2017 كانت  بلا شك سنة كبيسة وقعت فيها اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية وهجمات إرهابية, وفي خضم التدهور الذي أصاب  مستوى معيشة الناس واليأس الذي تملك من النفوس, وجدت نفسي أسعى لكي أقرأ حتى أفهم ما يحدث بصورة أعمق بعيدا عن التضليل الذي تمارسه وسائل الاعلام على العقول, لذلك كانت معظم الكتب الفكرية التي قرأتها في 2017 تدور في فلك الاقتصاد السياسي, وبعد تفكير طويل اخترت لكم بين هذه الكتب قائمة أفضل خمسة كتب فكرية قرأتها هذا العام
1- عقيدة الصدمة : صعود رأسمالية الكوارث – نعومي كلاين
  
        لن أبالغ إن قلت أن كتاب عقيدة الصدمة للصحفية الكندية نعومي كلاين هو أهم كتاب قرأته في الاقتصاد السياسي على الإطلاق, الكتاب يفضح الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ويكشف كيف تستغل هذه الشركات الكوارث التي تقع في دول العالم الثالث حتى تحتلها اقتصاديا وتفرض عليها تطبيق نظام السوق الحر أو الليبرالية الجديدة.

الليبرالية الجديدة هو مذهب اقتصادي اخترعه الامريكي ميلتون فريدمان استاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو , انه ببساطة مذهب رأسمالي متطرف يرفض تدخل الدولة في ادارة الاقتصاد ويرى أن الرأسمالية الحقيقية لا يمكن أن تٌطبق إلا برفع جميع العوائق والقوانين التي تقيد حرية العرض والطلب .
مشكلة الليبرالية الجديدة أن تلغي تماما دول الدولة في توفير الرعاية الصحية والتعليم والوظائف , وتجعل المواطنين ضحايا للتجار وأصحاب الشركات الجشعين , وتزيد من الهوة الكبيرة بين الفقراء والاغنياء.
المدهش أن الليبرالية الجديدة لم تنجح في بريطانيا والولايات المتحدة بسبب وقوف نقابات العمال ضد تطبيقها, ولم تٌطبق إلا في دول أمريكا اللاتينية الخاضعة للديكتاتوريات العسكرية.
تشرح نعومي كلاين كيف أن تطبيق الليبرالية الجديدة في تلك الدول اعتمد على الصدمة المتمثلة في محو النظام القديم في إدارة الاقتصاد, ثم اتخاذ قرارات اقتصادية صارمة بشكل سريع ومتوالي حتى تشل الشعب وتمنعه من التحرك والدفاع عن مصالحه.
 تلك القرارات القاسية ذكرتني بالخراب الاقتصادي الذي حل على مصر بسبب تنفيذ النظام المصري لتعليمات صندوق النقد الدولي ورفع الدعم وتعويم العملة وبيع شركات القطاع العام , كل هذه الاجراءات حدثت من قبل في عدة دول متأزمة اقتصاديًا وتسببت في إيقاع تلك الدول في المزيد من الأزمات وإخضاعها للشركات الكبرى متعددة الجنسيات. 
الكتاب ضخم ومليء بكم هائل من المعلومات السياسية والاقتصادية والتاريخية, وفي كل فصل منه ستجد عقلك يتفتح وستجد نفسك مذهولا ومرعوبا  بينما تكتشف كيف أخضعت أمريكا دول امريكا اللاتينية اقتصاديا لها عن طريق اغتيال الرؤساء المعارضين لسياساتها بداية من سلفادور الليندي لتعين مكانه الديكتاتور الدموي بينوشيه , ولاحقا كيف استغلت ازمة روسيا الاقتصادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حتى تفرض عليها تطبيق الليبرالية الجديدة.
ينتقل الكتاب بالقارئ إلى جنوب أفريقيا والشرق الأوسط ليشرح لنا لماذا لم تتقدم جنوب أفريقيا رغم زوال الفصل العنصري وحكم نيلسون مانديلا لها ؟, وما السبب الاقتصادي الحقيقي الذي دفع أمريكا لغزو العراق ولماذا فشل هذا الغزو في اخضاع العراق اقتصاديا لأمريكا ؟ , وكيف تسببت الليبرالية الجديدة في زيادة الفقر والجوع والأمية واندلاع الاحتجاجات والاضطرابات السياسية في الدول التي طٌبقت فيها ؟.
2- الاغتيال الاقتصادي للأمم : اعترافات قرصان اقتصادي – جون بركنز
كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم يدور في نفس فلك كتاب اقتصاد الصدمة ولكنه يختلف عنه قليلا في انه أقل في عدد الصفحات كما انه أكثر تشويقا, الكتاب يتحدث عن وظيفة سرية خطيرة لا يعرف أغلب الناس عنها شيئا وهي وظيفة القرصان الاقتصادي.
مؤلف الكتاب جون بركنز كان يعمل قرصان اقتصادي لسنوات طويلة , من الخارج يبدو أنه يعمل كمستشار اقتصادي ولكن مهمته الحقيقية  كانت اقناع دول العالم الثالث بقبول الحصول على قروض ضخمة لعمل مشاريع لبناء البنية التحتية من خلال عقود مع الشركات الامريكية , انه يعلم أن حكومات هذه الدول لن تستطيع تسديد القروض وبالتالي ستقع في دوامة الديون مما يفتح الباب للحكومة الامريكية وللوكالات الاجنبية التابعة لها حتى تسيطر على اقتصاد تلك الدول وتستولي على مواردها الطبيعية.
 استيقظ ضمير الرجل تدريجيا وترك وظيفته نهائيا وبعد سنوات قام بتأليف هذا الكتاب لكي يكشف حقيقة الدور الذي كان يلعبه لصالح الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على اقتصاد الدول النامية.
 كشف المؤلف معلومات وحقائق عديدة عن هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على دول امريكا اللاتينية, كما كشف عن سر العلاقة الوثيقة التي تربط المملكة العربية السعودية بالنظام الامريكي, وكيف خضعت السعودية اقتصاديا لأمريكا وما الثمن الذي دفعته لكي تصبح  الحليف الأكبر لها.
هذا الكتاب أكد لي أن الهوة الشاسعة بين الدول المتقدمة والدول النامية ليست ناتجة عن العمل والاجتهاد. ولكنها ناتجة عن سياسات خفية مبنية على تعاون قادة الدول العظمى مع النخبة الفاسدة التي تحكم الدول النامية.
 النتيجة أن تلك الدول يتم احتلالها اقتصاديا ويتم استغلال أرضها ومواردها وعمالها ويتم إبقائها في وضع التبعية للإمبراطورية الأمريكية.
3- مدخل إلى الايديولوجيات السياسية – اندرو هيوود
الايديولوجيا  عبارة يسمعها الناس كثيرا في وسائل الإعلام ولكنهم يقفون أمامها عاجزين عن فهم معناها , نفس الأمر ينطبق على مصطلحات سياسية كثيرة مثل الليبرالية والاشتراكية والماركسية والفاشية, إنها كلمات يتداولها المثقفون والمتخصصون في العلوم السياسية فيما بينهم ولكن رجل الشارع العادي يجهل معناها.
كتاب مدخل إلى الأيدولوجيات السياسية سيرفع عن عقلك هذا الجهل للأبد, رغم  أن مؤلفه رجل أكاديمي إلا انه موجه إلى القارئ العادي الذي لا يعرف شيئا عن العلوم السياسية.
 في بداية الكتاب قام المؤلف بشرح تفصيلي لمعنى الايديولوجيا وسبب خلافات المفكرين حولها ولماذا كان  كارل ماركس يراها بصورة سلبية ثم خصص باقي فصول الكتاب للحديث عن أهم وأكبر الايديولوجيات التي انتشرت في العالم على مدار القرون الماضية. قام بعرض تعريفاتها وتاريخها وفروعها وكيف طبقها المؤمنين بها وما هو مستقبلها, في أخر كل فصل طرح أسئلة مثيرة للتأمل حتى يساعد القارئ على تشغيل عقله والتفكير فيما قرأه بشكل أعمق.
من الاشياء المهمة التي اكتشفتها بعد قراءتي لهذا الكتاب هو أن معظم الايديولوجيات تتقاطع وتتشابك مع بعضها رغم انها تبدو منفصلة ومختلفة  تماما, كما أن هناك
  خلافات كثيرة بين اصحاب الايديولوجيا الواحدة حتى تعتقد أنهم ينتمون إلى مذاهب فكرية مختلفة رغم أنهم يُصنفون تحت نفس المذهب.
العيب الوحيد في الكتاب هو تناوله الاصولية الاسلامية بكثير من التحيز والتحامل, من الواضح ان المؤلف لم  يقرأ عن الاسلام بشكل كافي ,لكن المترجم اشار الى مغالطاته بصورة واضحة  وصححها في الهوامش.
  هذا الكتاب لا يقٌرأ بغرض التصفح السريع وإنما يٌقرأ بتمعن لأنه يحتوي على كم هائل من المعلومات السياسية والتاريخية, كما يمكن أن يٌستعمل كمرجع تستطيع العودة إليه وقراءته إذا عجزت عن فهم أي مصطلح سياسي.
4- خرافة التقدم والتخلف: العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين – جلال أمين
هذا الكتاب عبارة عن سلسلة من المقالات التي كتبها  المفكر الاقتصادي جلال أمين لمناقشة تقرير التنمية البشرية الصادر عن الامم المتحدة في 2003 والذي وضع الدول  العربية في مركز متأخر في التنمية وحقوق الإنسان ودعم الحريات وتمكين المرأة.
رغم أن  نبرة الدكتور جلال أمين الهجومية على الولايات المتحدة الامريكية مرتفعة ومليئة بالشك ونظرية المؤامرة لأنه قام بتأليف الكتاب بعد غزو العراق إلا الكتاب مهم جدا  لأنه ينسف كثير من المسلمات التي تسربت في العقل العربي حول معنى التقدم والتخلف والتي استقاها العرب من مفكري الغرب.
يحاول الدكتور جلال أمين أن يقنع القارئ أن التقدم ليس خطا صاعدا ومتواصلا طوال الوقت لأن تاريخ البشرية يثبت أن كل الحضارات تمر بحالة صعود وهبوط, كما أن الدول التي تتمتع بتقدم عسكري أو علمي أو تكنولوجي ليست بالضرورة متقدمة إنسانيا واجتماعيا وأخلاقيا.
التقدم له عيوب كثيرة  فكما يجعلك التقدم التكنولوجي او الصناعي توفر وقتك ويسهل عليك أداء عملك الا انه يحرمك من مزايا أخرى كنت تتمتع بها , الدليل على ذلك تحسر كثير من الناس على حياتهم البسيطة قبل  التليفون المحمول والانترنت.
أكثر ما اعجبني في الكتاب هو فضح جلال أمين لعقدة الخواجة التي تغلغلت في العقل العربي وجعلتنا نقدس الحضارة الغربية الحديثة ونتعامل مع كل شيء يأتي من الغرب على انه مثالي لا تشوبه شائبة بينما يتم إغفال سلبيات كثيرة واضحة في نمط الحياة الغربي ينتقدها الغربيون أنفسهم.
لم ينكر الدكتور جلال أمين أن العرب يعانون من قصور ونقص فادح في جميع المجالات, لكنه  أراد أن يشير أن التقدم لن يحدث  إن حاولنا أن نكون نسخة ممسوخة من الغرب. التقدم لا يأتي من كراهية الذات والاستغناء عن هويتنا العربية , إنما يأتي  باحترام تراثنا والابقاء على الجوانب الايجابية فيه واصلاح اوجه القصور بناء على احتياجاتنا بدون الحاجة لأن نكون تابعين للغرب .
5- البروج المشيدة : القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر
لا زالت حتى اليوم  العديد من الكتب تخرج حول هجمات 11 سبتمبر وأسبابها ونتائجها ولكن عدد قليل منها نجح في تعقب كل الخيوط التي ساهمت في إنشاء تنظيم القاعدة والأسباب التي أدت إلى وقوع مأساة 11 سبتمبر, ومن أفضل هذه الكتب  البروج المشيدة للصحفي الأمريكي لورانس رايت.
 استمد رايت عنوان كتابه من الآية القرآنية ( واينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) , ومن هذه الآية ينطلق ليسرد في فصول طويلة سيرة حياة الشخصيات التي ساهمت في وقوع هجمات 11 سبتمبر.
 بداية من سيد قطب الاب الروحي للجماعات الإسلامية, اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ووالده رجل الأعمال محمد بن لادن, أيمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد, الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام  الذي دعا المسلمين في العالم العربي للجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي . يتضمن الكتاب شرح مفصل لطبيعة الحياة ونظام الحكم في المملكة العربية السعودية ومصر وغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان ومن بعده إنشاء تنظيم القاعدة وطبيعة الصراع والتنافس بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات الامريكية والذي أدى في النهاية إلى إغفال الحكومة الأمريكية للإشارات التحذيرية أن هناك هجمة إرهابية كبرى على وشك الوقوع في أمريكا.
أهم ما يميز الكتاب أن مؤلفه تحرى الموضوعية والدقة في سرده لسيرة حياة الشخصيات التي دبرت ونفذت هجمات 11 سبتمبر ولم ينزلق في فخ اطلاق الاحكام و الهجوم على الاسلام والمسلمين, بل انه ذكر بشكل واضح أن ما فعله بن لادن وأعضاء تنظيم القاعدة مخالف بشكل صارخ لتعاليم القرآن والشريعة الإسلامية التي تحرم قتل النفس البشرية وتراه من الكبائر , السنوات القليلة التي أمضاها لورانس رايت في مصر في الستينات من أجل التدريس في الجامعة الامريكية أثرت فيه وجعلته يفهم الثقافة العربية بشكل جيد وهذا أثر بشكل إيجابي على تحليله لما يحدث في الشرق الأوسط.
 اسلوب لورانس رايت سهل وسلس ومشوق , إنه يمتلك حس روائي عال يجعلك تنسى أنك تقرأ كتابا وثائقيا وتعتقد أنك تقرأ سيناريو فيلم أو مسلسل ورغم أن الكتاب كبير لن تشعر بالملل أثناء قراءته.

1 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته