ما زلنا نتحدث عن أسرار الإبداع وفي هذا المقال نصل إلى الجزء الأخير من سلسلة كيف تصبح مبدعًا والذي قدمت لكم من خلاله ترجمة مختصرة للفصل الأخير من كتاب الإبداع: سيكولوجية الاكتشاف والاختراع للعالم الأمريكي الهنجاري ميهالي سيسكزيتنت.

في هذا الجزء يقدم المؤلف للقراء وسائل لتحسين قدراتهم على التفكير الإبداعي، وفي النهاية يقدم لهم نصائح للعثور على شغفهم الشخصي ليصبح الإبداع جزء من حياتهم اليومية.

لنبدأ بالحديث عن أسرار التفكير الإبداعي.

لا يهدف كل التفكير إلى التوصل إلى حلول، فأحيانًا تكون الأفكار نتيجة   تفاعل مع حديث الآخرين، أو يكون مطلوب منك إنتاج أفكار خاصة بأحداث معينة بدون أن ترتبط بمشكلة محددة.

جلسات العصف الذهني تهدف إلى زيادة القدرة على التركيز في الإبداع عبر تحسين ثلاثة جوانب من التفكير الإبداعي، الطلاقة أو القدرة على إنتاج عدد كبير من الأفكار، المرونة وهي القدرة على انتاج أفكار مختلفة، والأصالة وهي القدرة على إنتاج أفكار نادرة.

يمكنك أن تحسن قدرتك على التفكير الإبداعي عبر اتباع النصائح التالية :

اخرج بأكبر عدد من الأفكار


إذا كنت تكتب خطابًا أو تقريرًا، اعثر على كلمة مفتاحية تبدأ بها ثم حاول أن تستخرج أكبر عدد من المفردات لهذه الكلمة، بإمكانك أن تلجأ إلى القاموس أو تتوصل إلى مرادفات متشابهة ولكنها قد تقودك إلى طرق مختلفة للتعبير.

في البداية حاول أن تتوصل لأكبر عدد من الكلمات ثم قلل عددها وركز على المطلوب فقط.

اتبع نفس الطريقة عندما تخطط لإجازتك، في البداية فكر في أكبر عدد من الاختيارات حتى إن لم تكن كلها منطقية، أي اقتراح مجنون قد يقودك إلى طريق جديد لم تفكر فيه من قبل.

عندما يطلب منك رئيسك أفكارًا للعمل، لا تعطه الأفكار المتوقعة المعروفة، بل فاجئه بأفكار جديدة وأصيلة.

ابحث عن أفكار متنوعة

التنوع ضروري للإبداع، ففي الحياة لابد أن تكون على التفكير في بدائل متنوعة لكل شيء بداية من موضوعات للحديث حتى الموسيقى وأساليب اللبس والحوار.

 جرب ممارسة هذا التمرين الذهني: عندما يقول أحدهم أمامك عبارة أو تصريح ما، تخيل أن العكس هو الصحيح.

 حتى إن كانت البدائل التي تتوصل إليها غير مفيدة، فهناك احتمال أن تكتشف فكرة مختلفة توصلك إلى الابداع.

ابحث عن الأفكار الجديدة


الأصالة هي حجر الأساس للإبداع، والشخص المبدع سوف يتوصل إلى إجابات وحلول مبتكرة لا يفكر فيها غالبية الناس ولكنهم عندما يسمعونها سيظنون أنها سهلة ويتساءلون لماذا لم يتوصلوا إليها من قبل؟

تعلم التفكير الإبداعي أكثر صعوبة من تعلم السلاسة في التفكير لأنه يتطلب تطوير ذوق معين، لكن هناك عدة تمارين يمكنك ممارستها للتدريب على التفكير الإبداعي.

  استخدم فقرة في كتاب وحاول العثور على طريقة جديدة ومميزة للتعبير عن نفس الفكرة.

تأمل مكتبك أو حجرتك وأسال نفسك هل ما تراه داخلهما يعثر عن ذوقك، إذا كانت الإجابة لا فحاول أن تعثر على طريقة لتغيير كل ما يحيط بك حتى يكون معبرًا عن شخصيتك.

إذا كان عملك يتضمن اجتماعات ومؤتمرات كثيرة، اكتب ملخصًا للأفكار التي تم طرحها في الاجتماع وحاول أن تستخدمها كي تعبر عن أفكار ومقترحات بديلة، بدلا من أن تعيد طرح الأفكار الروتينية المعروفة، حاول أن تعثر على طريقة جديدة للتفكير في المشاكل.

التفكير الإبداعي يتطلب مجهودًا وطاقة أكبر من التفكير الروتيني الاعتيادي، لذا يجب عليك أن تختار متى تلجأ للإبداع حتى لا تستهلك نفسك في السعي نحو الأصالة.

كيف تصبح مبدعًا في حياتك اليومية


إذا كان الإبداع يعني تغيير مجال معين فإن الإبداع الشخصي يعني تغيير الحياة للأفضل، يمكن أن نقول على طبيب أنه مبدع لأنه غير مجال الطب للأفضل، فإن الشخص الذي يستطيع حياته للأفضل يمكن أن نقول عنه إنه مبدع أيضًا.

مجال الحياة الشخصية يتكون من العادات والممارسات التي نقوم بها يوميًا، مثل طريقة ارتداء الملابس، طريقة التي نعمل بها، وطريقة إدارة علاقتنا بالآخرين. إذا استطعنا أن نطور تلك النواحي فإن حياتنا سوف تتحسن.

معظم المجالات التي تجعل الحياة مثيرة للاهتمام محددة ومميزة مثل الموسيقى، الطهي، الشعر، الرياضة، الدين، السياسة.

هذه المجالات لها قواعد محددة كما أنها تصنع الثقافة العامة وتجعل المرء يرى الحياة عبر العدسة التي تقدمها له. الشخص الذي يدخل هذه المجالات ويمارس قواعدها بإمكانه أن يوسع نطاق إبداعه.

بعض الناس يفترضون أنه ليس بإمكانهم تعلم أي شيء عن هذه المجالات.

قد يكون صحيح أن هذه المجالات لا تناسب البعض، ولكن بشكل عام فإن المشكلة ترجع إلى جهل الناس بهذه المجالات وقلة ثقتهم بأنفسهم، بالإضافة إلى عادات التفكير التي تجعلنا نقلل من إمكانية الاستمتاع بهذه المجالات التي تعطي السعادة للآخرين.

قليل من البشر يتمكن من معرفة المجال الذي يستطيع أن يبرع فيه، الطفل العبقري هو الطفل الذي ولد بموهبة خاصة في مجال معين ولكن أغلبنا لسنا عباقرة، نحن نصل إلى المجال الذي يناسبنا عن طريق الخطأ والتعلم.

بعض الناس لا يعرفون المجال الذي ولدوا من أجله إلا عند منتصف العمر، وقد يصلون إلى هذا الإدراك عن طريق عوامل خارجية تجبرهم على ممارسة شيء معين، ثم يتضح أنه المجال الصحيح لهم.

من المهم أن تجرب أكبر عدد ممكن من المجالات، أبدأ بالمجالات التي تستمتع بها ثم انتقل إلى مجالات أخرى مرتبطة بها، إذا كنت مهتم بقراءة السير الذاتية، جرب القراءة في التاريخ. إذا كنت تحب السباحة، جرب أن تتعلم الغطس وربما يقودك إلى مجالات أخرى.

تعلم أي نشاط جديد أمر صعب وقد لا تحبه في البداية، لذا عليك بالصبر، ولكن إذا لم تشعر بعد فترة بمتعة في ممارسة هذا النشاط اقلع عنه.

لاحقًا، سوف تجد مجال أو أكثر يلائم اهتماماتك ويعطيك المتعة ويوسع آفاق حياتك. من الممكن أن تمارس عدة أنشطة في الوقت نفسه ولكن طاقتك ستحتم عليك أن تركز على واحد أو اثنين من هذه الأنشطة حتى تستطيع أن تبرع فيها.

تركيزك على مجال معين قد ينتج عنه بعض الجوانب السلبية.

 أولًا الإدمان، فبعض المجالات مغرية مما يجعلك تضع أغلب انتباهك عليها فلا يتبقى لك وقت لعملك ولعائلتك.

الجانب السلبي الثاني عكسي تمامًا، فقد تصبح مشتت وانتقائي لدرجة أنك لا تحصل سوى على تجارب سطحية من ممارستك لأي نشاط، فتصبح مثل الرحالة الذي يسافر في كل مكان، لكنه لا يزال نفس الشخص الممل كأنه لم يغادر بلده.

كثير من الأشخاص لا يستفيدون شيئًا من تعرضهم لأفضل ما يمكن أن تقدمه الثقافات الأخرى لهم. والحل يكمن في البعد عن التطرف في ممارسة الأنشطة.

عندما تتعلم ممارسة النشاط الذي قمت باختياره سوف تشعر أن حياتك صارت أكثر إبداعًا، ولكن هذا لا يضمن أن يتحول إبداعك إلى شيء أكبر.

بإمكانك أن تكون مبدعًا ومع ذلك لا تسجل كتب التاريخ إسهاماتك.

 فمثلًا، تعلم فن النحت قد يسعدك، ويحسن حياتك ولكن لا تتوقع أن يتحمس النقاد لما تقوم به أو أن يركض جامعي التحف وراءك.

التنافس على أشده في المجالات الفنية، وقليل من الناس يتمكنون من جذب الانتباه إليهم ويتم اختيار أعمالهم لكي تدخل التاريخ.

الحظ يلعب دورًا كبيرًا في تحول الإبداع إلى نجاح كبير. ولكن إذا لم تتعلم كيف تصبح مبدعًا فإن فرصتك في النجاح والمساهمة في المجتمع ستكون صفرًا.

وما يهم في نهاية الأمر ليس أن يتم تسجيل اسمك في كتب التاريخ، ولكن أن تعيش حياة إبداعية كاملة.

المصدر :

0 تعليقات