في الأسبوع الماضي استعرضت أفضل خمسة كتب فكرية قرأتها هذا العام , وهذا الأسبوع اختتم  احتفالي بنهاية العام باستعراض أفضل خمسة روايات قرأتها في 2016.
رجال في الشمس – غسان كنفاني

( لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟), هذه آخر عبارة انهي بها غسان كنفاني رائعته رجال في الشمس , وهذه العبارة هي المفتاح الرئيسي لفهم الرواية.
, بعد أن انتهيت من قراءتها أخذت أبكي وأسأل نفسي, لماذا لم يصيحوا ؟ لماذا لم يستنجدوا ؟ لماذا استسلموا لمصيرهم؟.
لن أبالغ لو قلت أن رجال في الشمس هي من أروع الروايات العربية التي قرأتها على الإطلاق , وروعتها تأتي من قصتها البسيطة والمعبرة , أبطالها ثلاثة رجال  فلسطينيين في مراحل عمرية مختلفة يعانون من قسوة العيش بعد نكبة 48, فيقررون الهجرة إلى الكويت عبر الصحراء بطريقة غير شرعية وفي أثناء رحلة الهجرة تبدأ المأساة.
مؤلف الرواية المناضل والبطل غسان كنفاني يتميز بأسلوب واضح وبسيط ولكنه عميق ومباشر وقادر على الوصول إلى عقل القارئ والتأثير عليه , فروايته  الصغيرة في حجمها والكبيرة في مضمونها لا تجسد فقط معاناة الإنسان الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال ولكنها تجسد معاناة الإنسان العربي الذي يعيش حياة بائسة وغير آدمية , والمأساة أنه عندما يحاول الهروب من تلك الحياة يواجه مصير أكثر بؤسا.   
أن تقتل عصفورا بريئا – هاربر لي
أن تقتل عصفورا بريئا لهاربر لي هي من أهم كلاسيكيات الأدب الأمريكي, فتلك الرواية المتفردة يتم تدريسها في المدراس الامريكية لزرع التسامح ومحاربة التمييز والعنصرية.
لماذا لا يجب أن تقتل العصفور ؟,  لأنه لا يؤذي أحدا ولا يفعل شيئا سوى أن يغني ويمتعنا بصوته, العصفور في الرواية هو رمز لكل ما هو جميل وضعيف ومسكين, انه رمز للآخر المختلف  الذي نحكم عليه وتقتله لأننا نخاف منه رغم انه لا يؤذينا.
الرواية تتناول المسألة العنصرية في أمريكا بأسلوب راقي ومختلف قادر على النفاذ إلى القلوب والعقول  على لسان طفلة صغيرة تدعى سكاوت تعيش في ولاية ألاباما في بلدة صغيرة اسمها مايكوم في الخمسينات أيام الفصل العنصري والاضطهاد الذي كان يعانيه السود في أمريكا.
سكاوت تحكي ببساطة عن يومياتها مع أخيها جيم وأبيها المحامي النزيه اتيكوس الذي يصر على الدفاع عن عامل أسود تم حبسه ظلما بتهمه اغتصاب فتاة بيضاء فقيرة, اتيكوس هو التجسد الحي لكل ما هو جميل وشريف وإنساني في هذه الحياة , انه يصر على الدفاع عن من يراه إنسانا بريئا حتى لو كلفه ذلك حياته, المدهش انه لا يكره من يقفون ضده بل  يضع نفسه مكانهم ويشفق عليهم.
لقد ابدعت هاربر لي في اختيار بطلتها الصغيرة التي ترى العالم ببراءة شديدة ولا تعرف  الفرق بين مواطن أبيض وأسود وتقول رأيها بصراحة وتكره الظلم والكذب, الرواية لم تتناول المسألة العنصرية بسطحية ولكنها أظهرت جميع جذورها وأبعادها وتناقضاتها , فأظهرت نوع آخر من العنصرية يمارسه البيض الأغنياء ضد البيض الفقراء أو من يسمونهم الحثالة البيضاء.
ربما لم تحقق تلك الرواية نجاحا كبيرا في العالم العربي لأنها تتناول مشكلة أمريكية خالصة وهي مشكلة العنصرية, ولكنك ما أن تتخطى حواجز الزمان والمكان في الرواية ستستطيع أن تندمج مع أحداثها ولن تشعر بالوقت وأنت تلتهم صفحاتها الستمائة.
من المحزن أن نجاح أن تقتل عصفورا بريئا الأسطوري جعل هاربر لي عاجزة عن تأليف أي رواية أخرى بعدها.
بيوغرافيا الجوع –آميلي نوثومب
مصطلح خارج الصندوق صار يستخدم بكثرة في الفترة الأخيرة  للإشارة إلى الاختلاف والتميز والخروج عن النمطية في التفكير , ولكن الأدبية البلجيكية آميلي نوثومب تستحق بكل جدارة لقب أديبة خارج الصندوق , فهي تتميز بأفكارها المختلفة المتفردة التي تغوص في النفس البشرية وأسلوبها الساخر والعميق الذي يجعلك تستمع بالقراءة لها  , وإن كنت من عشاق آميلي مثلي وتريد أن تعرف سر تميزها فلابد أن تقرأ سيرتها الذاتية  بيوغرافيا الجوع, فالطفولة المختلفة التي حظيت بها آميلي هي سر تميزها.
 لقد جعلت مهنة والد آميلي في السلك الدبلوماسي تنتقل بين دول العالم  وترى حضارات وشعوب مختلفة في سن صغيرة جدا مما جعل وعيها يتفتح مبكرا وأثرى عقلها , تسرد آميلي في كتاب بيوغرافيا الجوع طفولتها المبكرة السعيدة في اليابان ثم انتقالها للعيش في نيويورك وبعد ذلك تسرد ما رأته عندما اضطرت للرحيل من نيويورك إلى بنجلاديش , كم طفل في العالم استطاع أن يجرب الحياة في أغنى دول العالم وأفقرها خلال سنوات قليلة ؟.  آميلي لم تكتفي بكتابة انطباعاتها عن الحياة في تلك الدول ولكنها ركزت أيضا على تجاربها الشخصية ومغامراتها مع أختها الأكبر وشعورها تجاه والديها واحساسها بعدم الأمان بسبب تنقل أسرتها من دولة إلى أخرى بحكم طبيعة عمل والدها.  كما أنها ركزت على وصف إحساسها الدائم بالجوع, ليس الجوع المادي إلى الطعام فقط ولكن الجوع النفسي والروحاني الذي يشعر به كل البشر , انها تلك الرغبة العميقة عن الإحساس بالنقص والتطلع الدائم إلى الحب والاهتمام والاكتمال, تجربة آميلي مع الجوع جعلها تعاني من الشراهة وكراهية الذات في سن المراهقة والتي تخطتها فيما بعد. بيوغرافيا الجوع سيرة ذاتية مميزة لأدبية فريدة من نوعها.


قصة حب ايرانية تحت مقص الرقيب – شهريار مندني بور
قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب هي أول لقاء لي مع الأدب الإيراني, ولقد كانت لقاءًا مدهشا ومختلفا, عنوان الرواية يوحي بأنها رواية رومانسية تقليدية ولكن عبارة تحت مقص الرقيب يجعلك تتوقع محتوى مختلف وهذا ما تجده في صفحاتها.
 إنها رواية  سياسة ساخرة تتخفى تحت عباءة الرومانسية, ففي خلال قراءتك لأحداث الرواية ستجد المؤلف يطل برأسه من حين لآخر ليحكي عن نفسه ويدلي بتعليقاته حول الأبطال والأحداث وليجري حوارا خياليا مع الرقيب الإيراني الذي يجلس له بالمرصاد ليمنعه عن التعبير عن نفسه وأفكاره بحرية بدعوى أنها محرمة وضد القانون, شهريار مندني  بور ينتقد بعنف نظام الخميني الديني الذي يحكم الشعب الإيراني بطريقة متشددة للغاية ويتحكم في حياة المواطنين فيفرض على الرجال إطالة اللحى وعلى النساء ارتداء الشادور وتغطية رؤوسهن ويمنع الاختلاط بين الجنسين ويضع قيود رقابية قاسية على وسائل الإعلام والسينما, ويوجه غضبه نحو أمريكا والإمبريالية وينشغل ببناء المفاعل النووي بينما يتجاهل معاناة الشعب من الفساد والفقر , ورغم أن الرواية تعاني من التطويل في بعض أجزائها ورغم أن نهايتها جاءت مبتورة لكني وضعتها في قائمة الأفضل بسبب فكرتها المتميزة وقدرة كاتبها على السخرية من نظام الحكم الإيراني بطريقة ذكية ومتفردة.
من الجدير بالذكر أن مؤلف الرواية يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وأنه لم يستطع إصدار روايته في إيران بسبب الرقابة.


سرور – طلال فيصل
من هو نجيب سرور ؟, هل هو شاعر وكاتب مسرحي عبقري مظلوم مات بفعل الاضطهاد الذي تعرض له من النظام الناصري ؟, أم انه رجل سكير ومضطرب نفسيا ظلم نفسه بنفسه وصنع من نفسه ضحية ؟.  لن تجد إجابة حاسمة عن هذا السؤال في  كتاب سرور لطلال فيصل ولكنك ستجد رواية مدهشة سريعة الإيقاع تتحدث عن السيرة الذاتية للأديب والشاعر المثير للجدل نجيب سرور الذي حاول النظام كثيرا أن يمحي اسمه من الذاكرة الأدبية ولكن أدبه وعبقريته الشعرية والمسرحية جعلته خالدا في عقول القراء.
 الرواية محيرة لأنها تمزج الواقع بالخيال وتسرد قصة نجيب سرور بطريقة غير تقليدية وهي طريقة التحقيق الصحفي,  استخدم طلال فيصل ما جمعه من معلومات عن حياة نجيب سرور وأشعاره وظروف مرضه وموته واستخدم الكثير من قصاصاته  ويومياته لكي يبني تلك الرواية التي يلعب فيها دور محقق صحفي يريد أن يعرف سر مأساة نجيب سرور من خلال عمل مقابلات  مع المقربين منه , ولقد خصص فصلا لكل الشخصيات  التي عاصرت نجيب سرور باستثناء زوجته الأولى سميرة محسن والتي غير اسمها إلى مشيرة ربما خوفا أن تقاضيه لأنها الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة. لم اندهش عندما عرفت أن طلال فيصل طبيب نفسي فلقد استطاع ببراعة أن يغوص في شخصية نجيب سرور ويحلل أعراض مرضه وسر مأساته وإحساسه بالاضطهاد الذي جعله يتردى من هاوية إلى أخرى حتى تم إدخاله إلى مستشفى العباسية ثم انتهت حياته بطريقة تراجيدية.
لابد ألا تأخذ ما تقرأه في رواية سرور بجدية زائدة لأنها في النهاية عمل أدبي أي أنها لا تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة, ولكنها تستخدم الوقائع وتخلطها ببعض الخيال لكي تتحدث عن سرور وجيله الذي عانى من نظام عبد الناصر البوليسي.
لا عجب أن تلك الرواية فازت بجائرة ساويرس الأدبية فهي تستحق بجدارة أن تتصدر قوائم المبيعات لأنها تتحدث بشكل مميز عن مأساة المبدع العربي.

0 تعليقات