في كل عام يتم اعلان حالة الطوارئ في  البيوت المصرية بسبب الثانوية العامة, و تطل علينا وسائل الاعلام بنفس العناوين الهزلية المكررة, وزارة التربية والتعليم تطمئن أولياء الأمور أن  امتحانات الثانوية العامة لن تخرج عن المنهج و ستكون في مستوى الطالب المتوسط, شكاوي من صعوبة  امتحان الفيزياء أو الكيمياء, ضبط حالات غش جماعي أو تسريب الامتحانات قبل موعدها, صور لطالبات منغمسات في البكاء و مصابات  بانهيار عصبي , وبعد  انتهاء مولد الامتحانات وظهور النتيجة ينتظر الجميع نتيجة التنسيق  فيصاب أغلب الطلبة  مجددا بانهيار عصبي لأنهم فشلوا في الالتحاق بإحدى كليات القمة.
لا أعرف متى أو كيف أو من اخترع  مصطلح كليات القمة, ولكني اعتقد أن إيمان الناس بوجود كليات القمة هو السبب في تحول  الثانوية العامة إلى بعبع  يخاف منه  الطلبة, ويسعون إلى إرضاءه بالتوقف عن الحياة الطبيعية, وانفاق كل مدخرات الأهل في الدروس الخصوصية   والمذاكرة ليلا ونهارا حتى يسقطون من الانهاك والتعب من أجل الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة أو الصيدلية.
 ليس من المنطقي أن يكون  الطبيب والمهندس   والصيدلي أكثر أهمية أو أعلى شأنا من المحاسب والمدرس والمحامي والمهندس الزراعي والإخصائي الاجتماعي.  كل هذه المهن مهمة وضرورية و لا يمكن أن يستغني عنها أي مجتمع, ولكن  مصطلح كليات القمة يوحي بأن خريجي هذه    الكليات هم الأفضل وأن خريجي الكليات الأخرى فاشلون أو أغبياء, وهذا ما  يدفع الطلبة للسعي  وراء  الالتحاق بتلك الكليات حتى يثبتوا للمجتمع  ولأهلهم ولأنفسهم  أنهم أذكياء ومتفوقين , كما أنهم يعتقدون أن دخولهم تلك الكليات سيضمن لهم  فرص عمل أكثر أو وضع اجتماعي أفضل, فالتحاقهم بتلك الكليات يعطيهم شعورا وهميا بالأهمية والاستحقاق ويرفع من سقف توقعاتهم في الحياة ولكنهم بعد ان ينتهوا من الدراسة ويدخلون سوق العمل  يكتشفون أنهم ليسوا مميزين, وأنهم متساوين في  المعاناة من البطالة والمرتبات الهزيلة مثل زملائهم من خريجي الكليات "  العادية " مما يولد  لديهم شعورا بالمرارة والاكتئاب, لقد أضاعوا حياتهم وأجمل ايام عمرهم في السعي وراء وهم  والتحقوا بكليات  لا تناسب ميولهم سعيا وراء لقب مزيف  أو برستيج فارغ, أو ارضاء لأهلهم الذين يتعاملون مع المجاميع بمنطق المنافسة والتظاهر والاستخسار.
مأساة كليات القمة هي احدى أعراض فساد التعليم المصري الذي لا يهتم القائمين عليه بتعليم 
 الطلبة  أو مساعدتهم على الحصول على المعرفة والمهارات التي يمكن أن تؤهلهم لسوق العمل فيما بعد ,ولكنه يضيع منهم متعة التعلم ويستنزف قدارتهم في الجري في سباق سعيا وراء الحصول على  أرقام وهمية.
إذا كنت طالبا في الثانوية العامة وحصلت على مجموع كبير  لا تشعر بالغرور, فالنجاح الاكاديمي  لا يؤدي بالضرورة إلى النجاح في الحياة , ولا تجعل مجموعك الكبير يجبرك على الالتحاق بكلية لا تناسب ميولك فقط لأنها كلية قمة ,  فالشكل الاجتماعي لن يعزيك لو كنت تعيسا وتقضي وقتك في عمل تكرهه. وإذا كنت حصلت على مجموع عادي أو ضعيف فلا تحزن ولا تكتئب ولا تعتقد أنك غبي فالذكاء ليس له علاقة بالقدرة على الحفظ والتسميع, ولا تعتقد أنك فاشل فالطريق لا يزال طويلا والفرص المتاحة أمامك لا تزال كثيرة , والنجاح  في الحياة يعتمد على عوامل كثيرة جدا ليس من بينها الالتحاق بكليات القمة.

1 تعليقات

  1. كليه قمه مصطلح كان معروف فى ستينيات القرن الماضى مع نظام الاقتصاد الاشتراكية أو التخطيط المركزى والموجه حيث الدوله مسؤل من اسعار وتعيين وتوظيف وهكذا فكانت هناك تحيز غير موضوعى لتعيين لبعض الكليات بناءا على الخطه والقوى العامله من هنا جاءت الهندسه التعليم الطبى انها كليات القمه حيث وظيفه وتعيين مضمون بعد التخرج وانتهى هذا النظام اوايل التسعينيات مع اقتصاد السوق والخصخصه إلى الآن لكن الغريب مازال الناس فى دنيا تانيه شي مضحك

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته