هل انتهى عصر المدونات ؟ 

 أدرك أنني  أطرح هذا السؤال متأخرا  ولكنه مر بذهني بعد أن القيت نظرة  سريعة  على قائمة المدونات التي اتابعها في بلوجر فاكتشفت أنه باستثناء مدونة أحمد طوسون الثقافية فإن كل أصحاب تلك المدونات لم ينشروا أي تدوينات جديدة من شهور بل إن بعضهم توقف عن التدوين من سنوات, السبب يبدو واضحا.لقد فقدت المدونات جمهورها وصارت موضة قديمة  بعد صعود نجم وسائل التواصل الاجتماعي وبالتحديد الفيسبوك الذي صار المعيار الأهم للشهرة والانتشار.

في زمن السوشيال ميديا أجد نفسي من القلائل الذين يمشون عكس تيار التكنولوجيا فأنا  لا أزال متمسكة بمدونتي ولا أزال أراها الوسيلة الأفضل لنشر قصصي ومقالاتي.

 الطريف أنني انضممت للتدوين متأخرا في عام 2010 , قبل ذلك أتعامل بارتياب شديد مع المدونات, فرغم أن المدونات  تسببت في شهرة العديد من الكتاب الشباب لدرجة أن دار الشروق قامت بتحويل بعضها إلى كتب ورقية إلا انني عندما كنت اتصفح هذه المدونات كنت أرى أن أغلب اصحابها ليسوا أدباء ولكنهم أشخاص عاديين يستخدمون منصة بلوجر المجانية  لتسجيل يومياتهم ومشاعرهم الشخصية والتخلص من  الأفكار التي تزعجهم. 

عندما كنت اقرأ تلك المدونات كنت أشعر بالحرج وكأني اتلصص على الاخرين وأرى تفاصيل حياتهم الشخصية, كنت أشعر بوجود استسهال في الكتابة والنشر بين المدونين, فالمدون لا يفكر  فيما يكتبه ولا يراجعه جيدا ولا يهتم بكتابة شيء يحمل مضمونا حقيقيا يمكن أن يستفيد منه القراء بل يكتب ما يفكر فيه مباشرة فتراه  ينفس عن إحباطاته ومشاكله العاطفية وكآبته ويلقيها في مدونته كما هي بدون تصحيح أو تنقيح . رفضت الانضمام للتدوين لأني لم اجرؤ  على  عرض يومياتي والحديث عن حياتي الشخصية  على الملأ  أرى ,عرض مشاكلي  الشخصية لن يخفف من وطأتها و التعاطف أو المواساة التي سأحصل عليها من الآخرين ستكون سطحية ومليئة بالكليشيهات المكررة على وزن ربنا يصبرك أو تفاءلي خيرا, لكن لا أحد  من الغرباء الذين يقرأون كلماتي بإمكانه أن يفهم مشاكلي لأن لا أحد منهم يعرفني أو يعرف طبيعة حياتي.
 موقفي  من المدونات تغير  بعد أن فشلت في نشر مجموعتي القصصية الأولى ورقيا , بعدها قرأت قصة قصيرة على إحدى المدونات وأعجبتني ففكرت في إنشاء  مدونة لأنشر فيها قصصي القصيرة وسميتها حكاياتي باعتبار أن هذه القصص هي عبارة عن مجموعة من  الحكايات.
 سذاجتي وحداثة عهدي بعالم الانترنت  صورت لي أنني بمجرد أن أضع القصص فسوف يتهافت الناس على دخولها وزيارتها, لذلك شعرت بالإحباط عندما نظرت في سجل الزوار لأجد أن عدد من قرأوا القصص القصيرة التي نشرتها على المدونة قليل جدا.
استغربت لماذا يتهافت الناس على زيارة المدونات الأخرى ولا يزورون مدونتي ؟ بعدها اكتشفت أن الأمر أصعب كثيرا مما اعتقد وأنني لكي أجلب الزوار إلى مدونتك يجب أن انضم إلى الشلل التدوينية المنتشرة والتي يتبادل أعضائها الزيارات والتعليقات كما أنني يجب أن تتقن ( السيو ) وهي وسائل تقنية معقدة تمكن محركات البحث من الوصول إلى موقعك بسهولة ولكي تنجح في جذب الزوار أولا لابد أن أعرف الكلمات التي يبحثون عنها دائما ثم اضعها لهم في تدويناتك.

 وبما أني لا أجيد الانضمام إلى الشلل ولا أفهم كثيرا في الأمور التقنية  فضلت أن أواصل  الكتابة في صمت على أمل أن اهتمامي بالكتابة في موضوعات مهمة ومفيدة سيؤدي إلى جذب مزيد من القراء لمدونتي بشكل تلقائي. 

بعد عام 2011 ارتفعت شهرة وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا بعد أن صارت أداة مهمة في ثورة يناير فبدأت اتحمس للانضمام لها وأنشأت لنفسي حساب على الفيسبوك وتويتر. بدأت مثل كثير من المدونين والكتاب استخدم هاتين الوسيلتين لعرض أفكاري وللترويج للمقالات التي اكتبها على المدونة.  لاحظت أن العديد من الكتاب بدأوا يهجرون مدوناتهم ويستبدلونها بإنشاء صفحات على الفيسبوك لنشر أفكارهم وخواطرهم والتعليق والسخرية من الاحداث اليومية الساخنة .

هذه الصفحات حققت نجاحا كبيرا وساهمت في إرساء شعبية كثير من الكتاب المنتشرين اليوم , ولكن هناك فرقا كبيرا بين كتاب البوستات وبين كتاب المقالات الجادة, الفيسبوك وسيلة آنية تهتم بعرض البوستات الأحدث والأشهر التي تستطيع تجميع أكبر عدد من علامات الاعجاب ومن المشاركات والتعليقات, ولكي تكون كاتبا ناجحا على الفيسبوك ليس بالضرورة أن تكون أديبا أو شخصا مثقفا, ولكن المهم أن تكون شخص خفيف الظل وسريعة البديهة ولديك القدرة على متابعة ما يتحدث عنه الناس وتلتقط الحدث الأهم بالنسبة لهم ثم تسارع بالتعليق عليه بكتابة بوست باللهجة العامية جرئ ومثير للجدل, وكلما كان البوست ساخرا ومليئا بالإيفيهات اللاذعة أو الشتائم المبطنة كلما حقق نجاحا وانتشارا أكبر بين الناس , صحيح أن منشورك سيختفي من الصفحة الرئيسية بعد عدد قليل من الساعات وسينساه الناس مع نسيانهم للحدث الذي يدور حوله ولكنك إذا استطعت لفت نظر الناس ستكون مشهورا في فترة وجيزة. أما كتابة المقالات فهي عكس ذلك تماما لأنها  لا تعتمد بالضرورة على التعليق اليومي على الاحداث ولكنها تعتمد على تحليل الحدث وربطه بما سبقه من الاحداث والاعتماد على المعلومات والحقائق و من أجل كتابة مقال يوضح الصورة الكاملة ويقدم مضمونا عميقا يمكن قراءته في أي  وقت, لهذا لم تنجح مقالاتي الطويلة المكتوبة باللغة العربية  في جذب القراء مما جعلني أعود لمدونتي مرة أخرى وأواصل نشر انتاجي الأدبي عليها.
ظل عدد المتابعين لي محدودا حتى عام 2014  عندما نشرت روايتي الأولى بنت وولد , بعدها تغيرت نظرة الناس لي وبدأوا  يتعاملون معي باعتباري كاتبة حقيقية وبدأ العديد من محبي القراءة والأدب يسعون لصداقتي على الفيسبوك ويهتمون بقراءة  القصص والمقالات التي أنشرها على المدونة, وجدت بعض أصحاب المواقع الالكترونية يثنون على ما اكتبه ويطلبون مني أن أنشره على مواقعهم. في البداية فرحت بهذه العروض لأني كنت أعتقد أن هذه المواقع أكبر وأشهر من مدونتي الصغيرة, بعد ذلك اكتشفت أن تلك المواقع رغم أنها أكثر احترافية في تصميمها من المدونات لكنها لا تحظى بعدد كبير من المتابعين لأن أصحابها لا يهتمون بالترويج للمقالات المنشورة على مواقعهم ولكنهم يعتمدون على شهرة كل كاتب وقدرته على الترويج لمقالاته والرابح في النهاية هو صاحب الموقع الذي يجذب عدد أكبر من الزوار بدون أن يبذل أي مجهود كما أن أصحاب تلك المواقع يفرضون على الكتاب شروطا للنشر أهمها الابتعاد عن السياسة والموضوعات الشائكة, وهذا ما جعلني أغادر تلك المواقع وأعود لمدونتي مرة أخرى حتى أكتب ما يحلو لي بحرية.من يطلع مدونتي سيكتشف أنها تحتوي على موضوعات مختلفة ومتنوعة , سيجد فيها  الكتابات السياسية والخواطر, وسيجد فيها  مقالات في علم النفس والاجتماع وكتابات أخرى عن الإبداع وعملية الكتابة بالإضافة إلى القصص القصيرة التي أحرص على نشرها بصفة دورية.

رغم أن مدونتي بسيطة في تصميمها وشكلها لكني أتعامل معها باعتبارها موقع واتعامل مع المحتوى المنشور فيها بجدية شديدة فلا أنشر أي شيء يخطر بذهني ولكني أبحث وأدقق جيدا قبل أن أكتب أي مقال وأحرص دائما أن يحتوي مقالي على معلومات مفيدة تثري عقل القراء وهذا ما جعلني أتمكن من جذب عدد لا بأس به من المتابعين.
 أدرك جيدا أن سقف نجاح مدونتي لن يرتفع كثيرا عن ما هو عليه الآن ليس بسبب مواقع التواصل الاجتماعي فقط ولكن لأن قوالب بلوجر ووردبريس المجانية  بدائية جدا  في تصميمها مقارنة بالمواقع الإلكترونية المحترفة لذلك فهي ليست جذابة لمحركات البحث مثل جوجل بعكس المواقع المدفوعة التي تتيح لأصحابها وضع كلمات مفتاحية تسهل على جوجل وضعها على أعلى قوائم البحث.

قد يسألني أحد القراء لماذا لم  تفكري في تحويل مدونتك إلى موقع احترافي ؟
بالطبع فكرت في هذا الأمر ولكني عندما بحثت عن تكلفة تأجير وتصميم موقع اكتشفت أن الأمر أكبر من قدراتي المادية كما أن  نجاح موقع يقدم مضمونا ثقافيا ومعرفيا جادا في زمن العناوين المثيرة والتسابق على نشر الفضائح والموضوعات المبتذلة الرخيصة مشكوك فيه. ورغم أن كثير من زوار مدونتي يدخلون بعد انجذابهم لعناوين بعض قصصي مثل " خلوة محرمة "  و" شقة مفروشة " لكني أشعر بالسعادة عندما يعلق أحدهم على مقالاتي ويخبرني انه استفاد كثيرا مما اكتبه.
أدرك جيدا أن المدونات المجانية في طريقها للاندثار في زمن كل شيء فيه لابد أن يكون مدفوعا ولكني  أرفض حتى الآن أن أهجر مدونتي لأني أرفض  تحويل مقالاتي إلى ستيتس يقرأه اصدقائي اليوم وينسونه بعد ساعات قليلة أو  يقرأون سطر واحد ثم يقومون بعمل لايك عليه  كنوع  من المجاملة.

 أرفض أن أكون جزء من مجتمع الهري والتحفيل على الآخرين والتعليق المتسرع على الأحداث وأفضل أن أتروى وأتأمل ثم ابحث واكتب رأيي بشكل مطول.وحتى تتطور تكنولوجيا النشر لكي تتيح لأمثالي وسيلة مبتكرة لعرض أفكارهم وإبداعاتهم ستظل مدونتي هي بيتي الأول على الانترنت.

4 تعليقات

  1. انا جديدة في عالم المدونات
    حبيت هدوؤها على فكرة
    الفيس بوك وسيلة ترفيه بالنسبة لي مش أكتر مابعرفش اتفاعل معاه قوي
    بحس وانا على الفيس كأني في شارع زحمة وهيصة وناس بتخبط في بعضها
    اما في المدونة بحس براحة اطتر وكأنها نزهة خفيفة مريحة
    اسجل اعجابي بمدونتك
    هشد كرسي واجي اقعد هنا
    تحياتي

    ردحذف
  2. اهلا بيكي دايما في المدونة وشكرا ليكي على التعليق

    ردحذف
  3. صحيح الكثير من المدونين هجروا مدوناتهم إلى شبكات التواصل الإجتماعي لكن هذافى يتعلق بالمدونين المصريين أما الكثير من المدونين العرب (سعوديين ولبنانيين وكويتيين وتوانسة ومغاربة )الذين أعرفهم واتابعهم من سنوات طويلة مازالوا مستمرين فى التدوين حتى الآن بمحتوي رصين وجميل حتي لمن يكتب عن يومياته، وبعضهم حقق شهرة كبيرة ، ونجح فى اصدار كتب مترجمة أو اعمال روائية أو دواوين شعرية بالموظبة والاستخدام الذكي لشبكات التواصل الإجتماعي ..تحياتي لكِ

    ردحذف
  4. لسه جديده في عالم المدونات ومش فاهمه كتير بس فعلا احلي واهدي من الفيس جدا جدا

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته