حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، هذا المثل الشهير تم تداوله بكثرة في كتب التنمية 
البشرية ووسائل الإعلام حتى صار أغلب الشباب يعتقدون أن سر النجاح هو أن تعثر على عملًا تحبه وتستمتع بممارسته أو أن تحول هوايتك المفضلة إلى عمل احترافي.

 أصبحت الوظائف المكتبية والإدارية التي مارسها جيل الآباء والاجداد على مدار العقود الماضية غير مغرية لجيل الشباب الذي يريد إيجاد طريقه الخاص في الحياة والبحث عن شغفه وتحويله إلى عمل. 

قديمًا كانت الهوايات مصدرًا للتسلية والترفيه في أوقات الفراغ ووسيلة للاسترخاء ونسيان مشاكل الحياة وأعباء العمل. أما الآن، فصار الجميع يأخذون هواياتهم على محمل الجد وصار حلمهم هو تحويل هواياتهم إلى عمل يدر عليهم ربحًا وفيرًا

يعتقد الكثيرون أن الهواية عندما تتحول إلى عمل فإنها تحول العمل إلى  نزهة طويلة أو لعبة ممتعة ولكن الحقيقة التي اختبرتها أن تحويل الهواية إلى عمل خاصة عندما تكون هذه الهواية متصلة بالمجالات الفنية والإبداعية، ينزع منها سحرها ومتعتها وجاذبيتها، وقد يحولها إلى سبوبة.

السبوبة مصطلح عامي يرمز إلى العمل الذي يقوم به المرء من أجل المال فقط بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

ما يميز الهواية أنها فعل اختياري يقوم به المرء وقتما يحلو له، إنها ليست مقيدة بمواعيد أو قواعد أو أهداف مادية، المرء يمارس هوايته المفضلة كي يهرب من روتين الحياة، ويمنح لنفسه حرية التعبير عن ذاته بدون التفكير في الربح الذي سيحصل عليه نظير ما يقوم به، فالانغماس في الهواية والاستمتاع بها هدف في حد ذاته يكفيه للاستمرار في ممارستها.

 عندما يقرر المرء أن يحول هوايته إلى حرفة ومصدر رئيسي للدخل فإن علاقته بهوايته تتغير كليًا لأنه يضع على نفسه عبئًا كبيرًا كي يثبت للعالم أن موهبته تستحق التقدير المادي.

سرعان ما يكتشف المرء أن موهبته وشغفه ليسا كافيان لتحقيق النجاح في العالم الخارجي وأن طريق الاحتراف أصعب كثيرًا مما يتخيل، فجميع الوظائف المتصلة بمجالات الفن والإبداع تعاني من كثرة العرض وقلة الطلب، والنجاح فيها يعتمد بشكل كبير على الظروف وضربات الحظ والتنافس فيها على أشده، لأن كل الهواة يعتقدون أنهم موهوبون وعباقرة، وجميعهم يتسابقون لنيل الفرص المحدودة المتاحة وعدد قليل منهم ينجح في الفوز بها.

حتى عندما ينجح المرء في تحويل هوايته إلى عمل فإن علاقته لتلك الهواية لابد أن تتغير،  فيبدأ في النظر إلى ما يفعله بوصفه خدمة أو منتج يسعى إيصاله إلى الجمهور أو العملاء، ويصب تركيزه على الناس محاولا جذبهم بكل الطرق حتى يوظفونه أو يشترون المنتج الذي يقدمه لهم.

يتغير الحافز الذي يدفع المرء للعمل من حافز داخلي مبني على الشغف والحب والمتعة إلى حافز خارجي مادي بحت، وهو في الرغبة في إرضاء الناس من أجل تحقيق الربح المادي.

قد يضطر المرء تحت ضغط الحاجة المادية أن يتنازل عن أحلامه الإبداعية ويهدر مواهبه ويسير في طريق السبوبة.

هناك نماذج كثيرة لموهوبين في عدة مجالات اضطروا أن يكونوا من أصحاب السبوبة وأهدروا مواهبهم وقبلوا بأقل مما يستحقونه تحت ضغط الحاجة المادية، مثل الأديب الذي يكتب لغيره مقالات أو مؤلفات أو أبحاث سرًا ويرضى بوضع أسمائهم بدلا منه ويسمى كاتب الظل، أو كاتب السيناريو الذي يقبل بسرقة أفكار أفلام أو مسلسلات أجنبية وتعريبها إرضاء لرغبات شركات الإنتاج، أو الممثل الذي يقبل في الظهور في أعمال فنية رديئة أو مبتذلة طلبًا للمال.

مما لا شك فيه أن هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتعاسة لأنهم عجزوا عن استثمار مواهبهم في المكان المناسب، بعضهم يلعنون الظروف المادية التي أجبرتهم على التنازل عن أحلامهم، لكن في مرحلة متقدمة من حياتهم قد يتصالحون مع اختياراتهم ويقبلوا بالأمر الواقع ويقتنعوا أنهم لم يُخلقوا لنيل المجد، لكن في النهاية فإن علاقتهم بعملهم تصير فاترة وآلية.

 عندما تتحول الهواية إلى وظيفة لابد أن يقوم بها أن يقوم بها المرء يوميًا لساعات طويلة من أجل الأجر تصبح أمرًا كريهًا ومملًا. 

بعد حين يكتشف المرء العمل الذي أحبه واختاره بإرادته لا يختلف شيئًا عن العمل العادي الروتيني الذي هرب منه لأن كل عمل مهما بدا حرًا يرتبط بأوامر ونواهي وقيود ومواعيد وممارسات مكررة ومضجرة.

الطرح السابق لا يعني أنني أرى أن كل الأعمال متساوية، أو أنك يجب أن تتخلى عن حبك لمجال معين وتقبل العمل في أي وظيفة مضمونة حتى لو كنت تكرهها.

لكني أعتقد أن كل شخص قبل أن يفكر في تحويل هوايته إلى عمل ثابت لابد أن يكون لديه دراية عميقة بطبيعة مجال الذي ينوي دخوله، لابد أن يتعرف على طبيعة السوق وحجم المنافسة وفرص العمل المتاحة أمامه والدخل المتوقع حتى لا يصطدم بمشاكل ومعوقات تؤدي إلى فشله مبكرًا.

  قبل أن تحول هوايتك إلى عمل أن يكون لديك خطط بديلة أو مدخرات تساعدك على الصمود في حالة حدوث فشل أو انخفاض مفاجئ في الطلب على عملك، كما تحميك من الانزلاق في طريق السبوبة والقبول بأي شيء من أجل لقمة العيش.

 من المهم ألا تكابر وتصر على الاستمرار في المجال الذي تحبه إذا ثبت لك أنك لن تستطيع التربح منه، ففي هذه الحالة من الأفضل أن يكون لديك عملًا آخر يضمن لك دخلا شهريًا ثابتًا، وفي المقابل بإمكانك أن تحافظ على هوايتك وتمارسها في أوقات فراغك بكل حرية بعيدًا عن أي ضغوط مادية أو توقعات خيالية. 

0 تعليقات