من الملاحظ أن موضة هذا العصر بين سيدات الطبقة المتوسطة والعليا في مصر هي خلع الحجاب.  تلك الموضة التي تواجه ترحيب من الأوساط العلمانية واستهجان من الأوساط الدينية بدأت بعد سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين وانهيار شعبية الشيوخ والدعاة الجدد الذين ساهموا في نشره بين نساء مصر في التسعينات والعقد الأول من الالفية.
أتذكر أنني في هذه الفترة كنت من الفتيات القليلات اللاتي لا يرتدين الحجاب، لذلك كنت اتعرض لضغوط هائلة لكي ارتديه من اهلي ومن صديقاتي.
أتذكر أن إحدى الفتيات في الجامعة اعطتني منشوراً يحتوي على أحاديث تدعو للحجاب وتنذر من لا ترتديه بعذاب جنهم.
هذه الأحاديث ارعبتني وجعلتني أفكر جديا في ارتداءه لكني تراجعت لأنني لم اشعر بارتياح في ارتداءه، رغم ذلك لم أشأ البحث عن مخرج ديني لتبرير اختياري لأني لا أريد أن أتلاعب بالدين لأبرر اختياري الشخصي، وقررت أن اكتفي بالالتزام بارتداء الملابس المحتشمة.
رغم أن الناس حولي كان يدعون احترامهم لحريتي الشخصية إلا انهم استنكروا سفوري، وكان يستغربون عندما يعرفون أنني أواظب على الصلاة، وأنني ارفض التبرج الزائد أو ارتداء ملابس كاشفة وأنني أرفض إقامة علاقات عاطفية مع الشباب بدون زواج.
 الحجاب في نظر المجتمع ليس مجرد فرض ديني من بين فروض كثيرة، وليس مجرد قطعة قماش تضعها المرأة على رأسها لتداري شعرها عن الغرباء. لقد تم تحميل قطعة القماش الصغيرة هذه أكثر مما تتحمل فصار الحجاب ساحة رمز اجتماعي واخلاقي وسياسي.
المجتمع يستخدم الحجاب كأداة لتصنيف النساء والحكم على اخلاقهن وتفكيرهن بشكل أعمى. من وجهة نظر المجتمع (المتدين بطبعه) الحجاب هو العلامة الكبرى على تدين الفتاة وعفتها واخلاقها، وإذا كانت الفتاة سافرة فإنها بالتأكيد متحررة وغير ملتزمة دينياً، وإذا ارتدت ملابس مكشوفة فإنها بالتأكيد سافلة وحقيرة وتريد أن يتحرش بها الرجال.
ربما هذا يفسر لماذا ارتدت كثير من السيدات الحجاب في الماضي رغم عدم اقتناعهن به، ولماذا سارعن بخلعه اليوم بعد أن خفتت الهالة التي تحيط بمن ترتديه واكتشف الناس أن الحجاب ليس العلامة الوحيدةعلى الالتزام الديني.
عندما ننظر إلى الرمز السياسي للحجاب نجد أنه كان ولا يزال ساحة لمعارك وسجالات بين الشيوخ والمنتمين لجماعات الإسلام السياسي وبين الكتاب والسياسيين العلمانيين.
الحجاب في نظر الشيوخ والأحزاب الدينية ركن رئيسي من أركان الاسلام لابد أن تلتزم به المرأة وبدونه لا يكتمل اسلامها، لذلك نجد أن الدول الدينية مثل السعودية وإيران فرضت على السيدات ارتداء الحجاب.
 في الجهة الأخرى نجد أن العلمانيين ينظرون للحجاب بعدائية شديدة ويعتبرونه عادة بدوية ووسيلة لتقييد حرية المرأة، ويؤمنون أن الاخوان المسلمين هم السبب في انتشاره حتى يسيطروا على عقول المصريين ويدفعوهم لتأييد إقامة دولة دينية.
مخطئ من يعتقد أن العلمانيين أقل سطحية وتنميطاً في نظرتهم للمرأة من الإسلاميين وأكثر انفتاحاً وتقبلا للحرية الشخصية، فالدول القليلة التي طبقت العلمانية في الشرق الأوسط مثل تركيا في عهد اتاتورك وتونس في عهد بو رقبية منعت السيدات من ارتداء الحجاب، لأنهم تنبوا النظرة الغربية السطحية للحجاب التي تراه رمزا دينيا مرفوضا وتربط بين حجاب الرأس وحجاب العقل، وترى أن ارتداء الحجاب يمنع المرأة من التعليم والسفر وممارسة العمل.
اشعر بالاستغراب عندما أرى العلمانيين الذين يدعون الدفاع عن الحرية يفرحون عندما يتم منع ارتداء الحجاب او النقاب في دول غربية أو في أماكن معينة وتجدهم يسخرون من النساء اللاتي يرتدين المايوه الشرعي في البحر أو يرتدين الخمار، ويعتبرون كل منقبة مشروع إرهابية أو داعشية أو أنها تعرضت لغسيل دماغ من شيخ متطرف.
 في المقابل أراهم يسارعون بتهنئة أي فنانة تخلع الحجاب، ويعتبرون أنها تحررت من كهوف الظلام وخرجت من العصور الوسطى.
العلمانيون يظهرون حنين كبير لمصر أيام زمان لذلك تجدهم يضعون صور سيدات مصر بالمايوه أيام الخمسينات والستينات ويقارنوها بصور سيدات مصر المحجبات اليوم كدليل أن المجتمع المصري كان متحررا ومنفتحا أيام زمان، واليوم فقد حريته مع ارتداء النساء للحجاب رغم أن الأرقام والاحصائيات تثبت عكس ذلك.
أعداد النساء المتعلمات والعاملات في مصر اليوم يفوق أعدداهن في الماضي، كما أن المرأة المصرية رغم ارتدائها الحجاب صارت تتمتع بحرية أكبر في السفر والعمل، ولم يعد دورها في المجتمع قاصراً على أن تكون ربة منزل مثل (أيام الزمن الجميل)، صحيح أنها لم تحصل على كل حقوقها ولكن هناك تقدم كبير في هذا الاتجاه بلا شك.
 قد يشعر من يقرأ هذا المقال بالارتباك ويتساءل هل أنا مع الحجاب أم مع السفور؟
 أنا مع الحرية الشخصية للمرأة في أن ترتدي ما تشاء سواء كان حجاب او نقاب او أزياء على الموضة بدون أن تتعرض لأحكام قاسية أو تمييز أو سخرية.
 أنا ضد فرض أي زي على المرأة حتى لو كان هذا الزي ديني، وأنا أيضا ضد منعها من ارتداء هذا الزي إن أرادت الالتزام به، لكن للأسف معنى الحرية في مصر والشرق الأوسط منقوص ومشوه خصوصا مع ارتفاع حدة الاستقطاب الديني والسياسي في المنطقة.
الجميع يدعون أنهم يؤمنون بالحرية الشخصية ولكن كلامهم وتصرفاتهم تثبت أنهم يؤمنون بحرية الجماعة التي ينتمون إليها أو الأشخاص الذين يشبهونهم ويفكرون مثلهم، أما المختلفين عنهم فهم في نظرهم مغيبين أو جهلة، وهم ليس لديهم حرج في قمعهم ومنعهم من ممارسة اختلافهم.
مفهوم التعايش وتقبل الاخر غائب عن مجتمعاتنا وديكتاتورية الفكر هي السائدة. كثير من النساء تحولن إلى ضحايا لهذه الديكتاتورية التي تمارس عليهن ضغوط مستمرة وتفرض عليهن ارتداء ملابس معينة ارضاءً للمجتمع أو البيئة المحيطة بهن.
أتمنى يوما ما أن يموت الجدل في موضوع الحجاب وينتقل الفقهاء والمفكرين إلى بحث ومناقشة القضايا أكثر أهمية وتأثيرا على حياة الناس.
أتمنى يتوقف السياسيون عن استخدام قضية الحجاب كوسيلة للحصول على انتصار في معارك فكرية رخيصة، وأن يتوقف المجتمع عن النظر لملابس المرأة كوسيلة قطعية للحكم على اخلاقها وطريقة تفكيرها.

0 تعليقات