انتهي عم  عزمي الكهربائي    من تركيب النجفة الجديدة في صالون  مدام اعتماد   و لكنه قبل  أن ينزل من على السلم   شعر بدوار فتوقف عن الحركة حتى يستعيد توازنه .  تذكر   أن موعد حقنة الأنسولين اقترب   فقرر الانصراف  سريعا  .
خرج   من  شقة مدام اعتماد وهو يجر قدميه    ثم  ضغط على زر المصعد  .  
وبينما كان واقفا  في انتظاره   انفتح الباب المجاور لشقة زبونته    وخرجت منه فتاة   قصيرة القامة ترتدي قميصا   أبيض مرسوم عليه  صورة ميكي ماوس  وبنطلون جنيز أسود   . 
 ألقت التحية على  عم عزمي  وعلى وجهها ابتسامة هادئة   ثم اقتربت من باب المصعد بعد  أن وقف في الدور .
 ابتعد الرجل  عن الباب  خوفا   أن ترفض الفتاة ركوبه معها  ولكنه الفتاة التفتت
 ناحيته  وقرأت  التعب والإعياء على وجهه     .
نظرت له برأفة   و   أشارت له لكي يركب معها   فشكرها بحرارة ودخل ورائها .
 وقفا بجوار بعضهما  صامتين   وبعد عشر ثوان وصل  المصعد للدور الأرضي فدفعت الفتاة الباب  وخرجت   سريعا ثم تبعها عم عزمي    .


و قبل أن يغلق  باب المصعد  رأى رجلا طويلا  في منتصف العمر تتدلي من ذقنه لحية سوداء صغيرة يقف أمام المصعد و  يجول بعينيه  بينه وبين الفتاة  بطريقة متفحصة أزعجته    .
حاول  أن يخفف من وقع نظراته الحادة عليه فابتسم له وألقى عليه السلام   .
 لم يرد   الرجل  وعقد حاجبيه ونظر باحتقار لحقيبة الأدوات الكهربائية التي يحملها ثم سأله بانفعال "  انت مين ؟ "  فانكمش وقال "   أنا  الكهربائي كنت طالع  ......
و   قبل أن يكمل كلامه   سأله الرجل  بحدة    
-  انت إيه اللي خلاك تركب الاسناسير مع البنت ؟
  كانت الفتاة على وشك مغادرة العمارة ولكنها عندما سمعت  سؤال الرجل عادت و وقالت للرجل 
  - مفيش حاجة يا أستاذ نادر أنا اللي قلت له يركب معايا علشان لقيته تعبان  .
التفت إليها غاضبا وصاح فيها   
 -  اسكتي انتي عيلة ومتعرفيش حاجة  بس انت المفروض تكون عارف الدين كويس  ,أنت مش عارف أن اللي عملته ده ذنب كبير دي خلوة    يا أستاذ  
 أشار عم عزمي   إلى  المصعد وسأل الرجل  بعدم تصديق 
-  خلوة   في الاسنساير  ده  .
 هز نادر رأسه   مؤكدا   
-  أيوه ده زي الأودة بالضبط وكان مقفول عليكم    .
 لم تكن لدي عم عزمي الطاقة لمجادلة الرجل فقال له معتذرا  
 -  معلش أصل أنا عندي السكر وتعبان قوي  فصعبت على البنت و ركبتني معاها   
 هز  نادر   رأسه اعتراضا   
-   ما أنا كمان عندي السكر بس ده مش مبرر إنك تخالف الشرع  الصح أنك تسيبها تركبه لوحدها      
-   بس احنا ملحنقاش نقف فيه عشر ثواني على بعض وبعدين دي في عمر حفيدتي بالضبط  يعني بس ....
- حتى لو كانت في عمر بنت حفيدتك  , هي  مش تحل لك .  اللي   أنت عملته ده   من الكبائر   .
زاد التأنيب الذي صبه الرجل على عم عزمي من شعوره بوطأة مرضه   و حاولت الفتاة أن تبعد  نادر  عنه   و توسلت له حتى يتركه يرحل  لحال سبيله   , ولكنه صاح فيها  قائلا " امشي انتي  من هنا مليكش دعوة  خالص  "     فخافت منه و  قررت أن تتركه وتغادر العمارة  .
 رأى عم عزمي رجلا    أخر يصعد سلالم العمارة و يقترب  من المصعد  .
أخذ الرجل  يرمقه  بفضول ثم  قامت بمصافحة  نادر  وهو يسأله .
 -  صوتك وصل لي وأنا طالع هو فيه إيه بالضبط  ؟ .   
 شرح له نادر الوضع بانفعال  
 -  تصور يا أستاذ ايهاب الراجل الشايب العايب ده ركب الاسانسير مع سارة  بنت الأستاذ محمود وباقوله  إن ده ذنب كبير ولكنه قاعد يعاندني ومصر انه معملش حاجة غلط 
تغير وجه  إيهاب ثم  صوب  على عم عزمي  نفس نظرات نادر اللائمة   وقال له  مستنكرا
 -  طبعا اللي حصل ده خلوة  محرمة  انت باين عليك مش عارف دينك كويس ما سمعتش الحديث اللي بيقول ما اجتمع رجل وامرأة إلا وثالثهما الشيطان   
 دافع  عم عزمي عن نفسه  بصوت مجهد
 -  امرأة ايه يا أستاذ دي طفلة
 فاحتج إيهاب
-  لا دي في ثانية إعدادي انت عارف  إن اللي في سنها بيتجوزوا في بلدنا   .
 حاول عم عزمي أن يشرح له ظروفه الصحية التي دفعته لركوب المصعد معها  ولكنه فعل مثل نادر وقاطعه  .
 - اخرس خالص أنت راجل قليل الأدب وناقص . انت  أكيد كنت عايز تعمل حاجة غلط معاها  "  .
انفلتت من عم عزمي ضحكة مريرة   
  - هو أنا قادر أصلب طولي حتى أرجوك يا أستاذ سبني أنا راجل تعبان وعندي السكر وعايز أروح البيت علشان اخد  حقنة الانسولين    .
لم يكد عم عزمي يتم جملته حتى رأى رجل أصلع وقصير يرتدي جلابية بيضاء و    ينزل على السلالم بسرعة   وقد  علا وجهه  القلق والتوتر   .
   توجه  نحو  إيهاب ونادر  وسألهما 
 -  صوتكم وصل لي وأنا قاعد في الشقة  فيه إيه اللي حصل يا جماعة ؟    .
تنافس ايهاب ونادر في  شرح المشكلة  له بعصبية    . بينما  تمني   عم عزمي أن يكون هذا الرجل  أكثر تسامحا و لطفا معه منهما   ويتركه يذهب لمنزله   ولكنه  أمنيته لم تتحقق   فلقد انطلقت من عينيه  شرارات الغضب والامتعاض وقال له بعصبية 
- استغفر الله العظيم إزاي تركب مع بنت اسناسير واحد , إنت مش بتخاف من ربنا ايه الانحلال ده  ,وازاي متعرفش ان دي خلوة  انت مش مسلم ولا إيه ؟.

شعر عم عزمي بأنه  يرى  كابوسا  لن يستيقظ منه إلا بالهروب  من هذه العمارة  ولذلك    توقف عن الدفاع عن نفسه وقرر أن  يعتذر لهم بكل أدب لعلهم يتركوه   ولكن نادر لم يرض  باعتذاره ,  فنادي على البواب  وأمره بعدم السماح له بالصعود للعمارة مرة أخرى   . 
نظر البواب  لعم عزمي بدهشة  لأنه  يعرفه جيدا ويعرف أنه كهربائي محترف  ولديه زبائن كُثر   في العمارة  ,  ولذلك  سأل الأستاذ نادر عن سبب منعه   فتحمس نادر لقص نفس الحكاية للمرة الثالثة  ولكن عم عزمي لم يطق الوقوف والاستماع لنفس الإهانات    فقال له
-   خلاص احكي له براحتك أنا هامشي من هنا  ومش ناوي حتى أعدي من قدام العمارة بتاعتكم   .
 نزل على سلالم العمارة بأسرع ما يمكن قبل أن يوقفه نادر ثم تنفس الصعداء بعد أن غادر   الشارع     .
  شعر  بحزن شديد  عندما فكر أنه لن يزور مدام اعتماد ولا زبائنه الآخرين في العمارة   
عاد  لمنزله وأعطى نفسه حقنة الانسولين ثم أخذ قسطا  من الراحة  .
بعد ساعة   تلقى اتصالا من أحد زبائنه  من أجل أن يُركب لمبة جديدة له   .
وافق على الذهاب رغم مرضه   لأنه كان يكره أن  يرفض عملا   .
 وصل للعمارة   وضغط  على زر المصعد  و قبل نزوله   فوجئ بمجيء سيدة عجوز تتوكأ  على عصاه خشبية و يبدو من التجاعيد  التي تغطي  كل شبر في  وجهها أن عمرها لا يقل عن ثمانين  .  أدرك  أنها تنتظر ركوب المصعد مثله و ولذلك جري مبتعدا عن المصعد بخوف وتركها تركبه  بمفردها    .
ابتسمت له السيدة العجوز  وشكرته  ثم   لاحظت التعب الظاهر  على ملامحه فعرضت عليه أن يركب معها المصعد    . 
تملكته حالة عصبية  وهو يقول  لها
 -  لا أصل     ركوب الأسانسير  مع السيدات خلوة وأنا مش عايز أقع في ذنب  .    نظرت  له السيدة بدهشة ثم وضعت  يدها على  بطنها   وظلت تقهقه وهي تقول له  " حضرتك  دمك خفيف جدا "


3 تعليقات

  1. أولاً أنا سعيدة يا ياسمين أني دخلت مدونتك:)
    ثانياً: أعجبتني القصة وهي بتدل عن حال الناس مع دينهم جهل مع تضخيم نتيجة الجهل.. أنا مش ضد أن الناس تخد بالها علي أولادها لأن في ناس مش محترمة فعلاً لكن مش معني كدا همشي هخون كلً الناس..

    ردحذف
  2. أنا كمان يا نيللي سعيد بدخولك للمدونة وقراءتك للقصة واتفق معاكي تماما

    ردحذف
  3. القصة جميلة لكن للأسف هي دي الحقيقة وأؤكد لكم من خلال احد أصدقائي له اخ غير ملتزم ولا يصلي ولكنه منشغل بنقد الناس هلي سميت قبل الأكل ام لا ولماذا تأكل بيدك اليسري لدرجة ان صديقي هذا أحرج أخيه اكثر من مرة

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته