اختتم حصاد هذا العام مع الكتب باستعراض أفضل الروايات التي قرأتها في 2020، قائمة هذا العام متنوعة للغاية من ناحية الموضوعات .  أتمنى أن تحوز مراجعاتي القصيرة على إعجابهم وأن تشجعكم على الاطلاع على الروايات المذكورة في القائمة.

كتاب الأوهام – بول أوستر


ما الفرق بين الحقيقة والوهم ؟، وماذا يحدث عندما يموت الانسان أو يختفي فجأة ولا يتبقى منه سوى ذكريات وآثار من السهل محوها، هل من الممكن أن يتحول إلى وهم؟
هذه بعض من الأسئلة التي دارت في ذهني عندما قرأت كتاب الأوهام للأديب الأمريكي الكبير بول اوستر.
الرواية تحكي قصة أستاذ جامعي يدعى ديفيد زيمر يتعرض لصدمة نفسية بعد أن يفقد زوجته وابنيه في حادث تحطم طائرة ويعجز عن العودة لعمله. بينما يقلب قنوات التليفزيون يشاهد فيلما صامتًا كوميديًا لممثل يدعى هكتور مان ولأول مرة من فترة يستطيع أن يضحك مجددًا.
يكتشف أن هذا الممثل اختفى من زمن طويل في ظروف غامضة، فيقرر ديفيد زيمر مشاهدة كل أفلام هكتور مان والبحث في قصة حياته ثم يؤلف كتابا عنه، هذا الكتاب يقوده إلى اكتشاف السر الحقيقي لاكتشاف هذا الممثل الكوميدي.
رغم أنني لست من محبي السينما الصامتة لكني انجذبت كثيرًا للرواية ووجدت نفسي مشدودة لمعرفة تفاصيل حياة هكتور مان وسر صعوده نجمه ثم اختفاءه المفاجئ.
الرواية لا تتحدث عن السينما الصامتة فحسب ولكنها تتحدث عن وهم الحياة ،وعن الموت والفراق والحب، تتحدث أيضًا عن معنى الفن وعن عقدة الذنب التي تقود الإنسان أحيانًا إلى تدمير ذاته وحياته.
القصص التي يرويها بول اوستر سواء من خلال استعراضه لأفلام هكتور مان واستعراضه لقصة حياة الرجل وقصة حياة البطل نفسه مجنونة وغريبة وساحرة،  الرواية استطاعت الجمع بين التشويق والحزن والجرأة الشديدة وهي أفضل عمل قرأته لبول أوستر حتى الآن.


كوالتي لاند – مارك أوفه كلينج


هل استطاعت التكنولوجيا حل كل مشاكلنا وجعلتنا أكثر سعادة وراحة أم أنها أفقدتنا هويتنا وحولتنا إلى عبيد لأصحاب الشركات الكبرى التي تستحوذ على الشبكة؟
 هذه الأسئلة يطرحها الكاتب الألماني الساخر مارك أوفه كلينج في رواية كوالتي لاند
الرواية تنتمي لأدب الخيال العلمي، وتدور أحداثها في ألمانيا في المستقبل البعيد حيث تحدث أزمة اقتصادية كبرى ثم يقرر الألمان إعادة بناء الدولة وإعطائها اسم جديد ليتفق مع العهد الجديد وهو أرض الجودة أو كوالتي لاند.
في كوالتي لاند يستمد البشر هويتهم ومكانتهم في المجتمع من عملهم وتصبح وظيفة الشخص هي هويته، فنجد بطل الرواية هو بيتر العاطل عن العمل والذي فقد عدد النقاط التي تعطيه الحق في العيش بكرامة في المجتمع الحديث رغم ذكائه وشجاعته لأنه لا يعمل.
 الأمر الثاني الذي يعطي الإنسان هويته في المجتمع الحديث هو التكنولوجيا المتمثلة في المساعد الشخصي القابع داخل أذن كل شخص مثل الهاتف والذي سماه بيتر لا أحد، والكوالتي باد والتي لابد أن يفتحها المرء بقبلة الشفاه بعد أن صارت بصمة الأصابع غير صالحة للاستخدام.
مشكلة بطل الرواية بيتر العاطل عن العمل أنه استقبل منتج لا يريد استخدامه، وعندما قرر إرجاعه رفضت الشركة التي توصل للناس الطلبات للمنازل أن تسترده لأنها ترى أنها تعرف كل زبائنها أكثر من أنفسهم بفضل الخوارزميات التي تتحكم فيما يراه المشاهد على الانترنت وفي المنتجات المعروضة عليه.
الرواية تسخر من المجتمع الرأسمالي المعاصر ومن الآثار السلبية لاستخدام التكنولوجيا في كل مناحي الحياة، وتكشف بذكاء الأساليب التي يستخدمها القائمون على الشركات التكنولوجية للتحكم في  البشر ووضعهم فقاعات صغيرة من خلال الصور والأخبار واعلانات الوظائف التي تناسب مستواهم الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي، وبالتالي تضمن خضوعهم واستمرار استهلاكهم للمنتجات نفسها.
الرواية مضحكة ومسلية للغاية ، ولكنها في الوقت نفسه عميقة وكاشفة لأزمة المجتمع الحديث الذي صار عبدا للتكنولوجيا وغير قادر على محاسبة صانعيها على أخطائهم في حق البشرية.

مكتبة ساحة الأعشاب – ايريك دو كيرميل




قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، هذا هو شعار رواية مكتبة ساحة الأعشاب، الرواية تتحدث عن سحر القراءة وكيف تساهم الكتب في بناء شخصية الإنسان ومساندته ودعمه في أحلك الظروف.  
بطلة الرواية ناتالي أستاذة جامعية في منتصف العمر تشعر بالملل من حياتها في باريس، تقرر الاستقالة من عملها والانتقال إلى بلدة صغيرة تدعى أوزيس كي تحقق حلمها بأن تكون صاحبة مكتبة.

 وفي كل فصل نتعرف على قصة أحد زوار مكتبة ساحة الأعشاب ونصل مع ناتالي إلى اكتشاف أو حكمة، ونكتشف المزيد عن علاقتها بزوجها ناثان وولديها وأهلها وأصدقائها الذين تعرفت عليهم في بلدة أوزيس.
الرواية شاعرية تتضمن دعوة لحب الحياة والاستمتاع بمباهج الحياة الصغيرة.
أحببت كثيرا شخصية ناتالي المثالية العاشقة للحياة وأعجبتني الاقتباسات والتأملات التي تزخر بها الرواية لدرجة أنني كنت أعيد قراءتها أكثر من مرة من فرط جمالها.
ربما نقطة الضعف الوحيدة في الرواية هي أن أغلب الروايات التي تحدثت عنها ناتالي فرنسية غريبة تماما عن القارئ العربي وغير مترجمة، ولكن هذه الرواية جعلتني أقع في حب الثقافة الفرنسية.

اليانور أوليفانت في أحسن حال – جيل هانيمان



عادة ما تكون الروايات التي تحوز على النجاح الجماهيري والنقدي هي روايات غير تقليدية تحتوي على حبكة معقدة وأبطال خارقين، لكن رواية إليانور أوليفانت في أحسن حال أثبتت أن الروايات الإنسانية البسيطة لا يزال لها مكان خاص في نفوس القراء، وأن بإمكانها أن تكون روايات عظيمة إذا تمت كتابتها ببراعة. الرواية حصدت عدة جوائز عالمية وحققت نجاحًا جماهيريا كبيرًا حول العالم رغم قصتها الإنسانية وحبكتها البسيطة.
تدور الأحداث في اسكتلندا حيث تعيش إليانور أوليفانت، فتاة في بداية الثلاثينات تعمل محاسبة في إحدى الشركات وتعيش بمفردها تماما، ليس لديها أصدقاء أو عائلة أو شريك للحياة وتبدو على وجهها آثار حروق.
 تعاني إليانور من الوحدة الشديدة والانطواء وتعجز عن إقامة علاقة اجتماعية أو عاطفية حقيقية بسبب ماضيها المؤلم الذي لا يزال يلقي بظلاله على حياتها اليومية.
من الخارج تبدو أحداث الرواية عادية ولكن شخصية إليانور غربية الأطوار وتعليقاتها الطريفة على المجتمع والناس والتفاصيل الدقيقة في حياتها والتعبير عن عمق الوحدة والاغتراب التي تشعر به صنع منها رواية إنسانية مؤثرة
رغم سيطرة تيمة الوحدة على الرواية إلا أنها تحمل روحا متفائلة تؤمن بقوة الإنسان على قهر ظروفه الصعبة وتجاوز آلامه والتعايش معها مهما بلغت درجة معاناته، والأهم أنها تعطي الأمل لمن يعانون مثل إليانور أنهم ليسوا بمفردهم في الحياة وأن هناك من يحتاج إليهم ومن يحبهم ، وأن بإمكانهم أن يجدوا الصديق المخلص الذي يساعدهم على تخطي أزماتهم النفسية.


حرائق صغيرة في كل مكان – سليست إنج



حرائق صغيرة في كل مكان من الروايات القليلة التي قرأتها هذا العام باللغة الإنجليزية واستمتعت كثيرا بها لا سيما أنها مكتوبة بشكل سلس وبسيط.
الرواية نسائية بامتياز فهي تتحدث عن موضوع الأمومة والرابطة الخفية التي تجمع المرأة بطفلها وتجعلها تتعلق بهم وتضحي بالكثير من أجلهم.
تناقش الراوية فكرة تأجير الأرحام والاجهاض وشروط الأم الصالحة.
فهل الأم الجيدة هي التي توفر كل سبل الرفاهية والراحة لأبنائها أم أن حب الأم يكفي لتعويضهم عن كل شيء حتى لو كانت فقيرة.
تدور أحداث الرواية في حقبة التسعينات في الولايات المتحدة الأمريكية في  بلدة تدعي مرتفعات شيكر حيث تعيش إيلينا الصحفية المرموقة مع زوجها المحامي وأبنائها الأربعة حياة مرفهة مثالية تتسم بالانضباط إلى أن تدخل حياتها سيدة تدعى ميا تعمل في مجال التصوير والفن التشكيلي، ولديها ابنة وحيدة، تقرر استئجار منزلها القديم، ثم تعمل في منزلها كطاهية.
نمط حياة ميا الفوضوي وغموضها الشديد يجعل أبناء إيلينا ينجذبون إليها وإلى ابنتها بيرل، يحدث اشتباك بين المرأتين بسبب أمور عديدة وتتسبب شخصية ميا المتمردة في مشاكل عديدة في البلدة الهادئة وتدفع إيلينا إلى البحث في ماضي ميا لتكتشف مفاجآت كبرى تتسبب في انقلاب حياتها. 
الرواية مشوقة للغاية وفي كل فصل يكتشف القارئ المزيد عن حياة الأبطال ويتعرف على شخصياتهم بشكل أعمق إلى أن تنكشف كل الحقائق في النهاية.
 الرواية صدرت مترجمة إلى العربية عن دار الكرمة في أوائل 2020.

 

0 تعليقات