عيد الميلاد
ذهب حازم و زوجته رانيا إلى منزل صديقه جمال من أجل حضور حفل عيد ميلاد ابنته الصغيرة مايا .
تلقى الزوجان ترحيبا دافئا من جمال
و زوجته و أعطيا لمايا هديتها ثم جلسا بجوار باقي المدعوين يتابعان رقصات
الطفلة على
أنغام الموسيقى مع أصدقائها وأقاربها.
جال حازم ببصره سريعا بين الحاضرين فوقعت عيناه على رجل سمين بلحية طويلة يفحص وجه زوجته كأنه يعرفها , وسرعان ما ترك الرجل مقعده
وجلس بجوارها وعلى وجهه ابتسامة عريضة وهتف بحماس
" إزيك يا رانيا ,أنا عبد الرحمن فاكراني ؟ " .
تهلل وجه رانيا وقامت بمصافحته وهي تسأله عن أحواله ثم عرفت حازم عليه ,وأخبرته
أنه كان زميلها
في كلية الهندسة قسم كيمياء و أنها تعتبره أخا
لها لأنه كان يعطيها ما فاتها من محاضرات ويشرح لها الدروس الصعبة .
قام حازم بمصافحة عبد الرحمن ببرود ثم أخذ يراقب الحوار الدائر بينه وبين رانيا بغيظ وهو ينفث دخان سيجارته باتجاههما حتى شكل الدخان
طبقة رقيقة من الضباب حولهما.
سألها
عبد الرحمن إذا كانت انتهت من رسالة الدكتوراه فأخبرته
أنها توقفت عنها واستقالت من الكلية من شهور قليلة بعد زواجها .
بدت الصدمة على وجه عبد الرحمن وغمغم
- خسارة ,
انتي كنتي متفوقة جدا وكان قدامك مستقبل
مهم .
بدا الانزعاج على حازم الذي سارع
بالرد على عبد الرحمن بنبرة عدوانية
- خسارة ليه , أنا اللي طلبت منها تستقيل من الكلية لأن المرتب اللي بتاخده كان ملاليم وأنا أقدر أصرف عليها الحمد لله .
دارى عبد الرحمن شعوره بالحرج بابتسامة خجولة ثم تطلع إلى وجه رانيا وهمس
- المهم
إنكم مبسوطين
أومأت رانيا برأسها للإمام وضحكت بعصبية لتغطي الحسرة التي زحفت على ملامحها ثم سارعت بتغيير وجهة الحديث فسألت عبد الرحمن عن أحواله
في العمل .
أخبرها بفخر أنه حصل مؤخرا على عمل
في مصنع كيماويات وأسمدة فأخذت
تسأله عن تفاصيل عمله بمصطلحات كيميائية بدت لحازم كأنها لغة أجنبية
يسمعها لأول مرة .
أراد أن يسألها عن معنى ما تقوله ولكنه
خاف أن يبدو جاهلا ثم
تحول ضيقه بجهله إلى شك في أن رانيا تتعمد استخدام لغة الكيمياء أمامه لكي تذكره أنها مهندسة عبقرية بينما هو
خريج معهد كمبيوتر خاص .
تأكد من صحة شكوكه عندما رآها تعتدل في جلستها على الكرسي وترفع رأسها لأعلى وسمع في صوتها
حماسا غير معتاد و رأى بريقا خاصا يشع من
عينيها بينما أخذت تقهقه بصوت عال على قصة طريفة رواها لها عبد الرحمن عن مقلب
دبره لأحد زملائه في العمل .
شعر بسخونة في رأسه وأحس أن الدماء في شرايينه تتقافز من
الغليان واستولت عليه رغبة في أن يصفعها على فمها
لكي يزيل أثر الضحك من على وجهها .
رأى أصابع يديه ترتعش وتتحرك كأنها أرجل
عنكبوت على وشك الهجوم على ذبابة ولكنه منع نفسه من الهجوم بعد أن تذكر انه يجلس في حفل عيد ميلاد
.
وضع يده على رأسه ثم وجه لرانيا
نظرة قاسية وأخبرها انه يشعر بصداع شديد ويريد الانصراف فتبخرت ابتسامتها وتطلعت له بقلق .
حاولت أن تقنعه بالبقاء لحين إطفاء
الشموع وتناول التورتة ولكنه أصر بشدة على المغادرة فاستسلمت لرغبته و ودعت عبد الرحمن ونهي وجمال ومشت ورائه بخطوات متثاقلة.
في طريق
العودة تطلعت له بضيق و سألته عن سبب
إصراره على مغادرة الحفل بهذه السرعة .
تنفس بصوت مسموع ونفرت العروق في
رقبته و وجهه وصاح فيها
- لأنك كنني بتضحكي بصوت عالي على كلام زميلك
وكل الناس بصت لك و منظرك كان يكسف , انتي مش
عارفة إن ضحك الست بصوت عالي قلة أدب لأنك مش متربية .
فتحت رانيا فمها دهشة
من سباب حازم لها ثم صرخت في وجهه
- اخرس قطع لسانك أنا متربية أحسن
منك وأنا مضحكتش بصوت عالي , بس انت مشكلتك إنك مش بتطيق الضحك
لأنك نكدي .
رفع ردها درجة
حرارة غضبه وأتاح له الفرصة لكي يوجه لها الضربة
التي أدخرها .
هوى بكل ما
أوتى من قوة بكفه اليمنى على خدها الأيسر
فترددت أصداء الصفعة في
السيارة كأنها صوت الكرباج .
وضعت رانيا يديها على وجنتيها
وأطلقت صرخة عالية اخترقت إذني حازم و
أجبرته على النظر لها .
رأى صدرها يصعد ويهبط بسرعة وجسدها
يهتز و أسنانها تصطدم يبعضها كأنها
مصابة البرد ثم رأى دموعا مخلوطة بالماسكرا تتساقط من عينيها حتى بدا وجهها كصفحة بيضاء تلطخت بقلم اسود
.
أرعبه منظرها
فحول بصره عنها و ركز على
الطريق .
بعد دقائق ساد صمت ثقيل في السيارة بعد أن توقفت رانيا عن البكاء .
أدار حازم رأسه يمينا وأختلس نظرات سريعة نحوها
.
رآها تخفض كتفيها و تطأطئ رأسها وتتكور على نفسها وتتطلع إلى أرضية السيارة بنظرات
منكسرة خافتة فغمره
ارتياح عميق لأن رانيا التي يعرفها عادت كما كانت قبل عيد الميلاد .
1 تعليقات
حلو وحقيقي :( "تقصدي تقولي ان الراجل مبيحبش الست اللي احسن منه وبيرضي غروره لما يكسرها"
ردحذففى الاول حسيت انه موقف عادي بيحصل كتير بس لما قريته للاخر فهمت وجهة نظرك :)
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته