وداع
ذهبت سميرة للسوبر ماركت لشراء بعض المأكولات, وقبل أن تغادره
أطالت النظر إلى وجوه
الباعة والعمال كأنها تريد أن تحفظ أشكالهم
في ذاكرتها, أرادت أن تودعهم ولكنها تراجعت لأنها لا تعرفهم شخصيا.
خرجت من السوبر ماركت ومشت في الشارع المؤدي لمنزلها بخطوات متمهلة.
تأملت
الحفر والمطبات التي يعج بها الشارع.
ضحكت على نفسها عندما تذكرت كم تمنت أن تسكن في مكان آخر.
أنصتت جيدا للضجة الصادرة من المحلات والمقاهي فبدت لها كسيمفونية موسيقية.
تأملت المارة من حولها ,كم هم محظوظون لأنهم باقون وهي راحلة.
دخلت شقتها وألقت بأكياس الطعام على
مائدة السفرة ثم جلست لتستريح من عناء المشوار . أخذت تجول بعينيها بين الكراسي والسجاجيد
والحوائط.
أحست أن لون الحوائط الأبيض يتحول للون الرمادي.
رأت نظرة معاتبة حزينة تطل من صور أمها
وأبيها المعلقة في منتصف الحائط المواجه لها .
أصابها الانقباض وتساقطت الدموع من
عينيها لاإراديا .
سمعت صوت المفتاح يوضع في
الباب ثم رأت زوجها حسين يدخل عليها .
رآها حسين تمسح عينيها بطرف كمها. ارتسمت
على وجهه علامات الذعر واقترب منها لكي يسألها
عن سبب بكائها.
لاذت بالصمت وامتنعت عن النظر إليه.
سألها إذا كانت مغادرتهما للمدينة معه غدا لها علاقة ببكائها .
أطرقت برأسها في الأرض وظلت متمسكة
بصمتها فأيقن أن الإجابة هي نعم.
نظر لها باستغراب ثم ذكرها بالوظيفة المرموقة التي تنتظرهما في
العاصمة وبالمرتب الكبير الذين سيحصلان
عليه .
أخبرها أن لا أحد يستحق أن تبقى من أجله في المدينة بعد أن توفى والديها وسافر شقيقها الوحيد إلى الخارج, أخذ
يشرح لها الفارق الشاسع بين العاصمة محور
الاهتمام ومركز كل شيء وبين تلك المدينة الصغيرة المنسية المهملة.
كان عقل سميرة مقتنع بكلام
حسين, ولكن قلبها لم يستطع مقاومة الحزن
الثقيل الذي هبط عليها فجأة .
خلدت للفراش ولكن النوم أبى أن يقترب منها .
ظلت تتقلب يمينا ويسارا و تبحث
بعينيها عن نقطة ضوء في وسط الحجرة المظلمة.
استيقظ حسين بنشاط
بعد الفجر فقامت
سميرة ورائه بخطوات متثاقلة.
قام بترتيب الحقائب ثم حملها معه وطلب
منها أن تسبقه.
بعد أن انتهت سميرة من تغيير ملابسها أدركت أنه حان الآن موعد الإغلاق النهائي .
أغلقت الشبابيك والشرفات والأبواب ومحبس المياه ثم أطفئت كل الأنوار و أغلقت مفتاح الكهرباء فغرقت الشقة في محيط من الظلام .
حاولت أن تسرع من خطواتها ولكن قدميها تحركتا ببطء شديد كأنهما محفورتان في قالب من الاسمنت .
كانت كلما تتقدم باتجاه الباب تشعر
أن هناك أيادِ خفية تمسك ذراعيها وتشدهما للوراء وهناك أشباح تهمس في أذنيها متوسلة إليها ألا ترحل,ولكنها أصرت على الرحيل وظلت تتقدم
للأمام حتى فتحت باب الشقة.
قبل أن تخرج من الباب تعثرت قدميها في عتبة الشقة الرخامية سقطت واصطدمت رأسها بالأرض ثم فقدت الوعي وسرعان ما ودعت الحياة .
تأملت الحفر والمطبات التي يعج بها الشارع.
0 تعليقات
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته