مما لاشك فيه أن يوم 11 سبتمبر 2001  كان من الأيام الفارقة والفاصلة في التاريخ المعاصر, فالعالم الذي كنا نعيش فيه قبل هجمات 11 سبتمبر مختلف كليا عن العالم بعد هذا اليوم الدامي.
هجمات 11 سبتمبر لم تكن فقط أكبر وأصخم هجمات ارهابية تضرب الولايات المتحدة الأمريكية , ولكنها كانت زلزالا  ضخما صنعه تنظيم القاعدة وامتد أثره إلى العالم العربي والإسلامي فغير من علاقة الغرب بالمسلمين وغير من نظرة المسلمين لأنفسهم ونظرتهم للآخر وأدى إلى غزو امريكا لأفغانستان واحتلالها للعراق وربما يكون أدى بشكل غير مباشر إلى نشأة تنظيم داعش.  لا زالت حتى اليوم  العديد من الكتب تخرج حول هجمات 11 سبتمبر وأسبابها ونتائجها ولكن عدد قليل منها نجح في تعقب كل الخيوط التي ساهمت في إنشاء تنظيم القاعدة والأسباب التي أدت إلى وقوع هجمات 11 سبتمبر, ومن بينها كتاب البروج المشيدة للصحفي الأمريكي لورانس رايت.
لقد استمد رايت عنوان كتابه من الآية القرآنية ( واينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )  ومن هذه الآية ينطلق ليسرد في فصول طويلة سيرة حياة الشخصيات التي ساهمت في وقوع مأساة 11 سبتمبر.
  الكتاب صدر عام 2006 ودخل على الفور في قائمة الأكثر مبيعا ثم حاز على جائزة البولتزر في الصحافة عام 2007 وصدرت ترجمته العربية عن دار كلمات  عام 2008

مميزات الكتاب :
- اسلوب لورانس رايت سهل وسلس ومشوق كما أنه يمتلك حس روائي عال يجعلك تنسى أنك تقرأ كتابا وثائقيا وتتصور أنك تقرأ سيناريو فيلم أو مسلسل ورغم طول الكتاب  لن تشعر بالملل وأنت تقرأه.
- وجود كم هائل من المعلومات والتفاصيل التي استطاع لورانس رايت أن يجمعها لمدة خمس سنوات بعد أن قام بعمل مقابلات مع مئات الشخصيات التي ارتبطت بعلاقات مع منفذي هجمات 11 سبتمبر  حتى استطاع  أن يقدم تاريخ حياة شخصيات عديدة بداية من سيد قطب الاب الروحي للجماعات الإسلامية  , اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ووالده محمد بن لادن الذي ارتبط بعلاقة قوية بالنظام السعودي, ايمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد, الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام  الذي دعا المسلمين في العالم العربي للجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي  بالإضافة إلى حديث موسع عن طبيعة الحياة ونظام الحكم في المملكة العربية السعودية ومصر وغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان ومن بعده إنشاء تنظيم القاعدة وطبيعة الصراع بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات الامريكية والتي أدت إلى حدوث هجمات 11 سبتمبر
- محاولة المؤلف تحري الموضوعية والدقة في سرده لسيرة حياة الشخصيات التي دبرت ونفذت هجمات 11 سبتمبر وعدم انزلاقه في فخ اطلاق الاحكام و الهجوم على الاسلام والمسلمين, بل أنه ذكر بشكل واضح أن ما فعله بن لادن وأعضاء تنظيم القاعدة مخالف بشكل صارخ لتعاليم القرآن والشريعة الإسلامية التي تحرم قتل النفس البشرية وتعتبر أن من قتل نفسا فقد قتل الناس جميعا , كما أن السنوات القليلة التي أمضاها لورانس رايت في مصر في الستينات من أجل التدريس في الجامعة الامريكية أثرت فيه وجعلته يفهم الثقافة العربية بشكل جيد.
- ترجمة هبة نجيب مغربي للكتاب رائعة ودقيقة حتى أنك لن تشعر أنك تقرأ كتابا مترجما بالإضافة إلى احتواء الكتاب على مجموعة مهمة من الصور والخرائط التوضيحية والمراجع.
عيوب الكتاب :
- لم يتحدث لوارنس رايت عن  الدور التي لعبته سياسة الولايات المتحدة الامريكية الاستعمارية في المنطقة العربية وسياساتها ودعمها الصارخ لإسرائيل في تقوية كراهية العرب والمسلمين لأمريكا وإنشاء الحركات الدينية المتطرفة, كما أنه لم يتحدث كثيرا  عن تعاون المخابرات الامريكية مع بن لادن واعوانه ومساندتهم لهم في حربهم الجهادية ضد الاتحاد السوفيتي  مما يعني أن أمريكا استغلت حماس عبد الله عزام واسامة بن لادن للجهاد ضد الشيوعيين واشتركت في تدعيمهم بالمال والسلاح مع السعودية حتى يقضون على الاتحاد السوفيتي, ثم ارادت التخلص منهم بعد انتهاء الحرب فهي التي قامت بإخراج العفريت من القمقم ثم عجزت عن صرفه فارتد عليها.
- التطويل في سرد سيرة حياة محمد بن لادن والد اسامة بن لادن وكذلك الانغماس في تفاصيل الحياة الشخصية لأسامة بن لادن وايمن الظواهري وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالي جون اونيل, وأحيانا يكون الانتقال من الحديث عن اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة إلى الحديث عن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات الامريكية مفاجئ مما يصيب القارئ بالارتباك والتشوش.
- لم يتحدث الكاتب بشكل كاف عن منفذي هجمات 11 سبتمبر وتفاصيل تنفيذ عملية اختطاف الطائرات ,على العكس من ذلك تحدث بشكل مفصل عن الهجمات التي سبقت 11 سبتمبر مثل الهجوم على سفارة امريكا في كل من كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة البحرية الأمريكية يو إس إس كول رغم أن الكتاب من المفترض أن موضوعه الاساسي هو هجمات  11 سبتمبر
أهم الدروس المستفادة من الكتاب :
1-  كتابات سيد قطب وبالتحديد كتاب ( معالم في الطريق ) هو  حجر الأساس في تكوين فكر كل الجماعات الجهادية والتنظيمات الإرهابية الحديثة و لولا اعدامه  الذي حوله في عيون تابعيه إلى شهيد ولولا التعذيب الذي تعرض له أيمن الظواهري و اعضاء التنظيمات الجهادية لما تحول فكرهم إلى هذا القدر من التطرف ولما اتجهوا إلى تكفير الجميع بما فيهم المسلمين المعاصرين وإلى تنفيذ كل هذه الهجمات الإرهابية بهذا القلب البارد.
2-  البيروقراطية والصراعات التي نشأت بين المخابرات الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي كانت عاملا أساسيا في نجاح هجمات 11 سبتمبر بالإضافة إلى استخفاف المخابرات بالخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة على أمريكا.
3-  أسامة بن لادن والظواهري وباقي أعضاء تنظيم القاعدة ليسوا رجالا أشرار كما يظن الكثيرون كما أن  الشباب الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر ليسوا على قدر كبير من التدين  ولكنهم كانوا شباب يعاني من الاغتراب ومسلمين متحمسين يشعرون بالغضب والذل والهوان لوجود قوات أمريكية في أراضي الجزيرة العربية ولتعاون الحكومات العربية وانبطاحها أمام أمريكا التي يرون فيها قوة غاشمة تريد أن تحتل أرضهم وتخضعهم ثقافيا وسياسيا  وتقضي على ثقافتهم وعلى دينهم, وقد قادهم حماسهم للدفاع عن الاسلام والاراضي العربية المحتلة إلى التطرف فانزلقوا إلى طرق خطيرة وتحولوا بدون أن يشعروا من مجاهدين إلى قتلة وبدلا من أن ينصروا الإسلام ويعيدوا له المجدة والقوة ساهموا في تشويه صورته وقدموا للولايات المتحدة الامريكية على طبق من ذهب المبررات لغزو أفغانستان واحتلال العراق.
أهم مقاطع الكتاب 
كيف أثر التعذيب الذي تعرض له أيمن الظواهري والإسلاميين في السجون المصرية على تفكيرهم وأدى بهم إلى التطرف 
كيف تحالفت أفكار أيمن الظواهري مع أموال أسامة بن لادن لإنشاء تنظيم القاعدة 
كيف أدت أفكار سيد قطب وعبد الله عزام وصلابة أسامة بن لادن إلى وقوع هجمات 11 سبتمبر 


0 تعليقات