تبدو الوحدة لمن لم يٌجربها حالة متفردة تصيب الأشخاص الانطوائيين المنعزلين، وأن الأشخاص الاجتماعيين الذين أنعم الله عليهم بالأسرة والأصدقاء لديهم مناعة من الوحدة.
لكن من جرب الوحدة وذاق مرارتها سيدرك أنها شعور معقد وخادع بإمكانه أن يهاجم المرء في لحظات غير متوقعة.
تٌهاجمك الوحدة عندما تجلس مع أفراد أسرتك وتتناقش في موضوع معين وتجرؤ على مخالفتهم الرأي، فيرفضون اختلافك ويتعاملون معك باعتبارك مجنون ويسخرون منك، وربما يقررون مقاطعتك.  
حينئذ تكتشف أنك لا تنتمي لهؤلاء القوم وأن علاقتك بهم أكثر هشاشة من غزل البنات، وأنهم قادرين على نبذك إذا لم توافقهم على كل شيء.
تهاجمك الوحدة عندما تتطلع إلى هاتفك وتكتشف أن الرقم الوحيد الذي يتصل بك يوميًا هو 0400 ليلح عليك بالإعلانات، أما البشر المسجلين على هاتفك فلقد تحولوا إلى أرقام مجهولة وأصوات منسية.
تٌهاجمك الوحدة عندما تبادر بالاتصال بأصدقائك، وتحاول أن تبدي اهتمامًا بهم، فتتلقى منهم ردودًا منمقة وتستمع إلى أعذار واهية، ونبرة أصواتهم الباردة تؤكد لك أن علاقتك بهم تحتضر.
تٌهاجمك الوحدة عندما تكتشف التواصل الاجتماعي صارت المكان الوحيد لمعرفة اخبار أقاربك، وأن صلة الرحم بالنسبة لهم صارت عبارة عن تهاني مسجلة تمتلئ بالوجوه الالكترونية المزيفة يتم إرسالها لك في الأعياد من باب أداء الواجب.
تٌهاجمك الوحدة عندما يصبح الصمت هو المسيطر على كل الجلسات التي تجمعك بشريكة حياتك، وتصبح لغة الحوار مفقودة والأسئلة ليس لها علاقة بالإجابات، وتزداد الحواجز النفسية التي تفصل بينكما؛ فتتحولان إلى غربيين يتشاركان المنزل نفسه.
تهاجمك الوحدة عندما تختلي بنفسك بعد يوم طويل من العمل والحركة، وبدلا من أن تشعر بالإنجاز تشعر بالخواء كأنك كنت تهدر وقتك، لتكتشف أن كل الانشغالات والأنشطة التي تملأ بها يومك عاجزة عن إطعام روحك وإعطاء حياتك معنى.
تٌهاجمك الوحدة عندما تمر بأزمة نفسية وتبوح بما يمر في أعماقك للآخرين، وبدلًا من أن تتلقى منهم الدعم والاحتواء تتلقى النقد والنصائح والأحكام الجاهزة؛ فتقرر اختيار الصمت ليكون صديقك الوحيد.
تٌهاجمك الوحدة عندما تقع في مشكلة كبرى أو أزمة مادية، فٌتفاجئ أن أحبابك اختفوا وانفضوا من حولك؛ وتكتشف أن لا أحد بإمكانك الوثوق فيه أو الاعتماد عليه لمساعدتك وإرشادك.
 ومع تتابع هجمات الوحدة تنكشف أمامك الحقيقة الأكبر، وتدرك أن الوحدة جزء أساسي من تكوينك ووجودك.
 لقد أتيت إلى هذه الحياة وحدك وسوف ترحل منها وحدك، وسوف تحاسب وحدك على كل أفعالك.
 مطلوب منك أن تكافح وتختبر، لا أحد بإمكانه أن يكافح بدلًا منك أو يحمل عنك أعبائك أو يرسم أهدافك أو يرفع عنك المعاناة أو يمنحك السعادة الأبدية أو يعطي لحياتك معنى.
 أنت كائن متفرد ومستقل بذاتك، كل شيء فيك مختلف عن الآخرين بداية من بصمتك الوراثية وجيناتك وجهازك العصبي حتى تكوينك النفسي ورؤيتك للواقع.
 لا أحد بإمكانه أن يفهم مشاعرك أو يقرأ أفكارك أو يحل عقدك النفسية أو ينقذك مهما بلغ حبه لك.
الشعور بالوحدة ومخيف لأنه ناتج عن الشعور بثقل عبأ الوجود وصعوبة أسئلة الحياة واختباراتها القاسية.
قد تتحول الوحدة من مجرد شعور يهاجمك بين الحين والآخر إلى حالة نفسية تسيطر على عقلك، فتجعلك ترى الحياة صحراء موحشة لا زرع فيها ولا ماء، والبشر جميعهم ثعابين وحشرات يتصارعون من أجل البقاء.
وقد تراها بحر هائج مظلم، وترى نفسك عاجزًا عن التنفس وسط أمواجها الشاهقة ودواماتها العنيفة، وتشعر أنك على وشك الغرق بدون أن يشعر بك أحد.
الأمر الوحيد الذي بإمكانه أن ينتزعك من دوامة الوحدة، ويمنحك السكينة، ويحافظ على سلامة عقلك هو الإيمان بالله.
الله سبحانه وتعالى وحده هو القادر على إنارة بصيرتك، ومنحك قدرات خارقة حتى تستطيع الرؤية في قلب العتمة.
إذا استحضرت عظمة الله ووجوده داخلك وحولك سيتضاءل شعورك بالوحدة.. سترى نور الله ينسكب داخل روحك ليملأها...ستشعر أن العالم كله يقف في صفك -حتى-إن كنت بمفردك.
إيمانك بالله يمنحك الصبر حتى ترى الصورة كاملة وتربط بين التفاصيل، فتكون على يقين أن هناك حكمة وراء كل اختبار يضعه لك، فلا تحزن لخروج شخص من حياتك ولا تبالغ في تعلقٌك بأحد.
ايمانك بالله سيجعلك تحتمل حماقات البشر وتعصبهم بل قد تجد نفسك تسامحهم؛ لأنك ستدرك بعد حين أنهم رغم اختلافهم عنك يتعرضون مثلك لتجارب عسيرة، ويشعرون مثلك بالارتباك والضياع في متاهات الحياة.
إيمانك بالله يمنحك الطمأنينة حتى تواجه كل اللحظات الحرجة بثبات وشجاعة، فتكون على يقين أن الله سوف يرسل إليك مفاتيح النجاة في الوقت المناسب وسيضع في طريقك الأشخاص المناسبين لك.
إيمانك بالله سيجعلك تدرك أن الوحدة هي مجرد شعور يٌضخم لديك الإحساس بالاغتراب والانفصال عن المجتمع، وأحيانًا هي رسالة مهمة هدفها كشف زيف الحياة وتنبيهك إلى معادن البشر.
إن تعاملت مع الوحدة بانفتاح وحاولت أن تفهم سرها سوف تكتشف أنها مجرد سحابة عابرة تحجب عنك الرؤية مؤقتًا، وأنك من المستحيل أن تكون وحيدًا في الحياة طالما أن الله معك.

1 تعليقات

  1. روعة الكلمات وانى لأرى نفسي بين هذه السطور والاحلى هو أن الخاتمة اي الإيمان بالله هو الشفاء والوقاية والحل
    تحياتي

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته