قطرات من المياه 

كانت أميرة تغسل يديها في الحمام صباحًا عندما رأت قطرات من المياه تتسلل من وراء الحوض، وسرعان ما تجمعت القطرات وتحولت إلى بركة صغيرة.
اتصلت بزوجها ماجد لكي تخبره بالمشكلة فوعدها بالاتصال بالسباك.
 بعد ساعة   سمعت أميرة رنين جرس الباب.
اعتراها القلق.  توجهت نحو الباب بخطوات مرتعشة.  وضعت عيناها اليسرى فوق العين السحرية فلم تر أحدًا، هتفت: " مين اللي بيخبط؟".
رد عليها صوت غليظ " أنا اسمي فتحي وجاي من طرف فاروق السباك ".
  طلبت منه أن ينتظر ثم اتصلت بماجد لتخبره بوصول صبي السباك وسألته عن سر تأخره.
 أخبرها أنها   لم يتوقع أن يكون الطريق مزدحما لهذه الدرجة، وطلب منها أن تقف معه حتى يعود للمنزل.
نزعت السلسلة المٌعلقة في أعلى الباب، أمسكت المفتاح، وأدارته عدة مرات ثم وضعت يدها على قبضة الباب وفتحته بتردد.
 اكتشفت أن صبي السباك الواقف أمامها ليس صبيا، إنه رجل يجمع بين الضخامة والسمنة. شفته العليا أرنبية، أنفه أفطس، شعره مجعد وأشعث، منابت الشعر تتناثر على ذقنه كأنها دبابيس سوداء، ويبدو من الخمول الكامن في عينيه أنه لم يذق طعم النوم من أيام.
غريزة الخوف أوحت لها أن تطلب منه الانصراف والعودة لحين وصول زوجها، ولكن الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجهه أشعرتها بالحرج فرحبت به وأرشدته إلى مكان الحمام.
أنحني وفحص الحوض سريعًا، أخبرها أن هناك ثقبًا في ماسورة الحوض وأنه سوف يقوم بتغييرها الآن.
 فتح حقيبة الأدوات وأخرج منها الماسورة الجديدة. وبينما كانت واقفة وراء باب الحمام تراقبه وهو   يحاول فك الماسورة، لاحظت أن هناك خطًا أحمر رفيع كمشرط السكين محفور على أعلى رقبته المكتنزة. اهتز قلبها بين ضلوعها وتساءلت إذا كانت السباكة هي  المهنة الوحيدة التي يمارسها.
رأته يمسح بباطن كفه قطرات من المياه تتسلل كل ثوان من أنفه، وفجأة رفع رأسه نحوها وطلب منها بتأدب أن تحضر له منديلاً لأنه يعاني من البرد.
دست يدها في جيب جلبابها وأخرجت منه المنديل. اقتربت منه بحذر كأنه حيوان مفترس. 
 أعطته المنديل بسرعة ثم عادت تراقبه كصقر متحفز.
خاطبته بلطف مصطنع قائلة " طالما انت عيان مكانش المفروض تيجي ".
رد عليها بصوت مجهد وهو يصوب عينيه الناعستين على اسم الجلالة المتدلي من السلسلة الذهبية الملفوفة حول رقبتها " أعمل إيه يا مدام أكل العيش “.
 أحكمت يديها   بقوة على السلسلة ثم قالت لنفسها إنه لا يعاني من البرد، إنه مدمن ويعاني من أعراض الانسحاب الذي تشبه أعراض البرد لأنه لا يملك المال لشراء المخدرات.
 أخرجت هاتفها من جيبها واتصلت بماجد وأخذت توبخه بسبب تأخره كل هذه المدة.
أقسم لها أن الطريق ما زال مغلقًا، وأنه لا يتمني في الحياة شيء أكثر من العودة إلى المنزل بسرعة.
 هتفت له بصوت لاهث حاد كأنه نداء استغاثة:
"طب تعال بسرعة إن شاء الله تمشي على رجلك بس تعالي".
 رد عليها بتوتر: " فيه إيه يا أميرة مالك خايفة كده ليه ".
 رأت السباك يصوب نحوها نظرات مريبة فتقلص وجهها وردت على ماجد بصوت هامس مرتجف   " مفيش حاجة "ثم أنهت المكالمة.
تنهدت بعمق وهي تحاول استجماع أعصابها المفككة.  تيقنت أن الخطر أقرب لها مما تتصور وأن لا منقذ لها اليوم إلا نفسها.
دخلت حجرة المطبخ بسرعة، أخذت من درج الأدوات المنزلية السكين الكبير الذي    تقطع به اللحم وخبأته في جيبها.
رأت الرجل يعتدل واقفا ويمسك بحقيبته قبل أن يخبرها أن حجم الماسورة التي أحضرها معه لا يناسب الحوض وأنه سيذهب للمحل لكي يحضر ماسورة أخرى.
سارت ورائه بخطوات حذرة بينما ظلت عيناها مثبتتين عليه، لم تلاحظ أن طرف سجادة الصالة كان مثنيًا فتعثرت وسقطت على وجهها.
أدار فتحي رأسه للوراء عندما سمع صوت صياحها.
رأته يمد يديه باتجاهها فسحبت السكين من جيبها بسرعة، ولوحت بها له كأنها جزار محترف.
فغر فتحي فاهه من الدهشة، تراجع للوراء وهتف بصوت مفزوع وهو يشير للسكين: "انتي فاكراني مجرم؟، ده أنا كنت  عايز أساعدك علشان تقومي "  
عجزت أميرة عن الرد عندما رأت عاصفة من الغضب تجتاح وجهه الشاحب.
نهضت من على الأرض بسرعة   وابتسمت له كأن شيئا لم يكن وطلبت منه أن يعود سريعا ليركب الماسورة الجديدة.
مسح قطرات المياه المتسربة من أنفه بكوعه ثم رمقها بنظرة مزدرية، ورد عليها بصوت مجروح:
" معلش دوري على حد تاني يركبها لك ".

    

3 تعليقات

  1. اسلوبك رشيق وهادى جدا حاولى تقرى ليوسف ادريس

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على تعليقك انا فعلا قريت ليوسف ادريس كتير

      حذف
  2. جميلة قوي يا ياسمين . مشوقة فعلا .

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته