2019 كانت بالنسبة لي سنة حافلة بقراءات كثيرة تجاوزت المائة كتاب بين الكتب العلمية والفلسفية والقصص القصيرة والروايات والمقالات، ورغم كثرة الكتب المفيدة والممتعة التي قرأتها هذا العام إلا هناك قائمة قصيرة من الكتب الهامة انطبعت في ذهني وأعلم أنني سأعود إليها مرة أخرى في المستقبل كي أنهل من نبعها.
للعام الرابع على التوالي أقدم لكم قائمة بأفضل الكتب التي قرأتها هذا العام ولنبدأ أولًا بالكتب الفكرية.
ليطمئن عقلي – أحمد خيري العمري

ليطمئن عقلي في نظري من أهم كتب الفكر الديني التي قرأتها على الإطلاق، فهو يقدم 
للمكتبة الإسلامية إضافة كبرى لأنه استطاع أن يتصدى لموجة الإلحاد الجديد بأسلوب جديد تفوق على الكتب التقليدية التي يؤلفها العلماء المسلمين، والتي تتسم بنبرة استعلائية على الملحدين وأصحاب المعتقدات الأخرى، وينقصها البحث الدقيق والقراءة العميقة لكتب التراث الإسلامي ومؤلفات العلماء الملحدين.
أحمد خيري العمري باحث ذكي لأنه من الصفحة الأولى حدد هدفه وأعلن عن قارئه المستهدف.
لم يشغل نفسه بأقناع الملحدين بوجود الله لأنه يعلم أن الملحد لن يقرأ هذا الكتاب لأنه حسم امره، لذا قرر استهداف المؤمنين الذين يملكون أسئلة حول الدين تجعلهم يتشككون أحيانًا في حقيقة وجود الله او في أهمية الدين والشعائر والعبادات، المؤمنين المتأثرين بالفكر الغربي لدرجة أنهم يتبنون نظرة عدمية لا ترى هدفًا من الوجود وترى الشعائر الدينية تقييدًا للحرية الشخصية.
لم ينزلق إلى فخ الهجوم الشخصي على الملحدين، لم يتهمهم بالمرض النفسي بل نعتهم بلقب الاخوة الملحدين وأشاد بأخلاق بعضهم واستطاع بعمق أن يحلل طرق التفكير التي تؤدي إلى وصول الانسان للإلحاد. ومن الواضح أنه قرأ جيدًا كتب المفكرين الملحدين مثل برتراند راسل ودوكنز وغيرهم فتمكن من الرد على ادعاءاتهم بطريقة علمية ومنطقية بدون استخفاف أو سب.
 لم يقلل من الأديان السماوية الأخرى ولم يدعِ أن مصير كل من لا يؤمن بالإسلام جنهم وبئس المصير بل قرر أن يترك أمرهم لله سبحانه وتعالى.
قسم الكتاب لعدة ملفات بداية من وجود خالق للكون لوجود الأديان السماوية حتى سبب وجود الدين وأهميته، وهل هناك عداء بين الدين والعلم، ثم أبحر في ملفات شائكة كثيرة حول علاقة الإسلام بالمرأة والسنة النبوية وتاريخ الفتوحات الإسلامية وهل صحيح أن الإسلام انتشر بالسيف، أؤكد لكم اجاباته عن هذه الأسئلة لم تكن تقليدية بل كانت مبهرة وناتجة عن بحث وتفكير عميق.
هاجم المؤلف بشجاعة فكرة الاعجاز العلمي في القرآن والتي تسببت في انصراف الكثير من الشباب عن الدين واستخفافهم به رغم أنها كانت تريد ربط العلم بالدين وتريد اثبات أن القرآن من عند الله، لكن النتيجة كانت عكسية للأسف.
اهم ما استقيته من هذا الكتاب هو أن المقولات الجاهزة التي يرددها الملحدون العرب للتشكيك في الدين واغلب صراعاتهم مع الدين الإسلامي هي صراعات مستوردة من الغرب المسيحي، والذي يملك علاقة تاريخية مختلفة بالدين عن المسلمين تمامًا. كما أن بعض المسلمين يصدقون بسهولة الادعاءات التي تٌكتب ضد دينهم بدون أن يحاولوا القراءة والبحث من أجل معرفة الحقيقة.
العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري – نوح يوفال هراري

 الفارق الأساسي بين الكتب العادية والكتب الهامة هي أن الكتب المهمة تستفز عقل القارئ وتحثه على التفكير في أسئلة الحياة الكبرى، وكتاب العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري لنوح هراري ينتمي إلى هذا النوع النادر من الكتب.
عادة ما تقدم الكتب الفكرية معلومات في فرع معين من العلوم لكن كتاب العاقل يتميز بأنه يقدم معلومات في التاريخ والجغرافيا والبيولوجيا والاقتصاد والسياسة، ويمزجها ليرسم رؤية شاملة لتاريخ الانسان العاقل من العصر الحجري وحتى القرن الواحد والعشرين
بشكل مبسط في مستوى القارئ الغير متخصص. 
في ختام الكتاب يطرح المؤلف العديد من التساؤلات حول مستقبل البشرية التغييرات المناخية العنيفة، وانقراض عدد كبير من الحيوانات، وصعود الذكاء الاصطناعي.
يبدو المؤلف مؤمنًا بقوة العلم، لكن في الوقت نفسه يشعر بالخوف من سوء استغلال البشر للعلم ومن تحول الانسان العاقل كما نعرفه إلى انسان من نوع آخر مختلف.
رغم اختلافي الشديد مع فكر الكاتب لأنه إسرائيلي وملحد يرى العالم من وجهة نظري بيولوجية مادية بحتة، كما انه وقع في مغالطات كثيرة في حديثه عن الإسلام وعن الدين عمومًا لكني استطعت تجاوز تحيزاته الشخصية، ووضعت تركيزي في المعلومات التاريخية والبيولوجية الهامة التي يقدمها فجنيت من الكتاب استفادة كبيرة. 
اقتصاد الفقراء – ابهجيت بانرجي واستر دوفلو

هناك مليار شخص حول العالم يعيشون تحت خط الفقر، هؤلاء الأشخاص يخوضون كل يوم معركة لسد رمقهم والبقاء على قيد الحياة.
حتى الآن فإن السياسات التي وضعت لمعالجة مشكلة الفقر بائت بالفشل، والسبب اكتشفته بعد أن قرأت كتاب اقتصاد الفقراء للباحثين الحاصلين على جائزة نوبل ابهجيت بانرجي واستر دوفلو.
لقد حاول مؤلفي الكتاب استكشاف واقع حياة الفقراء والمشاكل التي تواجههم من خلال دراسة ميدانية قاما بإجرائها مع عدد كبير من الفقراء في عدد من الدول منها: الهند واندونيسيا وكينيا والمغرب.
 هذه الدراسة جعلتهما يدركان إلى أن الفقر مشكلة معقدة ومتشعبة وأن الخروج من الفقر أمر في غاية الصعوبة، وأن هناك كثير من المعتقدات الخاطئة حول الفقراء.
يعتقد الكثيرون أن الفقراء يزيدون من فقرهم بإنجاب الكثير من الأطفال، لكن الكتاب يكشف أن الفقراء يقبلون على الإنجاب لأنهم يرون في الأطفال السند الوحيد المتاح لهم في الشيخوخة.
ينظر أبناء الطبقات المتوسطة والغنية للفقراء باعتبارهم كائنات طفيلية يفضلون التسول ويكرهون العمل وراء الوظائف الحكومية بسبب كسلهم، وأنهم يستطيعون جني الكثير من الأموال إذا اعتمدوا على المشروعات الحرة الصغيرة. لكن الحقيقة أن اغلب الفقراء بالفعل يديرون تلك المشروعات، للأسف لا يكسبون منها الكثير من المال ولا يستطيعون التوسع فيها بسبب عجزهم عن الحصول على قرض من البنك لأنهم فقراء.
يعتقد الكثيرون أن الفقراء يمتنعون عن تعليم ابنائهم بسبب جهلهم بأهمية التعليم، ولكن الحقيقة هي أنهم يرون التعليم استثمارًا فاشلًا لأن المؤسسات التعليمية الحكومية تفشل في إعطاء أبناء الفقراء تعليمًا جيدًا يساوي التعليم الذي يحصل عليه أبناء الطبقة الغنية.
لقد كشف لي الكتاب أن الفقر أشبه بالمصيدة إذا وقع فيها الإنسان يعجز عن الإفلات منها، وأن الفقراء يعانون من نقص المعلومات الصحيحة والموارد التي تساعدهم على تحسين حياتهم، أما الجزء الأكبر من مشكلة الفقر فيعود إلى فساد المؤسسات السياسية التي ورثتها الدول النامية من الاستعمار ثم قامت بإدارتها لصالح نخبة مستبدة.
رغم الصورة القاتمة التي يصورها الكتاب عن حياة الفقراء إلا أن مؤلفي الكتاب يرون أن تغيير حياة الفقراء للأفضل ممكن، فهناك أمثلة عديدة إيجابية أوردها الكتاب تثبت أن أصغر التغييرات في المؤسسات السياسية وأبسط المنح والقروض والبرامج الموجهة للفقراء يمكنها أن تمد لهم يد العون وتنتشلهم من حياة العوز.

23 حقيقة يخفونها عنك بخصوص الرأسمالية – ها جون تشانج
         هل تكره الفقراء وتعتقد أنهم السبب في تخلف الدول النامية؟
هل تعتقد أن قارة أفريقيا قدرها التخلف، وأن النظام الاقتصادي الامريكي هو الأفضل لأن امريكا هي أكثر دولة تتمتع بالرفاهية في العالم؟
هل تعتقد أن رفع الدعم عن التعليم والرعاية الصحية شيء جيد، وأن تدخل الحكومة في السوق خاطئ؟
إذا كانت إجابتك نعم، فأنت بحاجة إلى تصحيح معلوماتك عن طريق قراءة كتاب 23 حقيقة يخفونها عنك بخصوص الرأسمالية للباحث الكوري ها جون تشانج.
يستعرض الكتاب 23 خرافة يروج لها الاقتصاديون المؤيدون لمبدأ حرية السوق أو الليبرالية الجديدة، ويشرح سبب خطأ تلك الخرافات ويستبدلها بالحقائق معتمدًا على الأرقام والإحصائيات.
المعلومات التي يقدمها الكتاب مذهلة لأنها تسير عكس تيار المقالات الاقتصادية الذي تروج لأكاذيب تربط بين رفع الدعم الحكومي وبين الحرية الاقتصادية، وترى قروض صندوق النقد الدول خير للدول النامية.
لست في حاجة أن تكون متخصصًا في الاقتصاد حتى تفهم هذا الكتاب
لأنه موجه للقارئ العادي الذي يريد أن يفهم ما وراء السطور التي يقرأها في الأخبار، ويريد أن يعرف أضرار النظام الرأسمالي الذي يغيب عنه التدخل الحكومي ويسيطر عليه رجال الأعمال والربح السريع المعتمد على المضاربات في البورصة.
الكتاب مرهق ذهنيًا لكنه ملئ بالمعلومات المفيدة التي تكشف بوضوح حقيقة النظام الاقتصادي الحديث الذي نعاني منه.  
الجلطة التي أنارت بصيرتي – جيل بولتي تايلور

 المرض محنة وابتلاء كبير ولكنه قد يتحول لمنحة توقظ الإنسان من غفلته وتجعله يرى الحياة بصورة جديدة، هذا ما حدث مع مؤلفة هذا الكتاب جيل بولتي تايلور.

 إنها طبيبة متخصصة في أمراض المخ ولسخرية القدر أصُيبت فجأة بجلطة في المخ جعلتها تفقد إحساسها بهويتها، وتفقد قدراتها الإدراكية والحركية. المدهش أنها لم تتحسر على حالها ولم تصب بالرعب من توقف حياتها، بل تحولت إلى مشاهدة ومتابعة لحركة مخها بعد أن أصيبت الجلطة وطريقة تفاعلها مع العالم وطريقة تعامل الآخرين معها، فاستفادت من الجلطة التي أوقفت عمل مخها بالطريقة الاعتيادية ولكنها أنارت بصيرتها وجعلتها ترى الحياة بصورة مغايرة وكأنها ولدت من جديد.
الجلطة جعلت الفص الايسر من مخه الذي يعتمد على التحليل والمنطق يتوقف عن الكلام، الإصابة اتاحت لها ان تستمتع بالسكينة والسلام الذي يمنحه لها الفص الايمن من الدماغ عندما يتوقف الحوار العقلي لتبقى في حالة صمت تام.
الكتاب يحتوي على معلومات هامة لكل شخص لديه عزيز مصاب بجلطة حتى يستطيع أن يتعامل معه بصورة صحيحة ويساعده على اجتياز أزمته الصحية، فمؤلفة الكتاب استطاعت أن تشفى من الجلطة وتعود للعمل بفضل دعم المحيطين بها، وأولهم أمها، وتشجيعهم لها، وإيمانهم بقدراتها على استعادة قدرتها على استعادة قدراتها على الحركة والإدراك.
الكتاب ليس موجهًا للمصابين بالجلطات وذويهم فحسب، ولكنه موجه لكل شخص يريد أن يحصل على البصيرة التي حصلت عليها الدكتورة جيل بدون أن يصاب بالجلطة، والفصول الأخيرة من الكتاب تحتوي على ارشادات ونصائح كثيرة لكل من يريد أن يتخلص من الافكار السلبية التي تدور في رأسه ويعيش في سلام نفسي.

0 تعليقات