عزيزتي ياسمين الصغيرة
 أتحدث معكٍ كأنكٍ إنسانة أخرى لأنني صرت مختلفة عنك كثيرا ليس فقط في الملامح والشكل ولكن في الشخصية والطباع, إنني لازلت أحاول  أن أحتفظ بمرحك وتعلقك بالناس وبراءتك وصراحتك وعفويتك ,ولكن كلما مرت السنوات أجد نفسي رغما عني  ابتعد عنك حتى أستطيع التأقلم مع عالم الكبار, لكني  اشتاق إليكٍ كثيرا وعندما يشتد علي هذا الاشتياق أفتح درج المكتب  وأنظر إلى صورك , أتأملك وأنت ترتدين فساتينك  الملونة , تركبين الأرجوحة المعلقة  على باب حجرتك, تقفين أمام البحر بينما تزين وجهك ابتسامة واسعة ,تلعبين في الرمال, تتطلعين إلى الكاميرا بنظرة خجولة في إحدى الصور ثم تخافين منها  وتبتعدين عنها في صورة أخرى , تبكين لأن أمك ابتعدت عنك متر واحد , تنظرين لكل شيء حولك بفضول وانبهار ,عندما أنظر إلى تلك الصور أضحك وأفرح ثم أشعر بالشجن  وأنا أرى أبي وأمي في شبابهما , وأرى أقاربي الذين رحلوا من الحياة  وأرى زميلاتي في المدرسة اللاتي لا أعرف عنهن أي شيء  ,كم  أتمنى لو استطعت  أن أترك عالمي الكئيب المخيف البارد وأعود إلى  عالمك البسيط الهادئ, أعلم أنكٍ لا تصدقيني, أعلم أنكٍ  تريدين الهروب من  عالم الطفولة بأي شكل  حتى تتركي المدرسة التي تكرهيها , أخشى أن أخبرك أن المستقبل الذي ينتظرك ليس أفضل من حاضرك لأن  الحياة لا تصبح أسهل أبدا مع مرور السنوات  بل تزداد صعوبة وتعقيدا, كنت أتمنى أن أعود إليكٍ عن طريق إنجاب أطفالا يشبهونك ولكني لا أعرف إذا كان مقدر لي أن أنجبهم  كما أنني أخاف عليهم من الحياة في هذا العالم المجنون, أخاف أن يتعذبوا مثلك من الحياة في هذه الدولة  التي  تغتال براءة الأطفال وتحطم أحلامهم يوميا, أشفق عليكٍ لأنني أعلم أنكٍ مثلي  تشعرين أنكٍ لا تنتمين حقا إلى هذا العالم, تشعرين أن هناك بحر عميق يفصل بينك وبين سكانه, لا تجدين من يشبهك, من يفهمك, من يراكٍ, من الصعب على طفلة صغيرة مثلك أن تكون وحيدة بلا أخوة ولا أقارب في مثل عمرها, كنتٍ تحاولين التغلب على وحدتك عن طريق اختراع أصدقاء خياليين لتلعبي معهم وأنا أحاول التغلب على وحدتي عن طريق كتابة قصص حول هؤلاء الأصدقاء الخياليين.
أشفق عليكٍ لأنك هشة ورقيقة , ولأنك  تأخذين كل شيء في العالم حتى اللعب بجدية زائدة ولأنك حساسة لدرجة أن أتفه حدث بإمكانه أن يستدر دموعك, أشفق عليك ٍلأنني أعلم الضغط الهائل الذي يضعه أهلك عليك ٍحتى تكوني متفوقة هل تصدقيني لو طلبت مني ألا  تهدري طاقتك وأعصابك في المذاكرة والحفظ و ترقب نتيجة الامتحانات وأن تقضي وقتا أكبر في اللعب والرحلات والهوايات والأنشطة  ؟ , لقد اكتشفت أن كل الدرجات التي كنت تبكين على ضياعها منك  لن تؤثر على مستقبلك لأن النجاح في الدراسة لا يساوي شيئا  في الحياة, أعلم أنكٍ لن تقبلين نصيحتي وأنكٍ ستسمعين كلام والديك وستحاولين إرضائهم.
إنني لم  أكتب لكٍ هذه الرسالة لكي أنصحك بل لكي أتواصل معكٍ   أو مع ما تبقى منك داخلي.
  لقد رأيت أشخاص كثيرين يقتلون الطفل القابع  بداخلهم فصاروا متجهمين أصحاب قلوب قاسية ونظرة كئيبة للحياة, وأنا لا أريد أن ترحلي عني لأن  موتك يعني موت الحياة  بداخلي, في ختام رسالتي أرجو أن تعذريني لأني ابتعدت عنك, أعدك بأن أحميكٍ من الناس الذين يريدون تشويهك وقتلك, أعدك أن أنظر للحياة كما كنت تنظرين إليه على أنها مكان مدهش, أعدك أن أبقي روحك حية بداخلي دائما لأنك الأصل.
تحياتي ومحبتي لكٍ
ياسمين





1 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته