إذا كنت تشعر بالحزن وكان أمامك اختيارين بين أمرين : أن تفعل شيئًا يخفف من حزنك أو يؤدي إلى تفاقمه فماذا ستختار؟
الإجابة المنطقية أن تختار الشيء الذي يخفف من حزنك، ولكن إن كنت مصابًا بالاكتئاب فإنك على الأرجح سوف تختار الشيء الذي يزيد من حزنك، هذا ما أثبتته دراسة علمية حديثة قرأتها مؤخرًا تحمل عنوان الحزن كاختيار.
 الهدف من هذه الدراسة هو التعرف على الأسلوب الذي يتبعه المكتئبون في التعامل مع مشاعرهم.
قام الباحثون في القسم الأول من الدراسة بعمل تجربة للمقارنة بين الأشخاص المكتئبين والغير مكتئبين، عرضوا على المشاركين مجموعة من الصور المفرحة والحزينة والمحايدة ثم أعطوهم الاختيار بين مشاهدة الصور التي يفضلونها مرة أخرى، وبين أن يشاهدوا شاشة سوداء، وفي النهاية طلبوا منهم تقييم حالتهم المزاجية.
اكتشف الباحثون كما متوقع أن النظر للصور المفرحة حسنت الحالة المزاجية للأشخاص الخاضعين للاختبار والصور المحزنة أشعرتهم بالكآبة.
رغم أن الصور المحزنة تسببت في تدهور حالة الأشخاص المكتئبين إلا أنهم فضلوا مشاهدتها مجددًا.
كرر الباحثون التجربة بشكل مختلف، فجعلوا المشاركين يستمعون لموسيقى مفرحة وحزينة، وعرضوا عليهم الاختيار بين إعادة الاستماع للأغنيات التي يفضلونها، النتيجة أن الأشخاص المكتئبين فضلوا الاستماع للأغنيات الحزينة.
في القسم الأخير من الدراسة قرر الباحثون أن يدربوا المشاركين على طرق لزيادة أو تخفيف طريقة استجابتهم للمثيرات العاطفية المحزنة، ثم عرضوا عليهم صورًا محزنة ومفرحة ومحايدة وطلبوا منهم أن يختاروا بين إتباع الطرق التي تجعلهم أكثر حزنًا أو أكثر فرحًا، النتيجة أن المكتئبين لم يطبقوا الطرق التي تدربوا عليها لتحسين حالتهم المزاجية بل اختاروا أن يكونوا أكثر حزنًا.
إذا كنت تعاني من الاكتئاب أو تعرف شخصًا يعاني منه، فإنك لن تجد غرابة في نتائج هذه الدراسة.
 من الشائع أن ينزعج المكتئب من محاولات أهله وأصدقائه لإخراجه من حالته النفسية السيئة وإعطاءه الأمل وتحسين حالته المزاجية، بل إنه قد يراها استخفافًا واستهتارا بمأساته، فتجده يفضل أن يبقى منعزلا في منزله تحت الغطاء بعيدًا عن الشمس والنور.
إنه لا يفعل ذلك لأنه يتعمد تعذيب نفسه، لكن لأنه يرى أن مشاعره حقيقية وواقعية جدًا، ويؤمن أن أزمته النفسية مستعصية، وأن جميع أبواب الأمل مغلقة في وجهه، وأن كل من يحاولون مساعدته يخدعونه ويضللونه.
البشر يميلون للمألوف والمعتاد حتى كان مضرًا، ويرفضون الجديد حتى لو كان مفيدًا.
كلما طالت معاناة المرء من الاكتئاب كلما صار الانغماس في الحزن ورثاء الذات والعزلة أمور مألوفة وعادية بالنسبة له، بينما تصبح السعادة والبهجة مشاعر غريبة عليه.
من المعروف علميًا أن الاكتئاب يغير طريقة عمل الدماغ وطريقة تفكير المرء كليًا، فيصبح الاكتئاب مثل النظارة السوداء التي تضفي طبقة داكنة على الأشياء والأشخاص.
استعرضت في مقال سابق بعنوان كيف يفكر المكتئبون التشوهات الفكرية التي تصيب عقل المرء عندما يصاب بالاكتئاب فتجعله يرى كل حادث سلبي بمنظار مضخم، بينما يتجاهل كل الأمور الإيجابية التي تقع له.
الحوارات السلبية التي تسيطر على عقل المكتئب تضعف ثقته بنفسه، فيرفض الانخراط في أي نشاط من شأنه أن يحسن حالته النفسية.
يبدو الاكتئاب مثل دوامة تسحب المرء تدريجيًا بدون وعي، مما يجعله يتوقف عن الحركة وممارسة الأنشطة التي تخفف أعراضه.
تتدهور حالته إلى أن يقتنع أن حياته بلا قيمة أو معني وتسيطر عليه الأفكار الانتحارية.
يصير المكتئب عالقًا في الدوامة بمفرده، كلما حاول أحد مساعدته يرفض أن يمد يده إليه لأنه مقتنع أنه يستحق الموت غرقًا.
هذا التحليل يفسر لماذا الخروج من الاكتئاب أصعب مما يبدو، فهو يعتمد على صراع مستمر بين الإنسان وبين عقله.
 القدرة على الخروج من دوامة الاكتئاب تعتمد بشكل أساسي على الوعي. فلابد أن يدرك المكتئب أن عقله يعمل ضده، وأن يقتنع أن المشاعر والأفكار السلبية المسيطرة عليه ليست حقيقية أو واقعية.
بل هي نتاج مرضه، لذا عليه ألا يصدقها وألا يستجيب لها.
الوعي بالذات وبالأفكار يساعد المريض على أن يأخذ مسافة بعيدًا عن مشاعره وأفكاره، فيراها على حقيقتها ويدرك أنها أفكار عدائية مشوهة. حينئذ سيتمكن من اتخاذ أول خطوة في الطريق الصحيح، وسيبدأ في الاستجابة للمساعدات والدعم ويتمكن من الخروج من دوامة الاكتئاب. 

0 تعليقات