هل كل ارهابي متدين وهل كل متدين إرهابي؟ 

تبدو إجابة هذا السؤال  بديهية بالنسبة لمن يكرهون الإسلام والأديان بشكل عام ,فالاعتقاد الشائع عند هؤلاء هو أن الشخص الإرهابي متدين لدرجة التعصب الذي يدفعه لكراهية أصحاب الديانات الأخرى واستباحة دمائهم, وكثير منهم يعتقدون أن كل شخص تلقى تعليما دينيا مرشح بالضرورة إلى أن يكون شخصا متطرفا باعتبار أن المدراس الدينية دائما ما  تُتهم بأنها منبع للإرهاب. هل هذا يعني أن أي شخص تبدو عليه سمات التدين مثل إطلاق اللحية أو ارتياد المسجد و قراءة القرآن يمكن أن يكون إرهابيا أو مشروع إرهابي في المستقبل؟
كثير من المواطنين الغربيين وبعض المواطنين العرب يعتقدون ذلك وهذا ما يجعلهم يخافون بسهولة من أي شخص يرتدي الجلباب أو يطلق لحيته, ولكن لكي نجيب عن السؤال حول علاقة التدين بالإرهاب. لابد أن نفهم ما معنى التدين ؟, وهل الشخص المتدين هو الشخص الذي يلتزم بالطقوس الدينية ويطبق أركان الإسلام الخمسة فقط ؟ بالطبع لا.فالإنسان لكي يكون متدينا  بشكل حقيقي لابد أن يتعرف أولا على دينه جيدا, هذه المعرفة تتطلب قراءة القرآن وفهم آياته من خلال قراءة كتب التفسير, بالإضافة إلى الاطلاع على أحكام الشريعة الإسلامية وعلى المدراس الفقهية المختلفة وعلى التاريخ الإسلامي, كل هذا يجعل المرء يفهم دينه بشكل عميق وبالتالي يتبع مبادئه عن اقتناع. نعود لنسأل هل الإرهابين الذي ينتمون للإسلام لديهم معرفة عميقة بمبادئ دينهم وأحكام الشريعة ؟
لقد عثرت على الإجابة في كتاب مهم للباحثة البريطانية كارين ارمسترونج  بعنوان ( حقول الدم : الدين وتاريخ العنف ), وقد صدرت ترجمة الكتاب عام 2016 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.في هذا الكتاب تقوم كارين ارمسترونج بدحض الأساطير التي انتشرت في الغرب لتروج أن الأديان تحض على العنف والإرهاب وأوضحت من خلال تحليلها لتاريخ الأديان أن هناك دوما أهداف سياسية تختبئ وراء الإرهاب الذي يُنسب للدين.
قامت ارمسترونج بتحليل نمط حياة من يطلق عليهم أعضاء خلية هامبورج الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر ومنهم محمد عطا, مروان الشحي, رمزي بن الشيبة وزياد جراح.يتضح أن هؤلاء الأربعة أتوا من خلفية علمانية وليست دينية فلقد درسوا الهندسة والتكنولوجيا في أوروبا , كان زياد جراح ومروان الشحي مهندسين وكان محمد عطا معماريا , من بين الأربعة كان رمزي بن الشيبة هو فقط من يمتلك معرفة عميقة بالقرآن بينما لم يكن زياد جراح متدينا قبل أن يلتقى بالمجموعة.  لا أحد منهم تلقى دراسة شرعية أو انتمى إلى المدارس الدينية ولم يدرس أي منهم المدراس والمذاهب الفقهية التقليدية مما يعني أن معرفتهم بالشريعة الإسلامية كانت سطحية جدا, وهذا ما جعلهم يتجهون نحو التفسير الحرفي للقرآن الذي يختلف عن مناهج التفسير التراثية التي تربط التفسير بأسباب نزول الآية وتتجه نحو التفسير المجازي والاستعاري للآيات.تدعم كارين ارمسترونج تحليلها للعلاقة بين نقص التربية الدينية وبين الإرهاب بدراسة قام بها الطبيب النفسي مارك سيجمان عن الإرهابين المنفذين لهجمات 11 سبتمبر.لقد اكتشف سيجمان أن 25 في المئة منهم فقط قد تم تنشئته بطريقة إسلامية تقليدية, وكان لدي ثلثيهم تفكير علماني حتى انضمامهم للقاعدة , أما الباقون فكانوا قد تحولوا حديثا إلى الإسلام وهذا يعني أن معرفتهم بالدين كانت محدودة , تعلم الكثير منهم العلوم الدينية بشكل ذاتي وبعضهم لم يدرس القرآن إلا في السجن. صحيح أن السعوديين الذين شاركوا في العملية تلقوا تعليما وهابيا ولكنهم لم يكونوا متأثرين بالوهابية بل متأثرين بمبادئ الوحدة الإسلامية التي يعارضها الوهابيون.
يؤكد سيجمان أن المشكلة ليست في الإسلام ولكن في جهل هؤلاء الإرهابين بالإسلام وبتعاليم الشريعة التي تحرم العنف ضد المدنيين, وإحراق الأعداء في المعارك و الهجوم على بلد يسمح فيه للمسلمين بممارسة دينهم بحرية.ربما لا يجب أن نشعر بالاندهاش إذا عرفنا أن تونس صارت مؤخرا المصدر الأول للإرهابين الذين ينضمون لداعش رغم أنها تعد أكثر دولة علمانية في العالم العربي. أما في مصر فرغم أننا نفتخر بأننا شعب متدين بطبعه إلا أن معظم المصريين لا يتلقون تعليما دينيا جيدا. صحيح أن هناك مادة للتربية الدينية ولكنها ضعيفة جدا وتعتمد مثل بقية المواد على الحفظ وليس على الفهم كما أنها لا تدخل في المجموع النهائي. ورغم حرص الكثير من المصريين على الالتزام بالشعائر والعبادات إلا أن ثقافتهم الدينية ضحلة جدا فهم يأخذون معلوماتهم الدينية عن طريق الاستماع إلى دعاة الفضائيات الذي يخلطون التنمية البشرية بالدين  أو يقرأون كتيبات دينية صغيرة لا تغنى ولا تسمن من جوع تتحدث عن عذاب القبر أو حجاب المرأة أو أداب الوضوء. ورغم أن كثير من المسلمين يعلنون عن رغبتهم في الحياة وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية إلا أن أغلبهم لا يعرف شيئا عن هذه المبادئ ولكنه يرددون ما يقوله غيرهم بدون فهم. من هنا يتضح أن المسلم الغير متدين  أكثر عرضة للانضمام للجماعات الإرهابية من المسلم المتدين, لأن ضحالة ثقافته الدينية تجعله يصدق بسهولة كلام أي شخص متطرف يدعي العلم  فيستغل جهله بالدين وظروفه النفسية او الاجتماعية السيئة ويعزله عن أسرته وبيئته, ويغسل دماغه ويقنعه أن المجتمع كله كافر أو يوهمه أنه سيساعد إخوانه في الدين وسينقذهم من النظام الاستبدادي الكافر الذي يعيشون في ظله , ثم يرسله في أي حرب تحدث في دول إسلامية مثل سوريا ليقاتل مع داعش أو يدفعه لتفجير نفسه حتى يقتل من يعتقد أنهم كفار ومشركين. من الضروري أن أشير إلى أن الجهل بأصول الدين ليس العامل الوحيد الذي يجعل الشباب يقعون ضحايا للفكر التكفيري والإرهابي, ولكن هذا الجهل يساهم بلا شك في تحويل عقول الشباب إلى تربة خصبة تستغلها الجماعات الدينية المتطرفة بسهولة.   صحيح أن كتب التراث تحتاج إلى تنقية من بعض التفاسير التي تُستخدم كمبرر للتكفير وهدر الدماء, وصحيح أن التعصب والانغلاق الفكري المنتشر بين بعض رجال الدين يساهم في بث روح الكراهية في قلوب الناس مما يجعلهم يستبيحون دماء الأبرياء , وصحيح أن اختفاء ثقافة التعايش واحترام الآخر يساهم في نمو الفكر التكفيري, ولكن الدين في حد ذاته ليس المشكلة, والمتدينين لا يجب أن يكونوا مصدرا للخوف, الخوف يأتي من العقول الجاهلة المغيبة التي يظن أصحابها أنهم أبطال يقدمون خدمات جليلة لدينهم وهم في الحقيقة يدمرونه بدون أن يشعرون. 

0 تعليقات