لماذا لا تستطيع تجاوز الماضي

عبارة 

Move on
 قابلتني كثيرا أثناء قراءتي للمقالات والكتب الإنجليزية، اعتقدت في البداية أن معناها
هو أن تتحرك أو تترك المكان الذي تعيش فيه وتذهب إلى مكان آخر، لكني اكتشفت بعد بحث مستفيض في مواقع القواميس الانجليزية على الانترنت أنها تحمل معان كثيرة.
Move on
قد تعني أن تشرع في ممارسة عمل أو نشاط جديد أو تتبنى رأيا جديداً، كما تعني أن تنجح في مواصلة حياتك بعد تعرضك لتجربة سيئة.
ليس هناك مرادفا دقيقا لهذا التعبير في اللغة العربية ولكن أقرب معنى لها هو أن تتجاوز الماضي وتتقدم للأمام أو تمضي قُدما في حياتك.
النصيحة الشائعة التي يقدمها الأطباء النفسيون لمن يشعر بالتعاسة وعدم الرضى عن حياته هو البحث عن مصدر التعاسة ومواجهته، وأن تحول الفشل إلى طاقة إيجابية تدفعك للتقدم للسير في طريق النجاح.
 إذا كانت وظيفتك تسبب لك التعاسة اتركها وابحث عن عمل يلائم ميولك ويرضي طموحك.
 إذا كانوا أصدقائك ينتقدوك ويصدرون لك الطاقة السلبية، اتركهم وابحث عن أصدقاء إيجابيين يدعمونك ويشجعونك.
 إذا كانت زوجتك تسبب لك التعاسة وإذا فشلت في إصلاح العلاقة، انفصل عنها وابحث عن شريكة حياة أخرى.
 فكرة تجاوز الماضي والانتقال للأمام تبدو نظريا سهلة فكل ما عليك هو أن تتقبل الواقع وتضع الماضي خلفك وتتحرك للأمام.
الأمر عمليا شديد الصعوبة ليس فقط لأنه يحتاج إلى كثير من القوة النفسية والشجاعة والإقدام، ولكن لأن الانسان عندما يستثمر وقته وجهده وماله في شيء أو وظيفة أو علاقة أو هدف، فمن الصعب عليه أن يتقبل أن الشيء أو الشخص الذي ارتبط به لم يعد ملائما له، ومن الصعب أن يتركه  ويرحل بسهولة. 
الاختيار الأسهل والأكثر أمانا بالنسبة له هو أن يبحث عن طريقة لإصلاح الوضع أو تحسينه، وإذا فشل في ذلك فإنه سيحاول التأقلم مع الأمر الواقع والقبول به أو الصبر حتى تتغير الظروف إلى الأفضل.
 عندما يصبح التعايش مع الواقع أكبر من طاقته وقدرته على الاحتمال فإنه سيجد نفسه مجبرا للتحرك والثورة على واقعه، وقد يضطر في هذه الحالة أن يترك الماضي ورائه محاولا النجاة بنفسه وبناء حياته من جديد.
فكرة تجاوز الماضي والتقدم للأمام بالنسبة لي كانت ولا تزال صعبة، فبعد أن تخرجت في كلية الإعلام ظللت لسنوات أبحث عن عمل في مجالي بدون جدوى.
 رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد لي أن العمل في مجال الإعلام بدون وساطة أمر شبه مستحيل وأن المناخ الإعلامي لن يسمح لي بالعمل الذي أريده إلا أنني رفضت التخلي عن أحلامي في مجال الإعلام. كنت أملك أفكار كثيرة لبرامج ثقافية واجتماعية وكنت أعتقد أنني سأنجح في تنفيذها إذا أتيحت لي الفرصة للعمل في التليفزيون.
 كنت أشعر إنني إذا قبلت العمل في مجال آخر فإن ذلك سيكون استسلام وهزيمة وفشل في تحقيق أحلامي، وستكون السنوات الأربعة التي انفقتها في دراسة الإعلام راحت هباء.
فوجئت أن زميلاتي قبلن الأمر الواقع بسرعة وعملن كبائعات وسكرتيرات بينما بقيت أنا عالقة في مكاني ورافضة للتحرك في أتجاه آخر.
  مرت بي سنوات طويلة وأنا أعاني من البطالة حتى استطعت أن أتجاوز أزمتي وأتقبل فشلي في تحقيق حلمي، أعطيت نفسي هدفا جديدا وقررت أن اتعلم مجال آخر جذبني وهو الفوتوشوب ثم عملت فيه عبر الانترنت.
عانيت مرة أخرى من أزمة نفسية في مسألة التجاوز عندما قررت أن أكون أدبية.
 كان ولا زال الاكتئاب يصيبني كلما واجهت الفشل في نشر أعمال الأدبية، وأجد نفسي غارقة في دوامة من الحسرة والألم والمرارة على مجهود السنوات الذي لن يرى النور ولن يقرؤه أحد سواي. ضياع مجهودي وإحساسي بعدم التحقق يؤلمني وينزع مني الحماس والحافز للاستمرار في الكتابة والإبداع.
حتى الآن لا لست واثقة إذا كان بإمكاني أن أتجاوز إحساسي بالإحباط وأكتب رواية أخرى.
أزمة تجاوز الماضي ليست أزمة شخصية أعاني منها وحدي، إنها أزمة جماعية يعاني منها كل الجيل الذي شارك في ثورة يناير، حتى اليوم لا يزال أغلب هذا الجيل يعاني من أزمات نفسية عميقة لأنهم لايزالون عالقين في لحظة الثورة.
 منهم من يتحسر عليها ويعيش على ذكرياتها ويُحلم باستعادتها، ومنهم من يشعر باليأس من التغيير ويمتلئ قلبه بكراهية عميقة لكل من تسببوا في إفشال الثورة، ومنهم من يشعر أن الثورة كانت وهماً أو خديعة شارك فيها بسذاجة ويتمنى لو عاد به الزمن للوراء قبل 2011
الجميع عالقون داخل لحظة يناير بكل مجدها وإخفاقاتها، الجميع مستسلمين لليأس أو غارقون في اللوم وجلد الذات وتبادل الاتهامات. لكن لا أحد منهم استطاع أن ينظر لتلك اللحظة التاريخية عن بعد بكل موضوعية ويتعلم منها ثم يتجاوزها ويتحرك للأمام ويبحث عن طريقة مختلفة للتغيير.
فكرة التجاوز عسيرة على كل من يربطون هويتهم في الحياة بعمل أو هدف عظيم وعندما يفشلون في تحقيقه أو يكتشفون أنهم أقل وأضعف وأصغر من الوصول إليه، يشعرون بالضياع وتنتابهم أزمة وجودية وقد يصابون بالاكتئاب وينتحرون.
 من الخطأ أن يربط الإنسان نفسه بشيء أو بشخص أو بهدف واحد مهما بدا عظيماً لأن الهدف إذا سقط أو إذا اختفى الطرف الآخر من حياته سيشعر المرء بالضياع وستبدو له الحياة فارغة وبلا معنى.
 العجز عن تجاوز الماضي ليس بالضرورة ناتج عن الضعف وقلة الحيلة ولكنه أحيانا يكون ناتج عن إصرار الإنسان على إنكار الواقع والمكابرة وعجزه عن الاعتراف بفشله وخطأ تقديراته. الخروج من حالة الإنكار يقتضي أن يكون المرء صريحاً مع نفسه وواعيا لواقعه ولنقاط ضعفه وأسباب فشله، لابد أن يدرك المرء أن الحياة ليست مدينة له بشيء وأنه لا يستحق الحصول على ما يريده فقط لأنه طيب أو مجتهد أو صادق.
 من الممكن أن تكون بذلت مجهوداً كبيراً في حياتك ولكن المشكلة أن هذا المجهود ذهب في الاتجاه الخاطئ، لذا لابد أن تتوقف وتعدل مسارك وتبحث عن الاتجاه الصحيح.
يُقال إن الزمن كفيل بمداوة كل شيء لكن هذه المقولة لا تنطبق على كثير من الناس الذين يسجنهم الزمن فيظلون عالقين في لحظة معينة في حياتهم في انتظار حدوث معجزة تشفي جراحهم.
 هذا الانتظار مضيعة للوقت، لقد تعلمت أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تساعدك على تجاوز الماضي هي الحركة، لابد أن تتحرك حتى إن كنت خائفا وحتى إن لم تكن واثقا من الاتجاه الذي ستسير فيه. الحركة أفضل من السبات والانتظار لأن الحركة ستشغلك عن التفكير في ماضيك. وستساعدك على التجاوز وستعلمك أين يقع الاتجاه الصحيح. السبات والاستسلام لاجترار ذكريات الماضي سيؤدي بك إلى الموت البطيء.
 الحياة أقصر من أن تضيعها في اجترار الماضي وسواء تحركت أو بقيت في مكانك سوى تمضي الحياة، لابد أن تمضي معها وتتقدم للأمام حتى لا يهزمك الزمن.

0 تعليقات