1- انك تستخدم الفيسبوك لدقائق معدودة

أكاد أجزم أنك قبل أن تدخل  على الفيسبوك  دائما ما تؤكد لنفسك أنك  ستستخدمه لمدة  عشر دقائق أو  ربع ساعة على أقصى تقدير, ولكن العشر دقائق عادة ما تتحول إلى ساعة أو ساعتين في لمح البصر ,فبمجرد أن ينفتح أمامك الموقع الأزرق حتى تجد نفسك  هائما  بين البوستات والصور والتعليقات , فتشعر كأنك تسير في سوق كبير يتنافس الناس فيه على جذبك ولفت انتباهك والحصول على اهتمامك وتعاطفك , تجد نفسك تضغط على زر الإعجاب بشكل لا إرادي  حتى ترضي جميع أصدقائك , ويغمرك تيار متلاطم من الانفعالات فتضحك على نكتة لطيفة أو إفيه سياسي لاذع    ثم ينقبض صدرك فجأة  وأنت تقرأ بوست يشكو صاحبه من مرارة الحياة أو يرثي  نفسه ويتحسر على أحلامه الضائعة.المشكلة أن ليس كل  ما تقرأه حقيقي وواقعي,   فبعض مستخدمي الفيسبوك على استعداد لفعل أي شيء من أجل ( اللايك ) و( الشير), وبعضهم لا يتورعون عن فبركة قصص مأساوية أو سرقة كتابات الآخرين أو إثارة الجدل حول قضايا هامشية أو افتعال خلافات مع أي أحد  مقابل أن يحصلوا على علامة الإعجاب المقدسة ويزيدوا من عدد متابعيهم  ويحققوا شهرة أكبر في العالم الافتراضي.   في نهاية اليوم  تخرج من الفيسبوك وأنت تشعر بالتعب والإرهاق الذهني, ورغم أنك لا تستفيد أي شيء من معظم ما تقرأه على الفيسبوك ولا تأخذ منه سوى الطاقة السلبية إلا أنك لا تستطيع أن تتوقف على الدخول عليه. انه  مثل الثقب الاسود يبتلع عقلك وأيامك بدون أن تشعر.

2-  الفيسبوك يساعدك على توسيع دائرة علاقاتك الاجتماعية وبناء صداقات  جديدة


 لا شك  أن وجود الفيسبوك أدى إلى تغيير رؤيتنا لمعنى الصداقة ودور الأصدقاء في حياتنا, فبعد أن كنا نرى أن الصديق هو الشخص الوفي الذي يقف معنا في السراء والضراء تغير معنى الصداقة في عصر السوشيال ميديا وأصبح فضفاض جدا, وصار الصديق هو الشخص الذي يجود علينا بعلامة الإعجاب ويهتم بالتعليق على كل ما نكتبه ويرسل لنا عبارات التهنئة في المناسبات والأعياد.  معظم مستخدمي الفيسبوك يسعون لإضافة أكبر عدد من الناس إلى قائمة أصدقائهم وكثير منهم  يفتخرون أنهم تجاوزوا الحد المسموح لعدد الأصدقاء الفيسبوك وهو خمسة آلاف صديق, في حين أن هذه الأرقام وهمية ولا تعبر عن حجم المتابعة والتفاعل الحقيقي, فمهما زاد عدد أصدقائك فإن من يتابعونك حقا لا يزيدون عن ثلاثين أو اربعين شخصا , ومن يهتمون بالتعليق على منشوراتك والتفاعل الدائم لا يزيدون عن عشرة أشخاص وهؤلاء هم من  يمكن أن تعتبرهم أصدقائك, لكن تلك الصداقات الافتراضية نادرا ما تتحول إلى صداقات حقيقية لأن أصحابها يريدون في معظم الأحيان الإبقاء على هذا الحاجز الآمن بينهم وبين الآخرين.

الصداقات الافتراضية أسهل وأكثر تحررا من الصداقات الحقيقية لأنها لا تتطلب الكثير من الالتزام او الجهد لتكوينها أو الحفاظ عليها, فالصديق الافتراضي  ليس مجبرا على السؤال عليك  ودعمك والاهتمام بتفاصيل حياتك والوقوف معك في الشدائد مثل الصديق العادي   فتواصله معك يعتمد كليا على مزاجه وظروفه ,ولذلك بإمكانه أن يغيب عن الفيسبوك لأيام أو حتى لشهور بدون إبداء أي أسباب وليس من حقك أن تعرف أي شيء عن حياته إلا ما يعرضه لك , أنك على علاقة بشخص مجهول عنك تماما  رغم اعتقادك أنك تعرفه جيدا. ربما الميزة الوحيدة التي تنفرد بها العلاقات الافتراضية هو أنها  تقرب بين أشخاص ينتمون إلى أماكن ومهن  وأعمار مختلفة  لأنها تنشأ بناء على الميول والاهتمامات المشتركة فقط , فأنت تختار أن تصادق شخص معين على الفيسبوك لأنه يشاركك نفس الأفكار والآراء, وهذا ما يجعل الانسجام والتوافق بينكما أسهل كثيرا حتى يبدو لك أن صديقك الافتراضي أقرب لك من أهلك وأصدقائك الحقيقيين . ولكن هذه الميزة من السهل أن  تنقلب إلى عيب عندما يحدث أي خلاف بينكما, هذا الخلاف سواء كان تافها أو عميقا  يمكنه أن يدفع ( صديقك ) حتى يضغط على زر ( البلوك ) ويحذفك من قائمة أصدقائه بكل بساطة.  العلاقات الافتراضية هشة جدا لأنها تفتقد الحميمية والمباشرة التي تميز العلاقات الحقيقية , إنها تبدأ بسهولة وسرعة بالضغط على زر, ولذلك  فلابد أن تنتهي أيضا  بنفس السرعة بالضغط على زر آخر.

3-  الفيسبوك يقلل من شعورك بالوحدة والملل 

هناك من يعتقد أن إنسان العصر الحديث لم يعد يشعر بالوحدة أو الملل بفضل التكنولوجيا الحديثة التي استطاعت تقدم له كل أنواع الترفيه على مدار الساعة وتبقيه على تواصل دائم مع الناس من كل أنحاء العالم. لكن الدراسات العلمية أثبتت أن العكس هو الصحيح فتصاعد استخدام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى زيادة إحساس الناس بالوحدة والانعزال. 

كلما ينتابك إحساس بالوحدة أو الضيق أو الضجر,  تسارع بالهروب من هذه المشاعر المؤلمة ليس بالخروج من منزلك ومقابلة أصدقائك ولكن بالدخول على الفيسبوك, وكتابة  أي بوست مضحك أو حزين أو ساخر ,يمر الوقت وأنت جالس أمام التليفون المحمول تنتظر تفاعل الآخرين على ما كتبته. إذا تلقيت تفاعلا واهتماما  كبيرا من ( أصدقائك ) تشعر بالانتشاء وتطمئن أنك لست وحدك وأنك محبوب من الآخرين, فتعود الابتسامة إلى شفتيك وترتفع معنوياتك  ولكن هذه المشاعر  للأسف لا تدوم طويلا , لذلك سرعان ما تجد نفسك منغمسا في التفكير في موضوع بوست آخر أكثر جاذبية من البوست السابق الذي كتبته ,وإذا لم تحصد نفس التفاعل تعود للشعور بالوحدة والكآبة , ثم تحاول التفكير في بوست جديد أفضل وأقوى, وهكذا تجد نفسك بدون وعي غارقا في دائرة مفرغة من البحث العبثي عن وسيلة للفت النظر  والحصول على الاهتمام  من الناس حتى تسكن به ذلك الألم النفسي الذي يهاجمك,  فتتحول إلى مهرج أو فليسوف مزيف من أجل تسلية ( أصدقائك ) والتواصل معهم ولكنك لا تحصل إلا على تواصل سطحي وعابر.  وفي غمار انغماسك في العالم الافتراضي تنسى أنك تجلس وحيدا و منعزلا عن العالم الحقيقي, وعن أفراد اسرتك الذين يعيشون معك في نفس المنزل, ولكنك لا تهتم بالحديث معهم  وتنسى وجودهم وتنسى  أنهم أغلى وأهم عندك من الأشخاص المجهولين الذين تسعى وراء  إعجابهم.

4-  بإمكانك التوقف عن استعمال الفيسبوك  في أي وقت بكل سهولة 

كل مدمن في الدنيا يصدق هذه الخدعة, خدعة أنه قوي وحر الإرادة وأن بإمكانه التوقف والابتعاد عن المادة التي يدمنها بكل سهولة ,  ولو كنت من مدمني الفيسبوك فإن طريقة تفكيرك لا تختلف كثيرا عن طريقة تفكير مدمني المواد المخدرة , إنك تستطيع في أي لحظة وترك الفيسبوك للأبد, وربما تكون أطلقت  هذا التهديد على أصدقائك في لحظة غضب من أجل تختبر  مدى أهميتك وقيمتك عندهم, وربما تكون  شعرت حقا بالتعب من ضجيج العالم الافتراضي وزيفه وصراعاته التي لا تنتهي .لكن إذا قررت أن تنفذ تهديدك وقمت  بالابتعاد  عن الفيسبوك ولو ليوم واحد  سوف يجتاحك إحساس قوي بالفراغ والانعزال كأنك تجلس في كهف بمفردك, خروجك من الفيسبوك يؤدي إلى إغلاق النافذة المريحة التي تطل منها على العالم الخارجي بدون الحاجة للانغماس الفعلي فيه, لذلك سرعان ما ينتابك الشعور بالتململ والضيق والاشتياق إلى الفيسبوك وإلى أصدقائك وحينئذ ستكتشف  أن مكوثك لفترات  طويلة على الفيسبوك أصابك بالإدمان على كل شيء في هذا العالم المثير والخطير.

إدمان متابعة تفاصيل الحياة اليومية للآخرين وقراءة اعترافاتهم والاطلاع على أسرارهم الشخصية, إدمان الحصول على الإشعارات وتلقي الإعجاب والاهتمام من الناس,  إدمان الإحساس بأنك شخص مهم  وأن صوتك مسموع وأراءك محل تقدير, إدمان الدخول في نقاشات عبثية حول كل شيء أو أي شيء, إدمان اجترار الأحزان ورثاء الذات واستدرار العطف من الآخرين ,  هذا الإدمان لا يمكن أن التخلص منه بسهولة لأنه يملأ عليك حياتك المملة الروتينية العادية ويجعلها أكثر صخبا وحركا ويوفر لك فرصة للكلام والتعبير عن نفسك بصورة آمنة من وراء شاشة حاسوبك أو تليفونك المحمول, وحتى لو نجحت في التخلص من إدمانك على الفيسبوك فإن شبحه سيظل يطاردك في كل مكان تذهب إليه , فالموضوعات الجدلية التي يتحدث عنها الناس في مواقع التواصل الاجتماعي باتت تحتل العناوين الرئيسية في المواقع الإخبارية وفي برامج التوك شو كما أنها باتت تسيطر على احاديث الناس اليومية. لقد صار الفيسبوك كوكبا كبيرا مستقلا وصار ملاكه هم المتحكمين في أفكارنا ونقاشاتنا و شكل علاقتنا بكل من حولنا.  رغم ذلك فإن التحرر من سطوة الفيسبوك على عقولنا ليس مستحيلا, و الحل ليس أن نتوقف عن استعماله كليا لأنه ليس شرا مطلقا,  العكس فإنه  يسهل تواصلنا مع  أقاربنا وأصدقائنا الذين يقيمون بعيدا عنا كما أنه يسهل على كثير من أصحاب الأعمال ترويج منتجاتهم, الحل هو أن ندرك تلك الخدع التي يمارسها عقلنا علينا حتى يدفعنا لاستخدام الفيسبوك كوسيلة للهروب من الواقع والحصول على الونس المزيف, علينا أن نعيد تحديد علاقتنا بالفيسبوك ونتوقف عن استعماله بصورة عشوائية ونقرر استعماله بوعي وبهدف وفي حدود معينة. الأهم هو أن ندرك أن الحياة أقصر  من أن نضيعها  سعيا وراء اهتمام وهمي من أشخاص مجهولين , وأن العالم الخارجي مهما بلغت قسوته وتعقيداته لا يزال أمتع وأكثر ثراء وأهمية من العالم الافتراضي .

0 تعليقات