أصبحت عبارة " مفيش فايدة   جزء أساسي  لا يتجرأ من حواراتنا اليومية , صرنا نستخدمها بكثرة , صرنا مقتنعين أنه لا جدوى من أي شيء   ولا أمل في تحسن الأحوال ولا بدائل للوضع الحالي,  وأن علينا قبول الواقع كما هو والتوقف عن الحلم والسعي من أجل مستقبل أفضل, " مفيش فايدة "  ليست مجرد عبارة ننهي بها الحديث  أو نحكم بها مسبقا على فشل أي شيء قبل تجربته , ولكنها تحولت إلى  فلسفة أو أسلوب حياة يعتمد على  اليأس العميق من أي تغيير ايجابي .
 هل هذا اليأس شعور فطري أو مكتسب ؟ بمعنى آخر  هل يولد الإنسان بميل إلى اليأس أم انه يكتسبه نتيجة خبراته السلبية في الحياة ؟
يجيب الطبيب النفسي الدكتور عبد الستار ابراهيم على هذا السؤال من خلال كتابه المهم " الاكتئاب " مؤكدا أن  الإنسان ليس لديه ميل فطري لليأس ولكنه يكتسب اليأس بالتجربة, و يذكر في الكتاب أن هناك  مصطلحا  معروف  في أوساط علماء النفس اسمه " اليأس المكتسب " , هذا المصطلح توصل اليه عالم النفس الامريكي مارتن سليجمان بعد أن قام بتجربة علمية في  السبعينات, احضر سليمجان وزملائه مجموعتين  من الكلاب , المجموعة الأولى تم وضعهم في صناديق مقسمة إلى قسمين , القسم الأول  يتم وضع الكلاب  فيه ويتم تعريضهم للصدمات الكهربائية والقسم الثاني  آمن تستطيع الكلاب  القفز إليه , أما المجموعة الثانية فقام  سليمجان بربطهم  بحيث لا تستطيع  القفز  إلى الجزء الآمن من الصندوق, كانت  الكلاب في البداية تنبح وتتألم وتحاول الفرار من الصدمات الكهربائية ,لكن بمرور الوقت  وبعد عدة محاولات فاشلة  أصيبت  الكلاب باللامبالاة والتبلد و  استسلمت للصدمات الكهربائية لدرجة انها لم  تحاول  الهروب حتى بعد أن قام العلماء بفك قيودها وتسهيل وسائل الهروب عليها.  
 رد فعل  الكلاب على الصدمات الكهربائية المؤلمة  يشبه كثيرا ردود أفعالنا كبشر  على التجارب الفاشلة والمؤلمة التي نتعرض  لها , إذ  نجد أنفسنا فيها عاجزين عن السيطرة عن حياتنا  فتتشكل لدينا عقدة نفسية تجعلنا نتوقف عن محاولة الهروب من واقعنا المؤلم ,  فنعتقد  أن ما يحدث لنا قدر محتوم ولا مفر أمامنا من القبول به   فنبدأ في اختراع وسائل للتأقلم والتعايش مع الألم,  من هنا ينشأ  اليأس بداخلنا تدريجيا  واليأس هو المادة الخام للاكتئاب الذي صار متفشيا في مجتمعنا بطريقة مخيفة .
من جرب اليأس  واعتاد عليه سيكتشف انه شعور مريح رغم انه ثقيل في البداية , اليأس  لا يطلب منا  سوى السكون والخمود وعدم التحرك من أماكننا  مهما كانت الظروف ,  وحتى عندما نجد وسائل التغيير متاحة يدفعنا التبلد المصاحب لليأس إلى رفض التحرك خوفا من التعرض لألم أشد إذا فشلت محاولات التغيير. إننا نلجأ لليأس كسلوك دفاعي نحمي به أنفسنا من صدمات الحياة لكنه في الحقيقة  سلوك  تدميري  يصيبنا بالشلل ويدفعنا إلى هزيمة أنفسنا من الداخل  حتى نحمي أنفسنا من هزائم الحياة ,  وبالتالي نكون مثل الشخص الذي يطلق على نفسه الرصاص  خوفا من أن يتعرض للقتل.  
حديثي عن خطورة اليأس لا يعني أن الحياة جميلة وسهلة أو النجاح مضمون إذا تسلح الإنسان بالتفاؤل والصبر والمثابرة ,وما إلى ذلك من الكلام الإنشائي المكرر الذي يردده خبراء التنمية البشرية.
إنني أعلم جيدا أن الحياة صعبة وقاسية  وغير عادلة , الحياة  عبارة عن كفاح متواصل للبقاء  لا هوادة فيه  ,  النجاح غير مضمون  والفشل لا مفر منه  ومن الطبيعي أن يصاب الإنسان باليأس عندما  يجد جميع الأبواب مؤصدة في وجهه ويجد جميع جهوده تضيع هباء.
 إنني أرى أن اليأس قد يكون مفيدا في بعض الأحيان إذا كان شعورا مؤقتا  , فاليأس قد يكون إشارة  تحذيرية  للمرء إذا كان  يضيع مجهوده بالسير في اتجاه خاطئ  وفي هذه الحالة على الإنسان  أن  يتوقف ويحصل على قسط من الراحة ويفكر في أسباب إخفاقه ثم يعاود  المحاولة  في اتجاه مختلف . قد يبدو  اليأس واحة أو ملجئا آمنا  لأنه يريحنا من عناء الكفاح والصراع في الحياة , ولكنه في الحقيقة سجن مشدد يغلق  علينا أبواب التغيير ويضع على أعيننا  غشاوة فلا نرى المنارات  التي يمكن أن تساعدنا على النهوض والسير في الطريق الصحيح.
 إننا عندما نعتق فلسفة مفيش فايدة  نتحول من بشر فاعلين إلى  مجرد متفرجين  سلبيين يشاهدون غيرهم وهم يتحركون ويكافحون يسخرون منهم  يتنبؤون لهم بالسقوط وعندما تصح توقعاتهم يفرحون ويتصورون أنهم حكماء لأنهم يعرفون نتيجة كل مساعي الإنسان سلفا , معتنقي فلسفة مفيش فايدة  ليسوا حكماء بل أموات ولكنهم لا يشعرون.

4 تعليقات

  1. مقال أكثر من رائع
    أحييك عليه

    ردحذف
  2. مقال رائع
    وهؤلاء الناس أمقتهم
    حتى لو رأى شئ جيد
    يقول لك أكيد وراءه مصيبة
    أحسنتى

    ردحذف
  3. شكرا لك على المتابعة الدائمة لمقالاتي تحياتي لك

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته