استيقظ مؤمن مبكرًا، وأعد نفسه للخروج من أجل مشاهدة شقة معروضة للبيع في أحد الأحياء الجديدة.

  ركب سيارته الحمراء الصغيرة ثم وضع يده في جيبه، وأخرج منه ورقة صغيرة مكتوب عليها بالقلم الأزرق شارع الواحات البحرية، اتجه لليمين عمارة السلاطين- رقم 34 الدور السابع- شقة 75.
تذكر أن صاحب الشقة أخبره أن شارع الواحات البحرية مشهور جدًا في المنطقة وأنه سيجد لافتات كثيرة ستوجهه للشارع بدون الحاجة لسؤال أحد، وبعد أن يجد الشارع عليه أن يسير يمينًا منه كي يعثر على العمارة.

 مع ذلك كان مؤمن خائفا ألا يتمكن من الوصول لمكان العمارة بسهولة، فلقد أعتاد أن يتوه في الشوارع حتى يصل إلى مكان جديد. 

 حاول أن يبث الطمأنينة في نفسه، فدعا الله أن يهديه للطريق الصحيح.

بعد أن قطع مسافة طويلة، وصل للحي أخذ يقرأ أسماء الشوارع فوقعت عيناه على لافتة زرقاء كبيرة تشير لشارع الواحات البحرية.

انطلق بسيارته داخل الشارع، فوجئ أنه نسى رقم العمارة. هدأ من سرعته، وأخرج الورقة من جيب البنطلون ونظر فيها للمرة الثانية.

 انتبه   أنه كتب على الورقة ادخل بعد مفترق الطرق إلى اليمين، سأل نفسه إذا كان معنى الإرشادات أن يسير في الشارع حتى يصل لمفترق الطرق ثم يبحث عن العمارة.
بدأ الشك يدب في نفسه، خاف أن يضل الطريق فقرر أن يتصل بصاحب الشقة لكي يتأكد منه أنه يمشي في الاتجاه الصحيح، بعد أن اتصل بالرقم ظهرت له إشارة أن البطارية قد نفدت. أخذ يبحث عن الشاحن في السيارة  فلم يجده.

أدرك أنه نساه في المنزل فشعر بالضيق ثم أخذ يجول بعينيه بين المارة في الشارع. رأى رجلًا عجوزًا يمسك بعصا خشبية يتوكأ عليها ويمش فأوقف السيارة ثم أخرج رأسه من الشباك ونادي على الرجل وسأله إذا كانت عمارة السلاطين تقع في هذا الشارع.
التفت الرجل إليه وبدا على وجهه المكسو بالتجاعيد الاستغراب ثم سأله
- هل أنت متأكد أنك تريد الذهاب لعمارة السلاطين؟ 

- نعم
 - يبدو أن صاحب الشقة لم يعطك العنوان الصحيح، برج السلاطين لا يقع هنا ولكني أعرف مكانه ولولا أنني ذاهب لمشوار مهم لكنت أخذتك إليه، انظر خلفك.
أدار مؤمن رأسه للخلف فأشار له الرجل ناحية برج شاهق جدًا ثم قال له:

 - عمارة السلاطين تقع بجوار هذا البرج

عارضه مؤمن
-صاحب الشقة أخبرني أن مكان العمارة هنا في شارع الواحات البحرية
- لا تستغرب. كثير من الناس   لا يعرفون   جيدًا الأسماء الصحيحة للشوارع التي يسكنون فيها، أنا متأكد   أنه لا يوجد هنا عمارة اسمها عمارة السلاطين لأني أسكن في المنطقة من سنوات طويلة.

 اقتنع مؤمن أنه ضل الطريق   فبدا عليه القلق ولكن   الرجل العجوز طمأنه:
 -لا تقلق، الأمر في غاية السهولة كل ما عليك أن تسير حتى تصل لميدان كبير اسمه ميدان الجزيرة العربية، وبعد ذلك اسال عن مكان عمارة السلاطين وستجد ألف من يدلك.
شكره مؤمن وتركه ولف بسيارته وهو يتساءل هل أخطأ صاحب الشقة في وصف مكان العمارة له أم أنه أخطأ في كتابة العنوان، لم يستغرق في التفكير لأن اهتمامه كان منصبا على    الوصول للعمارة في الموعد الذي حدده مع صاحب الشقة.

قاد السيارة نحو ميدان كبير عرف بسهولة أنه ميدان جزيرة العرب، رأى بائع خضروات يجلس في الشارع فأشار له كي يقترب، سأله إذا كان يعرف مكان عمارة السلاطين.

بدا من نظرة الرجل التائهة أنه لا يعرف. نادي على البائع الجالس بجواره وسأله عن مكان العمارة فاقترب الرجل منه وقال له:

-ادخل هذا الشارع وامشٍ فيه قليلًا ثم أسأل وستجد من يرشدك.

دخل مؤمن الشارع ومشي بالسيارة حتى رأى رجلًا نحيلًا أبيض البشرة يرتدي جلبابا رماديا ويجلس على باب عمارة خمن أنه حارسها.

أوقف السيارة ثم نادي على الرجل فقام بسرعة وتوجه ناحيته.

ارتسمت على وجه البواب ابتسامة ساخرة عندما سأله مؤمن عن مكان عمارة السلاطين ثم   سأله" هل تقصد عمارة السلطان؟"  .
رد عليه   مؤمن "لا السلاطين " فاتسعت ابتسامة البواب، وهو يقول له:
 -لا يوجد في هذا الشارع عمارة اسمها السلاطين   ولكن توجد عمارة السلطان.

 وجه له الرجل نظرة متفحصة ثم سأله: 

- يبدو أنك غريب عن الحي، ماذا تريد من هذه العمارة؟

- أنا ذاهب لمشاهدة شقة معروضة للبيع
- لا توجد شقة للبيع في هذه العمارة أنا أعرف جيدًا كل الشقق المعروضة للبيع في المنطقة من المؤكد أنك جئت للعنوان الخاطئ، يبدو عليك أنك شاب طيب فقد شعرت بالارتياح لك ولذلك سأقدم لك خدمة لوجه الله وسأعرض عليك أن تشاهد شقة ممتازة في عمارة قريبة.

  -أشكرك   ولكني أريد أن أذهب   لمشاهدة    الشقة التي أبحث عنها.
- صدقني ستندم إذا لم ترً تلك الشقة، مساحتها تزيد عن مئة متر بحري وتطل على الشارع وتشطيبها سوبر لوكس، وثمنها 150 ألف جنية فقط، اسمع كلامي لن تخسر شيئا وأنا متأكد أنها ستعجبك.

تشجع   مؤمن لرؤية الشقة فركب البواب معه بعد أن عرفه على نفسه وأخبره أن اسمه حمدي. 

 ظل حمدي يوجه مؤمن حتى وصل بعد دقائق قليلة لمكان العمارة التي تقع فيها الشقة، دخلا العمارة فصافح حمدي رجل الأمن وأخبره أنهما سيصعدان للشقة.

قال له رجل الأمن بأسف:
 - ولكنكما سوف تضطران للصعود على السلالم لأن المصعد معطل.

ابتسم حمدي وقال له "لا توجد مشاكل سوف نصعد بسرعة".
شعر مؤمن بالقلق   فسأل حمدي:

-أين تقع الشقة؟
- في الدور السادس
 - معقول هل تريدني أن أصعد ستة أدوار؟ 

- أنت شاب فماذا الذي يمنعك من صعود السلالم؟
-لا شيء   ولكني لا أريد أن أضيع   وقتي   في الصعود    فمن الأفضل أن أنصرف وأبحث عن مكان العمارة التي أريد الذهاب إليها.

- لا تخدعني، يبدو أن شباب اليوم كسول. عمري ستون سنة وأستطيع الصعود بدون تعب اصعد معي ولا تفوت عليك فرصة مشاهدة الشقة.

  شعر مؤمن بالإحراج بعد أن اكتشف حمدي السبب الحقيقي لرفضه فاستجاب لإلحاحه حتى يثبت له أنه ليس كسولا أو ضعيفًا.
 كان صعود الطابق الأول والثاني سهلا عليه ولكن عندما وصل للدور الثالث بدأ يلهث وتقطعت أنفاسه   بينما واصل حمدي   الصعود بسرعة وخفة، وعندما رآه يتوقف عدة مرات ليلتقط أنفاسه نظر له باستغراب قائلا:
 -نفسك قصير جدًا يبدو أن شباب هذه الأيام أضعف من البنات.
  فنظر له مؤمن بغيظ وقال له: 

- صعود السلالم ليس سهلا، وأنا أصلا لم أكن أريد القدوم هنا أنت الذي ألححت علي حتى أرى تلك الشقة.

خاف حمدي أن يؤدي كلامه إلى تراجع   مؤمن عن الصعود فاعتذر له قائلا:
- لا تغضب سوف يأتي تعبك بفائدة عندما تشاهد الشقة.

عاد الفضول يداعب مؤمن فتحامل على نفسه وصعد باقي الأدوار حتى وصل لمكان الشقة وهو يتنفس بصعوبة.  فتح حمدي باب الشقة وسار مؤمن ورائه بخطوات حذرة إلى صالة مظلمة ضيقة.

فتح حمدي شباك الصالة فأطل منه قليل من الضوء، نظر مؤمن للأرضية فوجدها مكسوة ببلاط السطح. معقول، هل هذه هي الشقة التي يقول إن تشطيبها سوبر لوكس؟

لاحظ حمدي عدم إعجابه بالصالة فدعاه لدخول الحجرات. بدأ الشك يتسرب لنفسه في مستوى الشقة، اكتشف أن الحجرات ضيقة والشرفة تطل على مدخل العمارة وليس الشارع كما أدعى حمدي.

شعر مؤمن أن هذا البواب خدعه فسأله مستغربا بنبرة غاضبة "هل هذه هي الشقة التي ألححت علي كي أشاهدها، لقد رأيت بيوتًا أفضل منها بمراحل".
ضاق حمدي بشكوى مؤمن فرد عليه محتجًا:

-أنا لم أجبرك على المجيء، أنت من وافقت عندما ذكرت لك سعر الشقة، عمومًا حصل خير، امشٍ لحال سبيلك.

نزل مؤمن على سلالم العمارة وهو يشعر بالندم على الوقت والجهد الذي أضاعه، أدرك أنه تأخر كثيرًا عن موعده، خاف ألا يجد مكان الشقة أو يكون صاحبها مل من انتظاره ولكنه قرر ألا يتوقف عن البحث عن عمارة السلاطين. ركب سيارته وسار بها ببطء وظل يجول بعينيه بين المارة حتى رأى شابًا طويلًا يرتدي سترة رياضية ويمشي بخطوات سريعة.

أوقف السيارة ونادى عليه، وسأله إذا يعرف مكان عمارة السلاطين فنظر له الشاب باستغراب وقال له:

-  عمارة السلاطين لا تقع في هذا الشارع، لقد ابتعدت عن مكانها كثيرًا.

 نظر له بيأس وسأله:

-هل تعرف مكانها بالضبط؟

-نعم أنا أسكن في العمارة المجاورة لها، لكي تصل إليها يجب أن تسير في هذا الطريق حتى تصل لشارع الواحات البحرية، إنه يقع ناحية هذا البرج الكبير هل تراه؟

اندهش مؤمن عندما رآه يشير نحو الشارع الذي تركه فسأله بتردد:
- هل بعد ذلك أدخل من اليمين وامشي مسافة عمارتين وسأجد عمارة السلاطين هناك؟

ارتسمت علامات الاستفهام على وجه الشاب:
-   لماذا تسألني طالما أنك تعرف العنوان؟
- العنوان كان معي ولكني قررت أن أسأل لكي أتأكد أني أمشي في الطريق الصحيح فأخبرني   رجل عجوز أنه لا توجد عمارة بهذا الاسم في الشارع وطلب مني المجيء هنا.

 -  من المؤكد أنه سمع اسم العمارة بطريقة خاطئة لأن هناك عمارة اسمها عمارة السلطان تقع في هذا الشارع، ولكنك أخطأت، لماذا تسأل غيرك طالما أن معك العنوان وكنت تمشي في الطريق الصحيح؟ 

هز مؤمن رأسه موافقا على كلام الشاب ثم شكره وعاد لشارع الواحات البحرية. وصل لمكان العمارة وتوجه إلى الشقة وضغط على جرس الباب.

 رحب صاحب الشقة به فاعتذر له مؤمن عن تأخيره وأخبره انه مستعد لمشاهدة الشقة.

هز  الرجل رأسه آسفًا وقال له " الشقة لم تعد متاحة، لقد سبقك رجل أخر كنت أعطيته موعدًا بعدك وشاهد الشقة ووافق على شرائها لا تحزن خيرها في غيرها.

 

0 تعليقات