بيل جيتس
قرأت مؤخرا تصريحًا صحفيًا لمؤسس شركة مايكروسوفت بيل والذي يعد واحد من أغني أغنياء العالم يعترف فيه أنه لا يستحق أمواله التي جمعها منذ تأسيس الشركة عام 1975، كما لا يستحقها غيره من الأغنياء في العالم، وأضاف أنه كسب ثروته التي تقدر بحوالي 73 مليار دولار، وراكم أمواله بفضل التوقيت المناسب والحظ والفريق الذي يعمل معه.
 قد يعتقد البعض أن تصريحات جيتس تعبر عن تواضع وإنكار لموهبته وذكائه والمجهود العظيم الذي بذله من أجل يصبح صاحب أهم شركة برمجيات في العالم.  ربما تندهشون إذا عرفتم أن بيل جيتس يقول الحقيقة التي تثبتها الدراسات والأرقام.
على عكس ما يشاع وما يُروج له في كتب التنمية البشرية والمحاضرات التحفيزية فإنه لا يوجد شخص ناجح في العالم استطاع أن يصل إلى القمة اعتماداً على ذاته ومجهوده الشخصي فقط، فهناك عوامل خارجية عديدة تحدد مدى النجاح الذي يمكن أن يصل إليه الشخص ومنها: المكان والزمان الذي يولد فيه، البيئة التي يعيش فيها، التعليم الذي حصل عليه والفرص المتاحة له ومقدار التدريب الذي يحصل عليه في مجاله.
 هذه العوامل تحدث عنها بالتفصيل الكاتب الشهير مالكوم جلادويل في كتابه المهم الاشخاص الاستثنائيون أو
Outliers
الكتاب عبارة عن دراسة طويلة وتحليل عميق للعوامل والظروف التي تساهم في وصول بعض الناس لقدر كبير من النجاح والتفوق ومنهم بيل جيتس.
عندما درس جلادويل قصة حياة بيل جيتس وأجرى حوارات معه اكتشف أنه حصل على فرص عظيمة في صغره اتاحت له أن ينمي شغفه بالكمبيوتر، هذه الفرص جاءت له نتيجة ثراء عائلته الذين أدخلوه مدرسة خاصة في مدينة سياتل تضم أطفال علية القوم في واشنطن، كان يوجد في هذه المدرسة نادي للكمبيوتر تموله الأمهات.
في فترة الستينات كانت نوادي الكمبيوتر نادرة لكن بيل جيتس كان محظوظاً لأنه وجد هذا النادي الذي اتاح له الفرصة أن يتدرب على البرمجة وهو لا يزال طالباً في المدرسة.
فيما بعد استطاع من خلال علاقته بأحد الطلاب كانت والدته تمتلك شركة تابعة لجامعة واشنطن أن يدخل معمل الكمبيوتر الخاص بالجامعة ويقضي ساعات طويلة في التدريب على البرمجة مما منحه مميزات استثنائية مهدت فيما بعد لنجاحه الكبير في عالم البرمجة وتأسيسه لشركة مايكروسوفت.
لا يغفل جلادويل أهمية الاجتهاد والتدريب في صنع النجاح فلقد توصل بناء على إحدى الدراسات العلمية أن المرء لكي يصل إلى درجة متقدمة من الخبرة والبراعة في مجاله لابد أن يتدرب لمدة عشرة آلاف ساعة، ورغم أن هذا الرقم تم التشكيك فيه من كثير من العلماء والمتخصصين لكن مما لا شك فيه أن التدريب المستمر عامل مهم للوصول إلى النجاح.
في المقابل يرى جلادويل أن العبقرية ليست العامل الأهم في تحقيق النجاح، واستطاع إثبات صحة رأيه من خلال سرده لقصة شخص أمريكي يٌدعى كريتسوفر لاندن.
 هذا الرجل لم يحقق نجاحاً كبيراً في حياته رغم أنه يمتلك معدل ذكاء مرتفع، ولكنه لم يستطع استثمار قدراته بالشكل المناسب، وانتهى به الحال إلى امتلاك مزرعة خيول في بلدته. سر عدم نجاحه هو الأسرة المفككة التي نشأ فيها والتي أثرت عليه بالسلب إذ كان زوج والدته يضربه ويتشاجر معه كما أنه كان يرتاد مدرسة حكومية، فلم تتُاح له الامكانيات لكي ينمي قدراته ومواهبه وبالتالي اضطر أن يعتمد على نفسه في الدراسة، التحق فيما بعد بجامعة حكومية، لكنه لم يستطع اكمال دراسته بسبب ظروفه المادية الصعبة وبسبب تدني المستوى التعليمي في الجامعة فتوقف عن الدراسة تماماً.
 المعلومات التي يقدمها جلادويل في كتابه تدحض المعتقدات التي تروج لفكرة أن النجاح مسئولية شخصية وأن الناجح بالضرورة أذكى وأكثر اجتهاداً من غيره وأن الفاشل بالضرورة شخص غبي أو كسول، وأن الإنسان بإمكانه أن يصل إلى أي هدف يريده إذا كان يفكر بشكل إيجابي سيحقق نجاحاً كبيراً ويصير من الأثرياء.
هذه المعتقدات يصدقها كثير من الشباب لأنها تجعلهم يتصورون أن بإمكانهم التحكم في مصيرهم وبناء مستقبلهم بالشكل الذي يريدونه لكنهم عندما يحاولون تطبيقها يصطدمون بعقبات كبرى تصيبهم بالإحباط، ويكتشفون أن الواقع أصعب وأعقد مما يتخيلون، وأنهم لا يستطيعون الحصول على نفس الفرص والمميزات التي يحصل عليها غيرهم من ابناء ذوي الحظوة والنفوذ، وأنه من الصعب عليهم تجاوز بيئتهم وظروفهم.
هناك دور كبير يقع على المجتمع والدولة والنظام التعليمي في تهيئة البيئة المناسبة للأفراد لتنمية مواهبهم وإبراز قدراتهم، واتاحة الفرص المتساوية لجميع الأطفال في الحصول على تعليم جيد بغض النظر عن خلفياتهم ومستواهم المادي.
 كم من أشخاص يمتلكون نفس ذكاء بيل جيتس ولكنهم صاروا من أصحاب الطاقات المعطلة والمهدرة لأنهم يعيشون في بلاد فقيرة قاتلة للمواهب والقدرات، وكم من أشخاص متوسطي الذكاء تلقوا تعليماً جيدًا حفزهم على العمل والاجتهاد وساعدهم على تطوير قدراتهم وتحقيق إنجازات كبرى.

0 تعليقات