رواية نافذة في السماء
لا أحد يكتب مجانا سوى شخص أبله
 اصطدمت بهذه العبارة التي وردت على لسان الكاتب صامويل جونسون في كتاب سنة القراءة الخطيرة للكاتب البريطاني اندي ميلر, أثارت تلك العبارة داخلي الشعور  بالأسى والحسرة ودفعتني أن أسأل نفسي؛ هل أنا بلهاء لأنني بعد أن قضيت أكثر من عام من أجل العمل على روايتي نافذة في السماء ووضعت فيها كل مجهودي وطاقتي وأفكاري قررت أن أقدمها للقراء مجاناً؟.
توصلت بعد تفكير قليل أن تصرفي هذا لا يدل على البلاهة, ولكنه أقرب للجنون خصوصا زمن يقاس كل شيء بالمادة والإنسان تُقاس قيمته برقم حسابه في البنك.
تذكرت العبارة التي اثارت الاسى في نفسي وردت على لسان كاتب غربي, وفي العالم الغربي يسير كل شيء وفق قواعد المنطق بينما أنا أعيش في العالم العربي حيث العبث واللامعقول هو سيد الموقف, بالتالي لم تعد الطرق التقليدية للنشر صالحة لإيصال الإبداع, وصار الجنون هو عين العقل.
إقدامي على نشر روايتي مجاناٌ ليس استهانة بقيمة ما اكتبه, بل هو إدراك لطبيعة الواقع القاسي والأزمة المادية والاقتصادية التي أدب إلى تدهور حال الأدب والنشر في مصر.
نافذة في السماء هي ثاني رواية كاملة أكتبها بعد رواية بنت وولد التي صدرت في عام 2014 ورقيا, وهي ثالث أعمالي الادبية بعد المجموعة القصصية الهيئة السرية للتخلص من المواطنين والتي اصدرتها عبر دار حروف منثورة للنشر الإلكتروني عام 2017 .
ماذا لو كان بإمكان الشهداء أن يراقبوا ما يحدث على الأرض بعد وفاتهم ؟, وماذا لو كان بإمكانهم أن يتحدثوا ويخاطبوا الأحياء ؟, ماذا سيقولون لأهلهم وأصدقائهم وأقاربهم ؟, ماذا سيقولون لمن عذبوهم وقتلوهم ظلما واستباحوا دمائهم.؟
عبرت هذه الاسئلة بذهني من فترة طويلة بعد ثورة يناير, وقد حاولت الإجابة عنها من خلال سرد قصة باسل هاشم الشاب العادي الذي تحول إلى بطل بدون أن يقصد.
شرعت في كتابة نافذة في السماء في بداية عام 2013 وانهيتها في نهاية صيف عام 2014 .
ارسلتها لأحد دور النشر الشهيرة  والتي يُعرف عنها أنها تهتم بنشر روايات الشباب بدون أن تحملهم عبئا مادياً, وقد انتشرت عبرها العديد من روايات الرعب والتشويق .
 جاءني الرد من صاحبها بعد أسبوعين بالموافقة , ذهبت لأقابله ووقعت معه عقد نشر الرواية في شهر أكتوبر 2014, ولكنه اخبرني أنه لن يستطيع اصدارها في معرض كتاب يناير 2015  لأنه حضر بالفعل للكتب التي ستصدر في هذا الموسم, وعدني بالعمل على نشرها في صيف 2015.
صدقته لأنه كان من الواضح عليه التقوى والصلاح ( السبحة لم تكن تفارق أصابعه وصوت القرآن يملأ مكتبه ), شكرته ووقعت على عقد النشر بكل سرور .
انتظرت لحين انتهاء معرض كتاب 2015 ثم اتصلت به لأعرف مصير الرواية وموعد إصدارها. فوجئت به يطلب مني زيارته في مكتبه لأنه يريد الحديث معي حول الرواية.
توجست وتسلل القلق والخوف إلى قلبي, اعتقدت أن الرجل يريد أن يقابلني لأنه يريد فسخ العقد, ولكني فوجئت به يطلب مني إجراء تعديلات على الرواية لأن تحتوي على مشاهد سياسية يرى أنها يمكن أن تُفهم بشكل خاطئ, رأيته يعبس ويقول لي أن أحداث الرواية لا تناسب المناخ الحالي الذي نعيش فيه, وأننا في اللحظة الراهنة لابد أن نلتف حول النظام ونعلن تأييدنا له حتى يحارب الإرهاب.
أخبرته أن الرواية ليس لها أي علاقة بالإرهاب أو بالنظام الحالي.
اتضح لي أن الرجل لم يقرأ الرواية بالكامل عندما ارسلتها له في البداية وأنه قرأ فقط صفحات قليلة منها ويبدو أنه اعتقد من الفصل الأول أنها رواية بوليسية, ولكنه عندما قرأها حتى النهاية اكتشف أنها تتضمن أحداث سياسية.
اخبرته بصراحة أن بإمكانه التراجع عن إصدارها إن كان لا يراها مناسبة له, ولكنه انزعج واخبرني أنه لا  يمكن أن يتراجع أبدا عن وعده, وأنه مُصر على إصدارها ولكنه يريد مني اجراء بعض التعديلات عليها حتى تكون صالحة للنشر.
وافقت على مضض على طلباته وحاولت إقناع نفسي أنه على حق. قمت بتعديل الأحداث كما طلب, أعدت مراجعتها عدة مرات ثم أرسلتها له والأمل يحدوني أن الرواية سترى النور في الصيف على أقصى تقدير.
انتهى شهر رمضان وجاء العيد وجاء بعده الصيف ووجدت صار الدار المحترم يُصدر روايات لكتاب آخرين, بينما لم يهتم بالاتصال واطلاعي على مصير روايتي.
اضطررت أن أتصل به فوجدته يرد علي بتهذيب مغلف بالبرود والاستعلاء, شعرت أنه يتعامل معي كأني شحاذة تريد منه نقود. وعدني بالعمل على الرواية  ولكنه أصر على عدم تحديد موعد صدورها.
مرت شهور قليلة والقلق يتوسع ويتضخم بداخلي, ولكن كبريائي وخوفي من رد فعله منعني من الاتصال به, قررت أمي من فرط إشفاقها على حالي أن تتصل به بالنيابة عني, تلقت منه نفس الرد الجاف والإصرار على عدم تحديد موعد للعمل على الرواية.
  استولى علي الغضب وشعرت أن معاملته الجافة معي وإصراره الغير مفهوم على تأجيل إصدار الرواية يهدف إلى صرفي بطريقة غير مباشرة ودفعي لفسخ التعاقد معه.
 كان أمامي اختيارين : أن أترك الرواية مركونة عند هذا الرجل إلى ما شاء الله أو أن أحافظ على كرامتي وأتركه وأبحث لروايتي عن ناشر آخر.
تستطيعون استنتاج البديل الذي اخترته بسهولة.
أعترف أنني حساسة قليلًا ولكني لم استطع أن أترك روايتي تحت رحمة هذا الرجل فترة أطول.
اضطررت أن أرسل روايتي لدور نشر أخرى, أغلبهم لم يرد ومن اهتم ورد على رسالتي اعتذر لي عن نشر الرواية متحججا بأنها لا تناسب الخطة التسويقية للدار ( هذا لا يعني أن الرواية سيئة ولكنها ليست رواية تجارية ).
شعرت أن محتوى الرواية يقف حائلا أمام موافقة دور النشر التي تريد أن تبقى في الأمان وتبتعد عن المياه السياسية المثيرة للقلق والمشاكل.
  بعد إحباط ويأس طويل قررت  أن أضع رواية نافذة في السماء جانباً وأحاول إشغال نفسي بكتابة رواية أخرى كنت أريد تنفيذها من فترة.
مرت السنوات وواجهت نفس الصعوبات في إصدار روايتي الثالثة حتى أيقنت أنني سيئة الحظ أو ربما أنني لا أملك الموهبة والعلاقات القوية التي تؤهلني للتواجد في الوسط الأدبي.
تبخرت ثقتي في نفسي وفي موهبتي, أصبت بنوبات اكتئاب عديدة بعد أن شعرت أن حياتي بلا هدف أو معنى وأنني اهدرتها بحثا عن سراب.
كان من الصعب على أن اتقبل أن الرواية التي انفقت عامين من عمري من أجل أن أكتبها, وكتبتها بعقلي وأعصابي ودمي ودموعي ستظل مجرد ملف مخزن في الكمبيوتر لن يقرأه أحد.
أمام الكاتب في عصر  القمع والردع أن يصمت ويغرق في دوامة  الاكتئاب ورثاء الذات ويحرق أوراقه ويهرب من أفكاره ويكبت إبداعه ويحاول أن يقلد الآخرين ويعيش حياة ليست مقدرة له ثم يموت حزنا وكمدا, أو أن يحاول  ويصارع ويتحدى الظروف بكل الطرق والوسائل المتاحة أمامه ولقد اخترت البديل الثاني, ليس لأني متفائلة أو قوية, وليس لأني امتلك ثقة متناهية في نفسي وموهبتي.
  ولكن لأني شخصية عنيدة ارفض الانهزام ,ولا استطيع البقاء طويلا في وضع الاستسلام والعجز ,ولا أحب العيش في دور الضحية لفترة طويلة.
الاستسلام للواقع الكئيب يعني انتصار من صنعوا هذا الواقع ونجاحهم في إيقافي عن الاستمرار في الابداع وممارسة الهواية التي أحبها وعن إيصال صوتي والتعبير عن نفسي.
رأيت أن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامي للنشر هي الانترنت.  
الانترنت حتى الآن هو الوسيلة الديمقراطية الوحيدة في عالم يحتكره أصحاب النفوذ والسلطة والعلاقات , صحيح أن امتلاك المال والعلاقات يضمن للأديب الوصول إلى جمهور أكبر ولكن أمام كل شخص فرصة أن يعرض أعماله وابداعاته بسهولة على الانترنت. 
كنت قد جربت في العام الماضي النشر الالكتروني لمجموعتي القصصية الهيئة السرية للتخلص من المواطنين عبر دار حروف منثورة للنشر الالكتروني .
التجربة كانت مريحة لأن صاحب هذه الدار الالكترونية الصغيرة كان الوحيد الذي أوفى بوعده , ونشر قصصي في الموعد المحدد وروج لها حتى استطاعت أن تحقق أكثر من ألف تحميل في وقت قياسي.
 قررت أن أكرر التجربة مع روايتي نافذة في السماء, لكن  بدون الاعتماد على أي وسيط أو دار نشر. لقد صرت أكره الانتظار الطويل والاستجداء والالحاح. قررت أن أقوم بكل الأدوار التي تتولاها دار النشر. صممت غلاف الرواية  اعتمادا على ميولي الفنية ومعرفتي الجيدة ببرنامج الفوتوشوب, قمت بمراجعة الرواية لغويًا واملائيًا وتنسيق صفحاتها وترقيمها.
شعرت بالفخر بنفسي بعد أن نجحت في تحويل ملف روايتي إلى كتاب الكتروني.
 شعرت بالإنجاز لأنني استطعت أن أتجاوز إحساسي بالعجز وقلة الحيلة, استطعت الاعتماد على نفسي تماما, ونجحت في نشر كتابي بدون انتظار وقلق وطرق أبواب أعلم مسبقا أنها مغلقة.
أعلنت عن صدور الرواية على صفحتي على الفيسبوك بدون ضجيج وتلقيت التهاني المعتادة من أصدقائي الذين لم يلاحظوا أن الرواية متاحة الكترونيا فقط واعتقدوا أنها رواية ورقية.
في حين أن أغلب الكتاب لا يزالون يتنافسون كل عام على إصدار كتبهم ورقيا في معرض الكتاب ويرون أن الكتاب الورقي هو الكتاب الوحيد الذي يستحق القراءة والاحتفاء, اخترت أن أكون من القلائل الذين يسيرون عكس التيار السائد.
مع ارتفاع سعر الورق وضعف التوزيع صار الكتاب الورقي صفقة خاسرة  سواء بالنسبة للكاتب الذي يدفع ثمن طباعة الكتاب بصعوبة من مدخراته, وفي النهاية لا يستطيع استرداد أمواله من الناشر ,أو بالنسبة للقارئ الذي لا يستطيع أن يجد الكتاب في مكتبة بالقرب منه وإذا وجده يفاجئ أن سعره مرتفع جدا.
 صار الكتاب الالكتروني هو الحل الأسهل والأيسر لهذه المشاكل لأنه يوفر الكتاب للقراء في كل مكان , ربما مشكلة الكتاب الالكتروني الوحيدة هي عدم تقبل كثير من القراء الكلاسيكين له لأنهم يعشقون رائحة الورق ويريدون تصفح كتابهم بأياديهم وليس باستخدام جهاز الكتروني.   
هذه الشريحة ليست على استعداد للدفع مقابل قراءة الكتب الالكترونية كما أنها تشك دائما في موهبة الكتاب الجدد أمثالي وترى أنهم أقزام  أمام  مؤلفي الروايات العالمية التي تخطف الألباب ويتنافس الجميع على اقتناءها بدون تفكير.
حلمي أن تصل الرواية لأكبر عدد من الناس ولكني أعلم أن هذا الحُلم لن يتحقق لأنني لست الوحيدة التي تكتب ولست الوحيدة التي لديها رواية متاحة الكترونيا. أنا  أقف وسط  عدد مهول من الأدباء العرب والأجانب سواء كانوا شباب أم كبار, جميعهم يتصارعون لجذب انتباه القارئ وقدرتي على جذب انتباه القارئ بمفردي محدودة في وسط  أدبي يعتمد النجاح فيه على أشياء أخرى بخلاف الموهبة.
أنا بمفردي كالعادة ورغم شعوري بالوحدة وعدم وجود أي دعم حولي إلا قررت أن أقفز فوق هذه الصعوبات واعتمد على نفسي كلياً حتى أقدم للقارئ عمل أدبي جديد ومختلف عن السائد.
 أعلم جيدا أن عددا قليلا من الناس سوف يهتمون بقراءة هذا المقال حتى النهاية وعدد أقل من الناس سوف يهتمون بتحميل الرواية وربما شخصان أو ثلاثة سيهتمون بقراءتها حتى النهاية وهذا أمر محبط للغاية, ولكني أتمنى أن تصل الرواية على الأقل إلى الناس الذين يحتاجون لقراءتها.
إذا كنت من القراء القلائل الذين اهتموا بقراءة هذا المقال للنهاية, فأنا أشكرك وأقدم لك روايتي 
 :العزيزة جدا على قلبي نافذة في السماء للتحميل عبر هذا الرابط
عندما تنتهي من قراءتها إذا رغبت أن تقيمها فبإمكانك الدخول على صفحة الرواية على موقع جود ريدز :

2 تعليقات

  1. قرأت المقال للنهاية
    يمكن عشان من أول كلمة حسيت بيكي
    رغم إني بأكره إني أقول لحد حاسس إحسساسك
    بس بجد أنا زيك
    بس انتي أخدتي خطوة إكمال اكتر من عمل وعرضيتهم على دور النشر وربنا مأردش
    إنما أنا 3 أعمال جنب بعض لم يكتملوا
    الله المستعان :)
    المهم يعني
    ربنا لم يرد يمكن عشان شايل لك عمل تاني تنشريه فيكون أول شئ يسمع مع الناس
    وماتخافيش
    فيه ناس مابتعرفش تفك الخط ومشهورة وبتبيع
    وإن شاء الله أنزل الرواية وأقرأها وأقولك رأيي

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على اهتمامك بالقراءة وتعليقك انا نشرت قبل كده ورقي رواية بنت وولد والحمد لله حققت نجاح معقول ولكني رفضت اني ادفع مرة تانية مقابل النشر لأن دور النشر مش بتهتم بتوزيع الرواية طالما مش دافعين من جيبهم, انا عارفة ان في ناس مشهورة كتير ومستاهلش بس ده شيء محبط جدا , في انتظار رأيك في الرواية

      حذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته