إذا كان أمامي اختيارين بين أن أصاب بكورونا أو أن أجوع؛ سأختار كورونا.
هذا ما أعلنه لي سائق التاكسي الذي ركبته في أوج أزمة كورونا.
الحوار بيننا بدأ بعطسة عادية بدرت منه أجبرته على تغطية أنفه، بدون وعي وجدت نفسي انتفض صائحة كورونا ثم ضحكت على نفسي لأنني صرت أخاف من العطس كرد فعل طبيعي تجاه الغبار.
قبل كورونا كنا نقول لمن يعطس يرحمكم الله، وربما نعطيه منديلا ليجفف أنفه، أما بعد كورونا فالعطس أصبح مصدرًا للذعر باعتباره الدليل الدامغ على احتلال الفيروس الوباء لجسد الإنسان.
أقسم لي السائق أنه ليس مصابًا بكورونا، لم أعرف كيف أتى بهذه الثقة ولكني صدقته.
استطرد قائلاً بحزن أن وباء كورونا تسبب في إفقاره لأن عدد الركاب انخفض بشكل ملحوظ بعد أن توقف الناس عن الخروج، وتم تطبيق إجراءات حظر التجول.
أخبرني أنه يخاف من عدم قدرته على إطعام أسرته إن استمرت هذه الأزمة في الشهور القادمة.
كثير من الأطباء وخبراء الصحة ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يعتقدون أن هذا السائق شخصًا جاهلا مستهترًا، وأنه لا يدرك خطورة الفيروس الذي أصاب ملايين البشر حول العالم وحصد أرواح الألاف.
إنهم يستغربون استهتار كثير من المصريين بإجراءات التباعد الاجتماعي وإصرارهم على الخروج وممارسة عملهم في هذه الظروف العصيبة، ويعتقدون أن من يخرج من منزله ويصر على العمل في ظل انتشار الوباء يلقي بنفسه في التهلكة.
هنا يأتي سؤال وجودي مهم، هل من الأفضل أن تموت من المرض أو تموت من الجوع ؟
إذا لم تجرب الفقر في حياتك، فسيٌخيل لك أن لا أحد يموت من الجوع، وأن خطر انعدام الغداء وهم اخترعه الفقراء.
أما إذا كنت جربت الفقر والعوز ورأيت نفسك عاجزًا عن دفع ايجار شقتك أو شراء طعام لأطفالك، فسيكون الموت جوعًا هو هاجسك الأكبر.
إذا تأملت هرم ماسلو الذي يرتب الاحتياجات الإنسانية وقفا لأهميتها ستجد أن الحاجات الفسيولوجية للطعام والشراب تقبع في قاعدة الهرم باعتبارها الحاجة الأهم والأكثر 
إلحاحا لدى كل انسان، يليها الحاجة للأمن الوظيفي والصحي.

لا غرابة أن كثيرا من الناس يخافون على أمنهم الغذائي والوظيفي، أكثر من خوفهم على صحتهم، إنهم ليسوا جشعين وليسوا مستهترين ولكن غريزة البقاء هي التي تحكمهم. 

فقدان الوظيفة أو مورد الرزق تأثيره أبعد وأكثر تدميرًا لحياة الإنسان من الإصابة بفيروس وبائي من المحتمل أن تشفى منه.
 إذا فقدت مصدر دخلك لن تستطيع دفع إيجار شقتك وفواتير المياه والكهرباء، ولن تجد منزلا لتعزل نفسه، ولن تستطيع شراء الدواء والكساء.
المعلومات السابقة بديهيات غائبة عن النخبة المصرية المتحكمة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي عزلت نفسها في برج عاجي، وأخذت تطالب الحكومة بإغلاق الاقتصاد بفرض حظر تجول شامل على الشعب مثلما حدث في كثير من دول العالم باعتبار أن هذا الأسلوب سيؤدي إلى القضاء على الفيروس وإنقاذ حياة المصريين منه.
هذه النخبة لا تدرك أن فرض حظر التجول لابد أن يستمر لشهرين على الأقل حتى يأتي بنتيجة فعالة، فالصين التي طبقت حظر تجول متشدد لم تستطع رفعه بشكل كامل حتى الآن بسبب استمرار ظهور إصابات جديدة.
من المهم أيضا أن ندرك الحظر بمفرده مهما طال لن يؤدي إلى اختفاء الفيروس فهو وسيلة لشراء الوقت وتأجيل إصابة الناس بالفيروس في وقت واحد مما يعطي فرصة للمنظومة الطيبة للتعامل مع المصابين وإعطائهم الرعاية اللازمة، ولكن الحل النهائي لأزمة كورونا حسب ما يراه معظم العلماء هو توافر لقاح فعال.
اللقاح لن يظهر قبل سنة وفي حالة فعاليته، وتوافر بأسعار مناسبة في جميع الدول سيظل جميع سكان العالم معرضين لخطر الإصابة بالفيروس إن خرجوا للعمل، وهذا أمر حتمي لأنه من المستحيل أن تتوقف عجلة الحياة والإنتاج لسنة أو أكثر لحين توفر اللقاح.
من يطالبون بفرض حظر تجول شامل في مصر لا يدركون أن الدول التي طبقت هذا الحظر أغلبها دول متقدمة أو دول ذات كثافة سكانية منخفضة. حكومات هذه الدول قدمت للعاملين إجازة مدفوعة وقدمت للشعب تخفيضات على فواتير المياه والطاقة م بينما أقصى ما استطاعت الدولة المصرية أن تفعله للمواطنين هو إعانة مؤقتة قدرها 500 جنية للعمالة الغير منتظمة.
 هذه الإعانة أفضل من لا شيء بالطبع، ولكنها من المستحيل أن تكفي أي أسرة فقيرة أكثر من أسبوع.
مبلغ الإعانة الضئيل تستطيع بسهولة أن تنفقه أي أسرة غنية في رحلة تسوق واحدة، وهذا يؤكد الهوة الشاسعة بين الأغلبية الفقيرة والأقلية الميسورة في مصر.
تلك الهوة جعلت مشكلة الطبقة التي تمتلك رفاهية الجلوس في المنزل هو الخوف من الإصابة بالفيروس إن اضطروا للخروج من المنزل، ورغبتهم في تطبيق الحظر الكلي على جميع الناس.
 لا يخاف الفقراء على صحتهم بنفس الدرجة لأن صحتهم بالفعل مهددة قبل كورونا، فهم يعيشون في بيئة ملوثة في أحياء ضيقة ومكدسة بالبشر ويعانون بالفعل من نقص في الخدمات الصحية.
 الفقراء يرون الفيروس وما يتبعه من حظر وشلل لحركة التجارة والاقتصاد نكبة مادية كبرى تضاف فوق النكبات التي تحل على رؤوسهم كل حين، يرونه حرمانا من مصدر عيشهم، وعقابًا قاسياً على خطأ لم يرتكبونه.
إنهم يعتقدون أنهم لم يتسببوا في دخول الفيروس إلى مصر، ولم يمنعوا الحكومة من غلق الحدود والامتناع عن استقبال السياح في وقت مبكر من الأزمة، وبالتالي لا يجب أن تحرمهم الدولة من مصدر رزقهم طالما أنها لا تستطيع تعوضهم عن الخسائر المادية التي يتعرضون لها.
رؤيتهم البسيطة المباشرة للحياة وتفكيرهم الذي يقتصر على تأمين احتياجاتهم اليومية فقط هو ما يدفعهم للإصرار على العمل بدون الالتفات إلى التحذيرات التي يقدمها لهم المشاهير والمثقفين بضرورة الامتناع عن الخروج من المنزل.
أنا لا أبرر تصرفات الفقراء المتهورة، ولا ألوم الأغنياء على خوفهم، ولكني أحاول أن أوضح الفرق الكبير في أسلوب الحياة والاولويات بين الطبقات في مصر التي كشفتها أزمة كورونا، والتي يجب أن تجعلنا نحاول فهم الدوافع الكامنة وراء تصرفات من يعيشون في ظروف مختلفة عنا بدلا من أن ندينهم ونسخر منهم.

0 تعليقات