منذ بداية الأجازة الصيفية وسندس تترجي أمها يوميًا لكي تسمح لها بالخروج لزيارة صديقتها ميرال التي تسكن بالقرب منها.  كانت تضحك عندما تخبرها أمها أن تخاف عليها أن تتوه" يا ماما أنا عندي أربعتاشر سنة ",  ولكن الأم كانت تصر على الرفض وتقول لها " انتي لسه صغيرة ".
  لم تستسلم  سندس لتعنت أمها  وظلت تطن فوق رأسها كالنحلة يوميا حتى انتزعت منها كلمة " موافقة " بصعوبة.
استيقظت قبل موعد زيارتها لميرال بساعة وقد  تملكها شعورا هائلا بالسعادة لا يزورها  إلا أول أيام العيد. ودعت أمها و أخذت تقفز فوق سلالم العمارة بنشاط وحماس كأنها في طريقها للخروج من أسوار المدرسة. مشت في الشارع بخطوات سريعة وهي تشعر بالفخر لأنها نجحت لأول مرة في الخروج بمفردها من المنزل .
تلقت ترحيبا دافئا من ميرال ووالدتها ,مرت الساعة والنصف التي قضتها  الصديقتان في الضحك والمزاح  كأنها عشرة دقائق.
 عرضت عليها ميرال  أن تبقى معها حتى موعد الغداء  وودت سندس أن تلبى دعوتها  لكنها كانت تعلم أن أمها لن توافق وستصر على عودتها في الموعد الذي حددته لها . اعتذرت لميرال بنبرة حزينة  ووعدتها بلقاء كانت تعلم أنه لن يكون  قريبا.
في طريق العودة هدأت سندس من خطواتها وأخذت تتأمل بفضول واجهات المحلات الواقعة على جانبي الشارع. وقعت عيناها على سوبر ماركت كبير  فقررت أن تدخله لكي تشتري منه  كوبا  من الأيس كريم.
 وبينما كانت تقف بجوار الكاشير لكي تدفع  ثمنه سمعت صوت رجل  يقول لها
" ازيك يا سندس ".
أدارت رأسها للخلف فرأت عطية ابن البواب يقف بجوارها . رأته يرمقها  بابتسامة  غريبة ويحدق في جسدها بطريقة متفحصة أزعجتها رغم أنها لم تفهم مغزاها .  لم ترد عليه و غادرت السوبر ماركت مسرعة  ولكنه تبعها وأخذ يردد عليها  عبارات الغزل المبتذلة المكررة. أشعرتها كلماته بالاشمئزاز والتقزز رغم أنها كانت تضحك عندما تسمعها في التليفزيون .
قررت أن   تتركه ينبح كالكلب الضال وتتظاهر أنها لا تسمعه , ولكنه لم يتوقف عن ملاحقتها  وأخذ يردد عليها أغنية شعبية تقول " انتي يا بت يا بت".
استولت على  سندس الرغبة في الضحك على صوت عطية الغليظ وطريقته الكوميدية في الغناء, وضعت يديها على  فمها وأطلقت ضحكة مكتومة وصلت  لأذنيه, فأبهجته وجعلت يغير موقعه ويمشى بجوارها ويقول لها بزهو  " أنا عارف انك معجبة بيا من زمان " .
كلامه  أجبرها على الخروج عن صمتها فقالت له بغيظ:
- أنا مش معجبة بيك ومش عايزه أكلمك ابعد عني .
اندهشت عندما رأته يضحك عليها  ويقول:
- تصوري إن شكلك بيكون أجمل وانتي متعصبة.
هزت  رأسها في امتعاض وابتعدت عنه ومشت في الجانب الأخر من الشارع, ولكنه  مشى  ورائها وهو يقول بتحدي " مش هتقدري تهربي مني وراكي وراكي ".
 اقترب منها حتى كاد يلامس جسدها فقررت أن تدفعه بيديها و لكن قبل  أن تفعل ذلك فوجئت بشقيقها الأكبر رامي يقترب منها.
اتسعت عيناها من الفزع وامتقع وجهها وأصابها الخرس بينما غطى وجه عطية نوع أخر من الخوف فأشاح بوجهه بعيدا عنها وأبطأ من خطواته.   جرى رامي ناحيته  وأمسك  قميصه بعنف  والشرر يتطاير من عينيه:
 -  إيه اللي إنت كنت بتعمله ده ؟ .
رد عليه عطية بثقة مفرطة :
- أنا  معملتش حاجة  , أختك  هي اللي كانت بتضحك لي وبتحاول تكلمني .
  اشتعلت سندس غضبا وودت أن تنهر عطية وتقول لأخيها الحقيقة  ولكن الموقف المشتعل لم يسمح لها بالكلام. أمسك رامي يدها بعنف وجرها ورائه كالبقرة حتى المنزل بدون أن يتفوه بكلمة واحدة.
بعد أن وصلا للشقة ألقى رامي التحية على أمه وعلى وجهه علامات الغضب ثم لامها لأنها تركت سندس تخرج بمفردها وشرح لها ما حدث بالتفصيل الممل .
أمسكت الأم  قميص  سندس بعنف وسألتها " انتي صحيح ضحكتي لعطية ؟"
خافت سندس أن تخبر أمها بالحقيقة حتى لا تظن فيها ظن السوء فقالت لها ببراءة:
- لا والله ده أنا حتى قلت له ابعد عني, أنا مش عايزه أكلمك خالص.
كلام سندس  لم يهدأ من روع أمها وإنما زاد غضبها اشتعالا, عصرت لحم ذراعيها وهزتها وهي تصيح:
- ليه تردي عليه أصلا ؟ أنا مش نبهت عليك مترديش على أي حد يكلمك في الشارع ؟
تلاقيكي ضحكتي  له وكلمتيه, وتلاقيكي أصلا ما قعدتيش في بيت ميرال, تلاقيكي اخدتيها ووقفتوا في الشارع .
أقسمت سندس لأمها والدموع تخنق صوتها أنها بقت مع ميرال في منزلها وحثتها على الاتصال بوالدة ميرال للتأكد من صحة كلامها. أحست الأم بالصدق في  كلام ابنتها  فتراجعت عن اتهاماتها ولكنها قالت لها بحدة :
- انتي برضه غلطانة انك رديتي عليه وعقابك هو انك مش هتخرجي وهتفضلي محبوسة في البيت طول الأجازة .
شعرت سندس بالصدمة من قسوة العقاب الذي وقعته عليها أمها. دخلت حجرتها وجلست على طرف فراشها و انخرطت في نوبة من البكاء الهستيري.
رأت نفسها وهي تبكي في المرأة فقامت من الفراش واقتربت من المرأة وأخذت تتأمل قوامها الرشيق المتناسق وطولها الفارع. أحست ببغض شديد لجسدها الجميل الذي جلب عليها البلاء وتمنت لو عادت طفلة مجددا حتى تمشى في الشارع بدون أن يضايقها حيوان مثل عطية.
وقفت سندس في  الشرفة ليلا  فرأت عطية يخرج من العمارة. ارتجفت عندما وجدته  يرفع رأسه لأعلى ويرنو إليها. ابتسم لها بطريقة خبيثة ثم رفع حاجبيه لأعلى  وبعث لها  قبلة في الهواء. أحمر وجهها وشعرت بخجل سرعان ما تحول لكراهية شديدة له.
 تمنت أن تضربه بأي شيء حتى يتذوق لحظة من الألم الذي يعتصر قلبها .
 وقفت تفكر للحظات ثم مرت على ذهنها فكرة جعلتها تبتسم .
غادرت الشرفة ودخلت الحمام. لمعت عيناها فرحا عندما رأت جردل التنظيف مملوءً على أخره بمياه سوداء. حملت الجردل بصعوبة ودخلت به الشرفة ثم وضعته على الأرض وابتسمت لعطية وأشارت له  لكي يقترب. استجاب لها في حماس ظنا منه أنها ستتحدث معه, ولكنه  بعد أن اقترب فوجئ بشلال من المياه المتسخة ينهمر فوق رأسه على دفعة واحدة.  أخرجت له سندس لسانها ثم أغلقت باب الشرفة. وقفت وراء الشباك تضحك وهي تشاهده يقف  في الشارع بملابسه المبتلة  بينما كان المارة يشيرون له ويمسكون بطونهم من الضحك على منظره المزري.

 



0 تعليقات