد الصالح لحكمهم هو شخص أقوى منهم، شخص مستبد صارم يستطيع تخويفهم حتى يتبعوا النظام ويسيروا على الصراط المستقيم. أما سر تمتع الشعوب في الدول الغربية المتقدمة بحكم ديمقراطي عادل في رأيهم هو أن مواطني الغرب رغم عدم تدينهم أرفع أخلاقًا وأكثر حبًا للعمل من العرب.
هذه الرؤية السطحية لأخلاق العرب تكشف نزوعنا لكراهية ذاتنا وجلدها بلا مبرر، كما تكشف سهولة انخداع الكثير منا بالأفكار التي تدعو ظاهريًا للإصلاح الأخلاقي بينما تخفي في باطنها دعوة لإسكات المعارضين لأنظمة الحكم الديكتاتورية بدعوى أن كلنا فاسدون، وأن المعارضين ليسوا أقل فسادًا من أنظمة الحكم التي يطالبون بإسقاطها.
الادعاء أن أغلب العرب فاسدين وكارهين للعمل يحتوي على قدر كبير من التعميم والتحامل، فلا توجد وسيلة علمية لقياس أخلاق كل فرد في الشعب لأن كل إنسان تتنازع داخله قوى الخير والشر، وكل إنسان مٌهيأ للسير في اتجاه الصلاح أو الفساد وفقا لظروفه وبيئته.
المؤكد أن العرب ليسوا شياطين والغربيين ليسوا ملائكة.
نعم، معدلات الفساد في الدول العربية أعلى كثيرًا من الدول الغربية المتقدمة.
لكن من يتأمل أرقام الفساد في كل دول العالم سيكتشف أن معدلات الفساد مرتفعة في أغلب الدول الديكتاتورية حتى وإن كانت غير عربية، ومنخفضة في أغلب الدول الديمقراطية.
 نظام الحكم هو المؤثر الرئيسي على سلوكيات الشعب، والنخبة الحاكمة هي التي تستطيع أن تٌخرج أفضل أو أسوأ ما في الناس.
الواقع يؤكد أن الأنظمة الديكتاتورية التي تحكم الدول العربية تعتمد على طرق خبيثة لإحكام سيطرتها على المواطنين وإجبارهم على إتباعها، فهي لا تكتفي بعصا الإرهاب والتخويف فحسب، ولكنها تستعمل الجزرة المتمثلة في إعطائهم فرصة لاختراق القوانين والمشاركة في الفساد مقابل سكوتهم عن الفساد الأكبر للنخبة الحاكمة.
من المعروف أن الدولة تعطي الموظفين أجورًا هزيلة لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية وترفع عليهم أسعار كل السلع والخدمات بصورة مستمرة، فتجبرهم على الجمع بين أكثر من عمل في الوقت نفسه أو اتباع طرق غير مشروعة لزيادة دخلهم.
تنتشر الرشوة والعمولات والإتاوات وغيرها من وسائل التربح السريع بين الناس، ويتحول الفساد من ظاهرة إلى أسلوب حياة ويسبح المواطنين بحمد الحاكم الذي يفتح لهم الطرق الخلفية للتربح، ويعطيهم الفرصة لنهب المال العام.
تتحول موارد الوطن إلى كعكة كبيرة يتهافت الجميع على التهامها، بالطبع يحصل الكبار على القطع الكبيرة ثم يتركون الشعب لكي يتصارع على الفتات.
هناك فئة أخرى كبيرة من الشعب من أصحاب الضمائر المتيقظة الذين يرفضون المشاركة في الفساد، ولكنهم يضطرون السكوت على ما يحدث حولهم من مخالفات وأخطاء خوفًا على لقمة عيشهم.
يتكاسل هؤلاء المواطنين عن أداء عملهم أو يؤدونه بدون حماس لأنهم لا يحصلون على تقدير مادي ومعنوي بينما يجدون غيرهم يستحوذون على المناصب والأموال بدون مجهود بسبب علاقاتهم وصلاتهم بذوي النفوذ.
 عندما يهاجر هؤلاء المواطنون من بلدانهم الأصلية إلى دولة ديمقراطية متقدمة تتغير سلوكياتهم، فيصيرون مقبلين على العمل وأكثر حرصًا على الالتزام بالقوانين من رفقائهم الغربيين.
سر تغيرهم هو أنهم يحصلون في وطنهم الجديد على كل الحقوق التي حٌرموا منها في وطنهم الأصلي.
يجدون كرامتهم مصانة وحريتهم محفوظة ومجهوداتهم محل تقدير، فلا يقلقون على قوت يومهم ولا يخافون من المستقبل، مما يشجعهم على الانطلاق في العمل والإبداع بجد وإخلاص.
 هناك أمثلة لا حصر لها لكثير من العرب الذين وصلوا إلى أعلى المناصب وحققوا نجاحات كبرى في الغرب لم يكونوا ليحصلوا عليها لو ظلوا في بلدانهم الأصلية التي تعلي من شأن أهل الثقة والأقارب وتتجاهل أهل العلم والخبرة والكفاءة.
نجاح هؤلاء الناس يؤكد أن العيب ليس في الإنسان العربي، ولكن في النظام المستبد الذي يظلمه ويهدر إمكاناته ويجبره على الكذب والنفاق واللجوء إلى الطرق الملتوية من أجل الحصول على أبسط حقوقه.
 ربما العرب فعلًا في حاجة إلى ثورة أخلاقية تصحح كثير من القيم المشوهة التي صارت مقبولة في مجتمعاتنا، ولكن هذه الثورة لن تنجح إن لم يصاحبها ثورة سياسية تؤدي إلى تغيير الأنظمة المستبدة الفاسدة التي تسببت في شيوع هذه القيم وحولتها إلى أسلوب حياة.
هذه الثورة بدأت بالفعل في العديد من الدول العربية، وأظن أنها لن تتوقف إلا عندما تغير الأنظمة السياسية الفاشلة التي تسببت في تخلف العرب.

0 تعليقات