في بقعة بعيدة من العالم كانت توجد مملكة كبيرة غنية بفضل الموارد الطبيعية الكثيرة التي حباها بها الله، وبفضل براعة وذكاء ملكها الشاب الذي كان محبوبا من شعبه  
 بعد مرور سنوات طويلة كبر الملك الشاب وصار شيخًا كبيرًا حلت عليه الأمراض ونال منه الكسل والوهن، فأهمل إدارة مملكته وتنمية مواردها مما أدى إلى
انخفاض مستوى معيشة السكان وارتفاع الفقر والبطالة بينهم.
  فوجئ الملك العجوز أن الموارد الموجودة تتناقص سريعًا بعد أن ازداد عدد السكان أضعافا مضاعفة في فترة قياسية لأن مواطني المملكة الفقراء كانوا يجدون سعادتهم في إنجاب الأطفال.
 خلال سنوات قليلة تضخمت مشكلة زيادة السكان حتى صارت تهدد   المملكة بالإفلاس، قرر الملك أن ينشر حملة إعلانية واسعة بين المواطنين لحثهم على تحديد النسل وقام بتوزيع وسائل منع الحمل على السيدات بأسعار رخيصة، ولكن تلك الحملة لم تؤثر في الشعب الذي ظل متمسكا بحبه للإنجاب.
أخذ الملك يتجول في غرفته حائرًا محبطًا في انتظار أن ينزل عليه وحيًا من السماء ليلهمه الحل السديد لتلك المشكلة العويصة، ولكن مر الوقت ولم يأتِ الوحي فاستدعي الملك رئيس الوزراء لكي يطلب منه أن يشاركه التفكير في الحل.
مشي رئيس الوزراء بجوار الملك، وأخذ يعصر ذهنه
بعد دقائق برقت عيناه وهتف   “وجدت الحل “.
تهلل الملك وطلب منه أن يسارع بالحديث فقال له الوزير:
-  إذا كنا لا نستطيع أن نمنع المواطنين من الإنجاب فلنتخلص منهم بأنفسنا.  
صاح الملك مفزوعًا:
- معقول؟ أتريدني أن أقتل شعبي؟
هز الوزير رأسه نفيًا:
- حاشا لله يا جلالة الملك، إننا لن تقتل الشعب وإنما سنساعدهم على التخلص من عذاب الحياة.
ضيق الملك من نظرة عينيه وأخذ يفكر مليا في اقتراح الوزير ثم سأله بتوجس:
- كيف سنفعل ذلك؟
- هناك طرق كثيرة لفعل ذلك، ولكن لأنني أعلم أن جلالتك رجل طيب ضعيف القلب وتحب شعبك حبًا جما فأعتقد أن أسهل هذه الطرق هما الطعام والماء.
رأى الملك أن الخطة التي قدمها رئيس الوزراء هي الأسلوب الأمثل للتقليل من عدد السكان،لكنه خاف أن تنكشف تفاصيل تلك الخطة، فاتفق معه على إنشاء هيئة سرية للتخلص من المواطنين، وتكون مهمتها مساعدة المواطنين على التخلص من عذاب الحياة الدنيا وتسهيل انتقالهم إلى الآخرة.
ترأس رئيس الوزراء هذه الهيئة وكان يخضع الأفراد الذين يعينهم فيها لاختبارات صارمة ليضمن ولائهم ثم يعطيهم أكياس مليئة ببودرة بيضاء غريبة، ويطلب منهم أن ينثروها على الأطعمة وفي محطات المياه التي تصل للفقراء والمعدمين من الشعب بعد أن يوهمهم أن هذه البودرة هي مادة مفيدة مليئة بالفيتامينات والكالسيوم لتغذية الشعب وتقوية عظامه في حين أنها كانت تحتوي على مواد كيماوية سامة تؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي والأمراض الخبيثة.
أخذ الملك ورئيس الوزراء يتابعان الجرائد بترقب في انتظار أن يتم الإعلان عن وفاة ملايين من المواطنين من جراء إصابتهم بأمراض خطيرة في توقيت واحد، ولكنهما تعرضا لصدمة عنيفة عندما اكتشفا أن عدد من أصيبوا بتلك الأمراض وماتوا منها ليس كبيرًا.  
تعجب رئيس الوزراء من فشل خطته وتساءل هل هذا الشعب مخلوق من الفولاذ أم من لحم ودم بينما أخذ الملك يوبخه ويعنفه، ثم طالبه بالتوصل سريعًا إلى خطة أفضل.
 أخذ رئيس الوزراء يتطلع للشوارع المكتظة بالمواطنين فبرقت عيناه وصاح مبتهجًا:
- وجدت يا سيدي خطة سهلة ومضمونة النجاح. المواطنون الفقراء لا يملكون سيارات ويضطرون إلى المشي في الشوارع والعبور من جهة إلى أخرى.
وقبل أن يستكمل الوزير كلامه تمكن الملك بذكائه الحاد وسرعة بديهته من فهم خطته الجهنمية.
وفي نفس اليوم أصدر الملك أوامره بإلغاء الأرصفة وتوسيع الشوارع وإلغاء الحد الأقصى للسرعة، وأعلن أنه اتخذ هذه الإجراءات لحل أزمة المرور ولإعطاء فرصة لقائدي السيارات للوصول إلى مكاتبهم بسرعة.
 أدت الإجراءات التي اتخذها الملك في البداية إلى رفع نسبة الوفيات من حوادث الطرق وبالتالي إلى خفض عدد السكان، ولكن بمرور الأيام قلت هذه النسبة بعد أن استطاع المواطنون أن يخترعوا طريقة للعبور أمام السيارات بمهارة وسرعة فائقة.
 استبد الغضب بالملك وقرر أن يقيل رئيس وزرائه من منصبه ومن الهيئة السرية للتخلص من المواطنين.
 اجتمع مع باقي طاقم وزرائه وحاشيته وأعلن أمامهم أن من سيقدم له حلا مبتكرًا للتقليل من عدد سكان المملكة سيعينه رئيسا للوزراء.
سادت الحيرة على وجوه الوزراء لمدة طويلة ولكن قبل أن يتسلل اليأس إلى قلب الملك رفع وزير الصحة أصبعه معلنًا أنه توصل للحل.
سأله الملك باستخفاف:
- وما هو الحل أيها العبقري؟
رد عليه الوزير بثقة:
- الحل هو أن نخلق أزمات غير متوقعة للسكان، أزمة مياه و كهرباء وبنزين وأغذية وأدوية.
ضحك الملك ثم قال معترضًا:
-  ولكن الشعب الذي تحمل الفقر والمياه والأطعمة الملوثة والسيارات المسرعة    سيتمكن بسهولة من تحمل الأزمات التي ذكرتها.
- سبب احتمال الناس للمشاكل التي ذكرتها جلالتك أن هذه المشاكل كانت تستمر لمدة طويلة فيتمكن الناس من التكيف معها حتى تصير جزءًا طبيعيًا من حياتهم، ولكننا سنخلق لهم أزمات مفاجئة طول الوقت حتى لا نعطيهم فرصة للتأقلم.
مثلا، نقطع عنهم المياه لأسابيع، وبعد أن نعيد المياه نقطع عليهم الكهرباء لأسابيع أخرى، وبعد أن تعود الكهرباء نقوم بتخزين القمح حتى تحدث أزمة في رغيف الخبز ولا يجد الشعب ما يأكله لأيام، وقبل أن يستطيع الشعب أن يتأقلم مع الأزمة القديمة نوقفها ونخلق أزمة جديدة مفاجئة حتى نجعل الناس في حالة توتر وقلق مستمر، هذه الحالة ستؤدي إلى قتل الشهوة داخلهم مما سيقلل من عدد المواليد كما سيرفع نسبة   المصابين بمرض الضغط والقلب مما سيؤدي إلى وفاتهم سريعًا.
لم يقتنع الملك تمامًا بخطة هذا الوزير ومع ذلك عهد إليه بالهيئة السرية للتخلص من المواطنين حتى ينفذ الخطة لعلها تنجح وتخلصه من السكان الكثيرين الذين يثقلون على خزانة المملكة.
بعد أيام بدأ تنفيذ الخطة فظلت المملكة تتعرض لأزمة تلو الأخرى بشكل مفاجئ وسريع، بعد شهور معدودة تم إحصاء عدد السكان فتبين ارتفاع عدد الوفيات من الأزمات القلبية المفاجئة وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم.
بعد سنة كشفت الإحصائيات عن انخفاض عدد الراغبين في الزواج وانخفاض عدد المواليد. رغم نجاح الخطة السرية لخلق الأزمات في تقليل عدد السكان إلا أنها أدت إلى إصابة عدد من المواطنين باضطراب نفسي جديد من نوعه اسمه اضطراب الأزمات.
هذا الاضطراب يحدث للإنسان نتيجة تعرض الجهاز العصبي للضغط المستمر من جراء الأزمات المتتابعة، والمصاب بهذا الاضطراب يتحول إلى شخص هائج، عدواني، مشدود الأعصاب، عاجز عن النوم أو التفكير بسبب خوفه الشديد من سقوط أزمة جديدة على رأسه.
 لم يعبأ الملك بانتشار هذا الاضطراب لأنه كان منتشيا من السعادة بنجاح الخطة وانخفاض عدد السكان وتناقص المصروفات، ولذلك قام بتنفيذ وعده لوزير الصحة   وجعله رئيسا للوزراء.
مرت الأيام وجاء عيد تولى الملك للعرش، فأعلن الملك عن إقامة احتفالات ضخمة في كل أنحاء المملكة.
ركب الملك سيارته بجوار رئيس وزرائه الجديد متوجها إلى قاعة الاحتفالات الكبرى من أجل إلقاء خطبة على المواطنين بهذه المناسبة السعيدة، وفجأة أوقف السائق السيارة وأخذ يحملق في الملك بعينين متوقدتين.
نظر له الملك متعجبًا وسأله عن سبب توقفه، لم يرد السائق عليه، بل أخرج مسدسا من جيبه وأفرغ طلقاته في صدر الملك والوزير ثم هرب من السيارة.
وخلال ساعات تمكنت الشرطة من القبض على السائق وسألوه لماذا قام بقتل الملك.
أخذ الرجل يصيح ويهذي بكلام غير مفهوم فأمر الضباط بالكشف على قواه العقلية، وبعد أن كشف عليه الأطباء توصلوا إلى أنه مصاب باضطراب الأزمات وقرروا إيداعه في   مستشفى الأمراض النفسية والعصبية.
بعد وفاة الملك تم حل الهيئة السرية من المواطنين للأبد.

0 تعليقات