أنت لست قادرا على التحكم في حياتك
الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
 هذا المثل القديم قد  يبدو لك تقليديا ومملا من فرط ما سمعته وقرأته في وسائل الاعلام, لكنك لن تدرك كم هو حقيقي و صحيح  إلا بعد أن تسقط على الأرض فجأة وتتلوى من الألم لسبب لا تعرفه.
جسدك, رفيقك الأساسي في الحياة, تمرد عليك وتحول إلى عدو لك أو ربما انه تعب من العمل المتواصل ومن نظام حياتك الغير الصحي الذي يهلكه ويٌصعب على جهاز المناعة أداء عمله. أرسل إليك إشارات تحذيرية, لكنك لم تنتبه إليها أو تجاهلتها, استمر جسدك في المقاومة بصمت ولكنه لم يستطع الصمود طويلا فانهار وأوقعك معه.
فجأة تجد نفسك ممددا على الفراش متألما عاجزا عن الحركة والنوم, لقد صرت تحت رحمة زائر مخيف اقتحم حياتك بدون استئذان, وتحت رحمة الطبيب الذي صار من الآن وصاعدا هو المتحكم الأول في كل شيء تقوم به, وكل قرار يتخذه يترتب عليه مصيرك.
في تلك اللحظات قد تتذكر جدول الأعمال الذي رتبته, والأهداف القصيرة والطويلة التي كتبتها والخطط التي رسمتها, كل هذه الخطط والأهداف تبدو بلا معنى أو فائدة وقت المرض.  قد تشعر بالإحباط والحزن وقد تضحك وتسخر من  نفسك لأنك أضعت وقتا طويلا في التخطيط لأشياء لن تقوى على القيام بها, في كلتا الحالتين ستدرك حقيقة هامة جدا, أنت لست قادرا على التحكم في مسار حياتك ولست قادرا على إدارتها أو تحريكها في أي جهة تريد كما تتصور.
أنت أضعف مما تتخيل, أنت مجرد ريشة يستطيع تيار الحياة أن يجرفها في أي لحظة. أنت  كائن ضئيل يعيش تحت رحمة قوى أكبر منك. تلك القوى الإلهية هي التي ترسم لك خطوط حياتك العريضة وتترك لك مهمة كتابة التفاصيل.
قدرتك على كتابة التفاصيل قد توهمك أنك قوي وأنك حر بلا حدود.
 لكن عندما تزداد ثقتك بنفسك إلى  أن تصل إلى الغرور, وتعتقد أن بإمكانك أن تتحكم في مصيرك وتسيطر على كل أمور حياتك, يأتيك المرض كرسالة من الله حتى تدرك ضعفك وعجزك, تدرك كم أن حياتك هشة وتدرك كم أن جسدك القوي يمكن أن يدمره ميكروب أو فيروس لا تستطيع أن تراه بعينك المجردة. لذا عليك أن  تتواضع قليلا وتقلل من طمعك وسعيك المحموم وراء التحكم والهيمنة والاستحواذ, وتسلم أمرك لله  وتدرك أن لا شيء في حياتك سيتحرك إلا بإذن منه سبحانه وتعالى.
الألم النفسي أصعب من الألم العضوي
أصعب شيء في المرض ليس الألم العضوي ولكنه الألم النفسي الذي ينشر الخوف داخلك ويدفعك لتتوقع الأسوأ وتتساءل ما الذنب الذي ارتكبته حتى تمر بكل هذا العذاب.
 ألم انتظار الحقنة وتخيل مدى الألم الذي ستسببه لك أصعب من الألم الفعلي الذي تشعر به عندما تخترق الحقنة جسدك. ألم انتظار الطبيب لساعات وانتظار نتائج التحاليل والأشعة أشد من ألم تلقي النتائج حتى لو كانت سيئة. الألم النفسي أشد من الألم العضوي لأن الألم العضوي يصيب جزء معين من الجسد مما يسهل التعامل معه وعلاجه بصورة مباشرة بينما الألم النفسي يسيطر على الجسد كله , لا تستطيع أن تحدد موضعه أو مكانه لأنه يحتل كل خلية في جسدك وكل فراغ في كيانك, وبالتالي لا تعرف كيف تتعامل معه ولا تستطيع أن تأخذ دواء معينا لكي تتخلص منه.
الألم العضوي محدد وحقيقي بينما الألم النفسي ضخم وهلامي لأنه  مبني على قصص يؤلفها عقلك ليتوقع المشاكل ويجعلك تعيشها في خيالك قبل أن تحدث في الواقع, فيضيف عذابات جديدة  فوق عذابك الجسدي ويضاعف ألمك  ويحوله إلى كائن أسطوري ضخم يفتك بعقلك وينهك أعصابك ويفقدك صوابك, تشعر أن كل ساعة تقضيها في عيادة الطبيب أو على فراش المستشفى تتمدد وتطول وتتحول إلى أيام وشهور.
تجد نفسك ممزقا بين اليأس والأمل, بين الإيمان والتشكك, بين التضرع والدعوة من أجل النجاة وبين الخوف من أن يكون مصيرك مشابها لمصير المرضى الذين تراهم حولك وأن يتحول المرض من زائر ثقيل عابر إلى مرافق يقيم معك ويلتصق بك حتى النهاية المحتومة. الآلام النفسية المصاحبة للمرض لا تنتج فقط من حزن المريض على نفسه ولكن من حزنه على المحيطين به وخوفه من أن يتحول إلى عبأ ثقيل لا يستطيعون احتماله. الألم النفسي يشتد عندما يضطر المريض أن يخفي ألمه عن أقرب الناس إليه ويبدو طبيعيا أمامهم حتى لا يزيد من خوفهم عليه ويحاول أن يبدو قويا  ويدعي أن المرض لم يؤثر عليه حتى لا يطلب المساعدة من أحد ويظل معتمدا على نفسه.
انه صراع بين كبرياء الإنسان وبين ضعف المريض, بين الحاجة للحصول على الدعم من الآخرين والرغبة في الإنكار والمقاومة.
 كثير من الناس خصوصا الرجال يعتقدون الاعتراف بالمرض والحاجة للأخرين ضعف ولكن العكس هو الصحيح, القوة الحقيقة تكمن في شجاعة الاعتراف بالضعف, لأن هذا الضعف هو ما يجعل الإنسان إنسانا متكاملا وحقيقيا .
الاعتراف بكل الآلام النفسية التي تمر بك يحولها من نقاط ضعف إلى نقاط قوة لأنه يخرجها من اللاوعي إلى الوعي ويعلمك كيف تتعامل معها وتتقبلها كما هي لأنها جزء من تجربتك الحياتية.
الجميع يخافون من الموت 
معظم الناس يدعون أنهم لا يخافون من الموت وأنهم على استعداد لمواجهته في أي وقت, إنهم يدعون ذلك ربما لأنهم لم يقتربوا من الموت فعليا, أو ربما لأنهم يحبون التظاهر بالشجاعة والجرأة أمام الآخرين, أو ربما لأنهم يريدون الإثبات أمام أنفسهم وأمام الآخرين أنهم لم يرتكبوا ذنوبا كبيرة تجعلهم يخافون ملاقاة الله, أو ربما لأنهم يريدون إنكار أهوال الموت حتى يستطيعوا العيش بلا خوف.
 بعض الناس في أقسى لحظات اليأس والاكتئاب يفكرون في الموت بل ويشتاقون إليه وينظرون له كوسيلة فعالة ونهائية للتخلص من عذاب الحياة. بالطبع هناك فرق بين التفكير في الموت وتحليله بصورة نظرية, وبين الاقتراب الفعلي من الموت.
حالة المرض تجعلك تشعر بشبح الموت يحوم حولك ويقترب منك, واقترابك من الموت يصيبك بحالة فريدة من الذعر.
حتى إذا لم ترتكب ذنبا واحدا في حياتك وهذا مستحيل فلابد أن تخاف عندما تشعر أن رحلتك في الحياة سوف تنتهي قربيا, وأن جسدك سيتوقف عن العمل في أي لحظة, سيٌلقى في حفرة عميقة  ثم تنتقل روحك إلى عالم آخر لا أحد يعرف أسراره.
الموت مخيف ليس لأنه مؤلم ولكن لأنه مجهول, ولأنه دائم ونهائي وأبدي ولا رجعة فيه, الإنسان رغم حبه للاستكشاف إلا انه يخاف من المجهول, يخاف من الأمور الغامضة التي لا يستطيع أن يراها بوضوح ويفك شفرتها والموت هو أكبر ألغاز الحياة. لحظات المرض تكشف لك أنك  الموت ليس أمر معقدا وصعبا كما تتصور بل هو أمر سهل وبسيط جدا لا يستغرق أكثر من لحظة وبعدها ينتهي كل شيء, الموت  جزء طبيعي وحتمي من الحياة, لذلك فإن الحاجز بين الحياة والموت رفيع جدا, الموت لا يسكن بعيد عنك حتى لو كنت طفلا أو شابا, الموت يسكن بالقرب من كل إنسان, يرافقه ويتابعه, قد يقترب منه في لحظات لكي يكشف له عن جزء صغير من وجهه ولكنه لا يستطيع أن يلمسه ويقبض روحه إلا في لحظة محددة لا يعلمها سوى الله.
أغلب مشاكل الحياة قابلة للحل 
لا يوجد إنسان لا يعاني من مشاكل في حياته سواء كانت هذه المشاكل مادية أو عاطفية أو أسرية أو نفسية.
بعض تلك المشاكل ضخمة ومعقدة وأزلية, وبعضها عادية وقابلة للحياة وبعضها  مشاكل بسيطة يضخمها الإنسان لكي يعطي لنفسه أهمية ومكانة, لكن كل المشاكل مهما حجمها تتضاءل وتنكمش وأحيانا تتبخر تماما في حضور المرض.
المرض أشبه بكائن ضخم ومتوحش قادر على زرع الرعب في أي مكان يدخله وتحطيم كل شيء يقف في طريقه, المرض ينقض على مشاكلك ويلتهمها في اللحظة التي يهاجم فيها جسدك.
لو كنت تتمتع بقليل من الحكمة ستدرك أن ابتلاء المرض يحمل في داخلة نعمة كبيرة, ذلك الزائر المخيف الذي يفرض نفسه عليك يرفعك لأعلى ويجعلك تنظر لمشاكلك من بعيد كأنها لا تخصك.
 صراعاتك مع زملائك في العمل أو الدارسة أو مع افراد اسرتك, قلقك على نتيجة امتحاناتك, خوفك لأن مديرك  غير راض عنك, غضبك لأن شخص عزيز عليك لم يتصل بك من فترة, خوفك من المستقبل, حزنك على الماضي, غضبك من الحاضر. 
 كل هذه المشاكل والهواجس تبدو تافهة وضئيلة وبلا معنى أمام وحش المرض, المرض هو المشكلة الأكبر والأضخم لأنه يشكل خطرا حقيقيا على حياتك وبإمكانه أن يعطلها بل وينهيها تماما, فما معنى أنك تملك كل أموال الدنيا وأنت لا تستطيع السير على قدميك أو لا تستطيع أن تتنفس بصورة طبيعية؟.
المرض يجبرك على إعادة تقييم حياتك ووجودك ويجبرك على الانتباه إلى الوقت والطاقة التي تضيعها في القلق على أمور خارج إرادتك أو في الاهتمام بأشخاص لا يستحقون خمس دقائق من وقتك , المرض بإمكانه أن يجعلك تعيد تعريف علاقتك بنفسك وبالحياة وبالوقت, إذا استطعت أن تتخطاه وتتجاوزه ستجد نفسك أكثر امتنانا وشكرا لله على نعمه وأكثر حكمة وهدوء في التعامل مع مشاكلك لأنك ستتمكن أن تضعها في حجمها الحقيقي وتدرك أن كل هذه المشاكل مهما بدت كبيرة فهي في الحقيقة صغيرة وعابرة .

0 تعليقات