وفقا لأحدث الإحصائيات فإن هناك مليار شخص حول العالم يمارسون العمل الحر عن

بعد أو ما يسمى بالإنجليزية

Freelancing  

هؤلاء الأشخاص يقدمون خدماتهم عبر مواقعهم الشخصية أو عبر مواقع العمل الحر المتعددة ويمثلون 35 % من قوة العمل، وهذه النسبة في تزايد مستمر خاصة بعد أزمة كورونا ولجوء الناس إلى العمل من المنزل.

 من لم يجرب العمل الحر يعتقد أنه النموذج الأفضل والأكثر كمالا للعمل وأنه أفضل من العمل التقليدي في جميع النواحي،  وبناء على خبرة ست سنوات قضيتها في العمل الحر عبر الانترنت اكتشفت خلالها خفايا العمل الحر بمميزاته وعيوبه، قررت أن أدحض الخرافات الشائعة عن العمل الحر والتي يجب أن ينتبه إليها أي شخص يريد تجربة العمل الحر عبر الانترنت.

العمل الحر أسهل من العمل التقليدي



أكثر ما يحفز الشباب على خوض تجربة العمل الحر هو اعتقادهم أنه أسهل كثيرا من

العمل التقليدي، فالعمل الحر يتيح لك إمكانية التواصل مع العملاء من أي مكان طالما أنك تملك جهاز حاسوب متطور وانترنت سريع.

 ليس عليك أن تلتزم بمواعيد حضور وانصراف أو ترهن نفسك برغبات رؤسائك وأهدافهم وتصبح رئيسا لنفسك ومالكا لزمام حياتك. كل هذه الأمور حقيقية وهي من أكبر مميزات العمل الحر لكن في المقابل فإن الحصول على وظيفة في مواقع العمل الحر ليس سهلا على الإطلاق بسبب شراسة المنافسة بين المتقدمين على الوظائف، والمتقدمون ينتمون لكل دول العالم وكثير منهم يملك خبرة طويلة ومهارات عديدة كما أن بعض مواقع العمل الحر تشترط على المتقدمين لها دفع اشتراك شهري حتى تتيح لهم إمكانية التقديم في الوظائف المتاحة في الموقع، لذا إذا أردت أن تجعل العمل الحر مصدر رزقك لابد أن تكون في حالة بحث عن عمل وتقديم في الوظائف طوال الوقت.  أغلب الوظائف المتاحة على مواقع العمل الحر مؤقتة وسريعة ، ومن الضروري أن تملك مهارات التسويق والإقناع حتى تستطيع جذب أفضل العملاء، والقدرة على تطوير مهاراتك حتى تتماشى مع متطلبات السوق، كل ذلك يتطلب مجهودًا كبيرًا يزيد عن المجهود الذي يبذله الموظفون في الشركات العادية.

العمل الحر لا يتطلب الخبرة

بعض مواقع العمل الحر التي تريد جذب المشتركين تدعي أن الخبرة ليست شرطا للتقديم في الوظائف على الموقع، وأنها أكثر انفتاحا وأكثر استعدادا لتقبل الموظفين المبتدئين طالما أنهم يمتلكون المهارات الأساسية في مجال تخصصهم، ربما يكون هذا الأمر صحيح نظريا، لكن في الواقع، أغلب العملاء في سوق العمل الحر لا يختلفون كثيرا عن نظرائهم في الشركات والمؤسسات العادية، فهم لا يثقون في المبتدئين ولا يفضلون تعيينهم، إنهم  يريدون من يقدم لهم الخدمة في أسرع وقت بدون الكثير من التوجيه. أما العملاء الذين يقبلون المبتدئين فإنهم يقدمون لهم مهام متعبة منخفضة الأجر لا تنمي مهاراتهم بشكل جيد.

إذا لم تكن خبيرا في مجالك، فستجد صعوبة شديدة في العثور على عمل حر عبر الانترنت بسبب ارتفاع أعداد مقدمي الخدمات وانخفاض الطلب من العملاء، في هذه الحالة فإن العثور على عمل تقليدي سيكون أفضل لك إذا كنت لا تزال في بداية مشوارك المهني حتى تكتسب الخبرات المطلوبة في مجالك، وبعد فترة من التمرين والممارسة تستطيع الانتقال للعمل الحر سواء بشكل جزئي أو كلي.

العمل الحر مربح أكثر من العمل التقليدي


كثير من العرب يعتقدون أن العمل في مواقع العمل الحر الأجنبية مربح لأن العملاء

الأجانب يدفعون بالدولار وهذا يعني أنهم   يحصلون على أجر كبير مشابه لما يحصل عليه الموظف الغربي بدون الاضطرار للسفر والعمل في الخارج، لذا نرى إقبال كبير من الشباب المنتمين للدول الأسيوية والأفريقية الفقيرة على الاشتراك في تلك المواقع.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن العملاء الأجانب أذكياء فهم يعلمون جيدًا أن مقدمي الخدمات على الأنترنت ينتمون لدول فقيرة وأن الدولار عملة قيمة جدا في تلك البلدان، لذلك فإن يستهدفون تعيينهم توفيرا للنفقات ويعطونهم أجور أقل كثيرا من الأجور التي يحصل موظفيهم، مثلا إذا كان الموظف الأمريكي يحصل على 20 دولار في الساعة فإن نظيره العربي سيحصل على دولارين أو ثلاثة فقط في الساعة.

 إذا رفضت هذا الأجر سيفاجئك أن الأغلبية مستعدين لقبوله لحاجتهم الشديدة للعمل ورغبتهم في جذب الزبائن.  بعض مواقع العمل الحر مثل موقع أبورك يشترط على المتقدمين في الوظائف دفع اشتراك شهري حتى يتيح لهم التقديم في أكبر عدد من الوظائف كما أن التقدم للوظائف في تلك المواقع يشبه المزاد فالعميل يعلن عن الوظيفة وينتظر العروض وفي النهاية يعطيها لمن يقدم له الخدمة بجودة مرتفعة وأقل سعر.

 في المقابل، هناك مقدمي خدمات استطاعوا الحصول على أجور كبيرة من العمل الحر بالدولار، لأنهم أصحاب خبرة كبيرة ولديهم مهارات عديدة تميزهم عن غيرهم في سوق العمل وتجعل العملاء يقبلون على خدماتهم.

 لكن حتى هؤلاء الأشخاص يمرون بتذبذب في الدخل إذا قل الطلب عليهم في أي وقت، فإذا استطاعوا الحصول على 200 دولار في أسبوع من العمل فإنهم في الأسبوع الذي يليه قد لا يحصلون على أي شيء إذا لم يطلب أحد خدماتهم وهذا يجعلهم في حالة قلق وخوف من انخفاض معدل الدخل مع تقلبات السوق وارتفاع درجة المنافسة. فضلا عن ذلك، فإن العامل الحر ليس لديه تأمين صحي أو معاش ولا يحصل على علاوة أو إجازات مرضية مدفوعة وغيرها من المميزات التي يحصل عليها الموظفين في الشركات الكبرى، وهذا ما يجعل بعض الشباب يفضلون الوظيفة التقليدية التي تضمن لهم مرتب شهري ثابت بغض النظر عن حجم العمل الذي يقومون به كل يوم.

ساعات العمل الحر أقل من العمل التقليدي


من أكبر العوامل التي تحفز الشباب على تجربة العمل الحر هو اعتقادهم أنهم سيعملون
لساعات أقل، فالعمل الحر يعتمد على حجم العمل المنجز وليس على عدد ساعات العمل اليومي وبإمكان الموظف أن يحدد ساعات عمله كما يشاء، كما أنه يوفر على الموظف عناء الخروج وتضييع الوقت في المواصلات وبدلا من ذلك يمكنه إنجاز عمله بسهولة من المنزل. 

 ما لا يدركه الكثيرون أن حرية العامل الحر وقدرته على العمل من المنزل تقابلها مسئولية كبيرة ألا وهي تنظيم الوقت، فوجودك على الانترنت لأداء العمل يعني أنك صرت متاحًا للعملاء طوال اليوم وبإمكانهم التواصل معك في أي وقت، وهذا يجعلك في حالة انشغال دائم  وانتظار لرسائل العملاء  وردودهم على رسائلك مما يشعرك بالإنهاك والتعب في آخر اليوم، وقت ليس ملكك كما تعتقد وإنما ملك العملاء الذين قد يطلبون منك إنجاز عمل معين في أي يوم فقد تقضي أياما عديدة وأنت تعمل ليلا ونهارا وأياما أخرى عاطلا في انتظار طلبات العملاء.

 أداء العمل من المنزل يعد ميزة وعيب في الوقت نفسه، فتحول مكان الراحة والاجتماع مع الأسرة إلى مكان للعمل يضع عليك عبئا في أن تهيئ لنفسك بيئة هادئة أو تعزل نفسك عن بقية أفراد الأسرة حتى تستطيع إنجاز عملك، وإذا كان لديك أطفال في المنزل، أو إذا كنت تسكن في شقة ضيقة بلا مكتب خاص بك فسيكون إنجاز العمل أمر صعب ومرهق ذهنيا ومهدر للوقت.

العمل الحر سيكون البديل في المستقبل للعمل التقليدي

بعض مواقع العمل الحر تروج لفكرة أن مستقبل الاقتصاد سيعتمد على العمل الحر وأن الشركات التقليدية ستختفي تماما من السوق.

في رأيي فإن هذه التوقعات مبالغ فيها لأن العمل الحر يعاني من مشكلات عديدة ذكرتها في النقاط السابقة منها زيادة التنافسية، انعدام الأمان الوظيفي والمعاش التقاعدي وتذبذب الدخل وهذا ما يجعل أكثر من نصف الأشخاص الذين يمارسون العمل الحر يعملون في شركات عادية، العمل الحر بالنسبة لكثير من الناس وسيلة لزيادة الدخل وليس المصدر الرئيسي للدخل، والحاجة للانتماء لشركات كبرى لا تزال موجودة لدى كثير من الناس الذين يفضلون الأمان الوظيفي والروتين اليومي المريح ، في المقابل فإن العمل الحر يلائم الأشخاص الذين يكرهون التقيد بالروتين والتكرار، ويريدون ممارسة عملهم من أي مكان ، لذا أعتقد أن مستقبل العمل سيكون مزيجا بين العمل الحر والتقليدي لأن كلاهما له مميزاته وسوق العمل في حاجة لطرق متنوعة لتقديم الخدمات. 

1 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته