بعد انقطاع طويل أعود لأواصل تقديم ترجمة مختصرة للفصل الأخير من كتاب الإبداع : سيكولوجية الاختراع والاكتشاف لعالم النفس الهنجاري الأمريكي ميهالي سيسكزيتنت.

بعد أن تعرفنا في الجزء الأول والثاني من سلسلة كيف تصبح مبدعًا على الطرق التي يجب علينا اتباعها للعثور على الطاقة الإبداعية سوف نتعرف على طرق لتطوير شخصيتك حتى تصبح أكثر إبداعًا.

الشخصية تتكون عبر الطرق التي يعتاد المرء عليها في التفكير والتصرف والشعور، ولكن هل من الممكن أن يغير المرء شخصيته حتى يصبح أكثر إبداعاً؟

الواقع يقول إن هذا أمر صعب لأن تكوين الشخصية يعتمد على الطبع وهو أمر وراثي، الجينات الوراثية هي المسئولة عن تكوين طبع الانسان فيصبح خجولا أو عدوانيًا. يتطور طبع المرء بالتربية والتفاعل مع بيئته وأصدقائه، فتصبح بعض الطباع أكثر قوة بينما تضعف طباع أخرى مع الوقت.

ولكن هذا لا يعني أن تطوير الشخصية أمر مستحيل، فمن الغريب أن الناس من الممكن أن ينفقوا أموالا طائلة من أجل تحسين اشكالهم وأجسامهم، ولكنهم لا يولون الانتباه نفسه لشخصياتهم، رغم أنهم لو اهتموا بتطوير شخصياتهم لاستطاعوا تغيير العالم.

تغيير الشخصية يتطلب أن يتعلم المرء أن يوجه لانتباهه لأشياء مختلفة وأن يختبر مشاعر مختلفة وأن يفكر بطريقة مختلفة.

 إذا كنت  تملك طباعا جامدة لا تتناسب مع عملك فأنت بهذه الطريقة تهدر طاقتك الإبداعية، لذا من المفيد أن نتعرف كيف نطور الجوانب الناقصة في شخصياتنا لكي نكون أكثر إبداعًا عن طريق اتباع هذه النصائح.

جرب أن تعيش كشخصية أخرى:

جميعنا نملك مجموعة محددة من الصفات مما يعني أننا نهمل الجانب الآخر من الصفات التي نملكها. مثلا؛ الشخص الذي يحب المنافسة والتفوق على الآخرين يجد صعوبة في التعاون معهم، والشخص الذي يعتمد على الحدس يرفض النظر للأمور بحيادية، ولكي نغير أنفسنا علينا تطبيق رؤية أرسطو الذي رأى أن الفضيلة تكمن في التوسط بين التهور والجبن.

حدد أكثر صفة تميزك، إذا كنت لا تثق في حكمك على نفسك، أسأل أصدقائك عن أكثر ما يميزك كشخص؛ هل أنت عقلاني أم متهور أم انطوائي؟

بعد أن تحدد الصفة المميزة لديك جرب أن تتبنى الصفة المعاكسة لها، فإذا كنت انطوائيا جرب أن تكون شخصًا اجتماعيًا، وإذا كنت عقلانيًا جرب أن تعتمد على حدسك، وإذا كنت بخيلًا جرب أن تزيد من إنفاقك قليلًا.

 في البداية قد تبدو لك هذه التجربة مضيعة للوقت، وسوف يكون الخروج عن عاداتك أمرا صعبًا.

 لكن عن طريق خوض هذه التجارب ستكتسب معرفة جديدة عن نفسك وعن العالم مما سيؤدي إلى إثراء حياتك.

تحول من الانفتاح إلى الانغلاق :

ربما أكثر ثنائية يستطيع المبدعون الحفاظ عليها هي أن بإمكانهم أن يكونوا منفتحين وفي الوقت نفسه في حالة تركيز وتحفيز عالي. العلماء الجيدون مثل الفنانين لديهم القدرة على ترك عقولهم تسرح بحرية حتى يستطيعوا التوصل إلى اكتشافات وأنماط جديدة، ولكنهم في الوقت نفسه لديهم القدرة على عمل تقييم نقدي لكل شيء جديد يصادفهم فيتجاهلوا المزيف ويركزوا على تطوير الأشياء القليلة الواعدة.

من المهم أن تتدرب على تطوير هذه السمة لديك، جرب أن تأخذ مهمة معينة تقوم بها في عملك مثل كتابة تقرير حول مشروع تقوم به، دع عقلك يسترخي وأنظر من النافذة ودع عينيك تتجولان بين المكتب.

 الآن، حاول أن تكتشف ما هو أهم شيء في المشروع ليس فقط من الناحية العقلية ولكن من الناحية العاطفية، ما الذي يعجبك في هذا المشروع؟ ما الذي يخفيك منه، حاول أن تحول مشاعرك نحو المشروع إلى صور أو مشاهد من فيلم، تخيل ما يفعله ويقوله المشاركون في المشروع.

اكتب في دفترك أي كلمات تخطر على ذهنك تخص المشروع، كلمات تصف الأشخاص أو المعلومات أو الاحداث التي تخص المشروع.

عندما تعثر على الكلمات المناسبة حولهم إلى قصة، هذه القصة من المفترض أن تعبر عن مشاعرك نحو المشروع.

في هذه المرحلة لابد أن يتغير هدف من الانفتاح إلى الالتزام، اختر الكلمات التي تصف بها المشروع بعناية، فكر في أهداف القسم الذي تعمل به وأهداف الشركة بشكل عام، وفي اهتمامات وأذواق رؤسائك الذين سيقرأون هذا التقرير.

حاول أن تكون مؤثرًا ومقنعًا، إذا استطعت أن تعتمد على حسدك في البداية ثم تعتمد فيما بعد على مهاراتك النقدية العقلانية سيكون عملك أكثر إبداعًا أكثر مما لو اعتمدت على واحدة فقط من هذه الاستراتيجيات.

التغيير من ناحية إلى الأخرى مهم أيضا في العلاقات بين الزملاء والأصدقاء والازواج والأهل والأبناء. لكي تنجح أي علاقة، من الضروري أن تستمع إلى الطرف الآخر وأن تتخيل لماذا تقول شريكة حياتك ما تقوله وكيف ترى العالم، في الوقت نفسه أن تكون على اتصال مع رؤيتك ومعتقداتك، فالرؤية الثنائية للعالم تعطي ثراء لتجربتك وتجعلك تتفاعل معه بطريقة أكثر إبداعًا.

اطمح نحو التعقيد:

التعقيد جزء أساسي أي نظام بداية من الأمبيا البسيطة وحتى الثقافة الإنسانية. التعقيد جزء من الشخصية الإنسانية، بعض الناس لديهم صفات مندمجة أو موحدة وليست متنوعة، فتجد أفكارهم ومشاعرهم وأراءهم محدودة وتجدهم ومشاعر وأراء محدودة، تجدهم متوقعين ومملين، فهم يمتلكون نظرة آحادية، جامدة للعالم.

 هناك اشخاص آخرون لديهم أراء كثيرة، يحبون التغيير، يطمحون لتحقيق شيء مختلف وجديد، ولكن في المقابل ليس لديهم قدرة على الاستمرارية، وليس هناك شغف مسيطر عليهم. إنهم يملكون قدرة على التنوع ولكن ليس لديهم قدرة على الاندماج في المجتمع.

 الأفراد المبدعون يختلفون عن النموذجين السابقين، فهم شخصيات معقدة لكنهم قادرين على المحافظة على التوزان بين الانغلاق والانفتاح.

 المبدع شخص فردي يتبع شغفه ويصنع مساره الوظيفي، لكنه على الجانب الآخر متمسك بتقاليد الثقافة التي يعيش فيها، إنه على استعداد لتعلم قواعد المجال الذي يعمل فيه ويتفاعل مع أراء الآخرين طالما أنها لا تتعارض مع تجربته الشخصية.

التعقيد ينمو من التقاء هاتين النزعتين. التعقيد النفسي ليس رفاهية مخصصة للمبدعين فقط، أي شخص لديه الرغبة في تجربة الحياة بكل نواحيها لابد أن يطمح لتنمية الصفات التي تنقصه، لابد أن يكون قادرا على الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح بكثير من الفضول والامتنان لمعجزة الحياة.

في الجزء القادم سوف نتعرف أكثر على كيفية استغلال الطاقة الإبداعية في حل المشاكل التي تواجهنا في الحياة. 

المصدر :

https://www.amazon.com/Creativity-Flow-Psychology-Discovery-Invention/dp/0062283251


0 تعليقات