كيف حالك ؟
هذا السؤال الروتيني  نوجهه ونتلقاه من الآخرين  عشرات المرات يوميا , عادة  تأتي الإجابة " الحمد لله بخير " ,   إننا نبتسم و  نتظاهر أننا  بخير و على ما يرام حتى لو لم نكن بخير وحتى لو كنا نعاني من مشاكل أو  آلام نفسية أو جسدية  حادة.
 لماذا نخفي حقيقة أحوالنا  عن الناس ؟,  أولا لأن نعتقد أن الآخرين يطرحون علينا هذا السؤال بغرض  التأدب  وليس بغرض معرفة ما 
يدور في حياتنا  , ثانيا لأننا نعتقد  أن لا أحد لديه القدرة أو الرغبة في الاستماع لمشكالنا وهمومنا , إننا  نعيش في عالم أناني يعتقد فيه كل شخص أن العالم يدور حوله فقط ولا يعنيه في الحياة أحد سوى نفسه ومشاكله.
  إننا نعيش في عالم مليء بالضجيج والصخب حيث كل الناس تتحدث في وقت واحد ولكن لا أحد يريد الاستماع لغيره ,  و رغم أن التكنولوجيا جعلتنا  قادرين على التواصل بسرعة وسهولة  إلا إننا جميعا صرنا  نعاني من الوحدة والاكتئاب والاغتراب  وغيرها من الأمراض النفسية ,  فوسائل التواصل الاجتماعي جعلتنا  نفقد وسائل التواصل الانساني وأهمها الاستماع للآخرين.  
 الاستماع للآخرين ليس أمر فطري أو طبيعي نستطيع أن نقوم به فقط لأن لدينا أذنين . معظم الناس يفضلون الكلام والثرثرة على الصمت والاستماع  لأن الاستماع يحتاج إنسان صبور حكيم متعاطف لديه القدرة على الخروج من ذاته  حتى يستطيع أن يستمع للأخرين و  يفهم مشاكلهم. اعترف أنني لا اتقن تماما فن  الاستماع ولكني أحاول تطوير هذه المهارة حتى أكون إنسانة أفضل   ومن خلال تأملاتي وقراءاتي توصلت لأكثر الأخطاء التي  يجب أن نتجنبها إذا أردنا أن نفتح  قلوبنا وعقولنا  ونستمع للآخرين. 

لا تقاطع  :
المقاطعة هي أكبر خطأ نقوم به عندما نحاول الاستماع للآخرين , إننا أحيانا نكون مثل مقد برامج التليفزيون الذين يقاطعون ضيوفهم حتى يثبتوا وجودهم في الحلقة   , فبدلا من أن نعطي الطرف الآخر فرصة للكلام   نفكر في معنى كلامه و نسارع  بطرح الأسئلة عليه فنوقف  حبل أفكاره ونفقده تركيزه وقدرته على البوح , إذا أردت أن تكون مستمعا  جيدا  لابد أن تحاول تهدئة  ضجيج الأفكار داخل عقلك وتمتنع تماما عن التفكير فيما ستقوله للآخر, لابد ان تمنح كامل انتباهك للآخر وأن تعطيه  المساحة لكي يتكلم ويعبر عن ما يجول بداخله بحرية , لابد أن تقاوم  قاوم رغبتك في   طرح أي سؤال أو إبداء أي رأي حتى ينتهي الطرف الآخر من حديثه تماما ويشعر أنه اخرج كل ما بداخله, قاوم  رغبتك في مليء لحظات الصمت التي تقطع الكلام,  الصمت أهم وأبلغ كثيرا من الكلام لأنه يعطيك معلومات عنه  لا يستطيع أن يصرح بها بالكلام  .
لا تستخف بمشاكل الآخرين  :
بعض الناس  لديهم اعتقاد أنهم ضحايا ومظلومين في الحياة  و أن لا أحد يعاني من  سوء  الحظ سواهم , وعندما يخطئ أحد ويحاول الحديث معهم عن مشاكله  ينظرون له باستهزاء  ثم يسارعون بسرد قصة حياتهم عليه   حتى يثبتون لك أن حياتهم أكثر بؤسا من حياته  , وهناك نوعية من أخرى من الناس يميلون للاستخفاف  بمشاكل الآخرين وآلامهم يعتقدون أن كل مشاكل الناس اليومية  تعد تفاهات بجوار معاناة الفقراء والمرضي والمشردين.
لا توجد منافسة في البؤس فالشعور بالبؤس
والحزن واحد رغم اختلاف درجاته  ,  لا توجد مشكلة تافهة  ومشكلة مهمة , فإذا كانت المشكلة تؤرق صاحبها وتمنعه من مواصلة حياته  بصورة طبيعية  إذن فهي مشكلة مهمة  وصعبة وتحتاج  منك التوقف عن الاستخفاف بما يحدث لغيرك وتستمع إليه  باهتمام .
توقف عن مصمصة شفتيك وإظهار شفقتك على الآخرين  :
كثير من الناس يفضلون الابتسام والتظاهر بأنهم على ما يرام حتى لو كانوا يموتون من الألم خوفا من تلقي نظرات الشفقة ومصمصة الشفاه من الآخرين, بعض الناس  تجدهم يبالغون في إظهار حزنهم ورثائهم على الآخرين من خلال عبارات الشفقة المكررة ومصمصة الشفاه,  ولكن حزنهم هذا يخفي ورائه شعور بالراحة والامتنان لأن الله عافاهم مما ابتلى به غيرهم, هؤلاء الناس يستخدمون مشاكل الآخرين  كوسيلة لرفع معنوياتهم والإحساس بالتفوق على الآخرين  وقد يميلون لإظهار شعورهم هذا بقصد أو بدون قصد , هذا الشعور يصيب الطرف الآخر بالألم ويعطيه إحساس بالدونية والضآلة  فيلجأ إلى الصمت ويخفي مشاكله , لا تبالغ في رد فعلك على مشاكل الآخرين ولا تظهر لهم أن  حياتك أفضل من حياتك حتى لا تزيد من شعورهم بالحزن على أنفسهم.
توقف عن اصدار الأحكام   :
لابد أن نعترف أننا نعيش في مجتمع قاسي  يطلق أحكاما سريعة هوجاء  بدلا من أن يستمع و  يتفهم ويتعاطف , يجلد ويعذب بدلا من أن يرحم , يقصي وينفي بدلا من أن يتسامح , ولكي تكون إنسانا أفضل لابد أن تتخلى عن  تأدية دور القاضي والجلاد , لابد أن تتوقف  عن لوم  وتأنيب الآخرين على أخطائهم, إنك تحاول بهذه الطريقة أن تظهر تفوقا أخلاقيا  لكنك لابد أن تترك برجك الأخلاقي  لأنك لست أفضل منهم , أنت بشر مثلهم معرض للوقوع في الأخطاء نفسها وحينئذ ستحتاج إلى الرحمة والعطف منهم ,  ولذلك يجب عليك  أن تستمع إليهم بانفتاح وبدون أحكام مسبقة وأن تتعامل معهم بتسامح وسعة صدر حتى لا تجبرهم على الصمت وإخفاء ما بداخلهم  .

لا تحاول العثور على حل للمشكلة:
من الأخطاء الشائعة التي نقوم بها جميعا عند الاستماع للآخرين  هي أننا نسارع في عرض
 حلول لمشاكلهم  , وأحيانا  ما تكون تلك الحلول سريعة و  غير مناسبة لصاحب المشكلة  فبدلا من أن تنقذه توقعه في مشكلة أكبر , كما أن الناس لا يتحدثون دائما عن مشاكلهم  بغرض العثور على الحل  فأحيانا يعلم الانسان سبب مشكلته ويعلم حلها جيدا ويريد مع ذلك الحديث عنها مع شخص آخر بغرض الفضفضة والبوح وإخراج الطاقة السلبية المعبئة بداخله وتفريغ ذهنه من الأفكار المزعجة  , في هذه الحالة يجب عليك بدلا من أن تقوم بدور حلال المشاكل أن تكتفي بالصمت والانصات والتعاطف , أفضل هدية يمكن أن نقدمها لأصدقائنا وأحبابنا  أن نمنحهم وقتنا  , ونفتح لهم قلوبنا  ونشجعهم على فتح قلوبهم و نستمع إليهم بأذان صاغية.


1 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته