من عدة شهور اتخذت قرارًا حاسمًا  بأن أغير طريقة تفكيري ونظرتي للحياة وأكون إنسانة متفائلة إيجابية بعد أن قرأت كتابًا بعنوان " تعلم التفاؤل " من تأليف طبيب النفس الأمريكي مارتن سليجمان. هذا الطبيب الذي يُلقب أبو علم النفس الإيجابي توصل من خلال الابحاث والدراسات التي قام بها على الأشخاص المتفائلين والمتشائمين على مدار خمسة وعشرين عاما  أن الشخص المتفائل أنجح وأسعد وأطول عمرًا وأفضل صحة وأكثر نجاحا في عمله وحياته الشخصية من الشخص المتشائم. الشخص المتفائل ليس هو الشخص الذي يرى الحياة بصورة وردية ولكنه الشخص الذي  يفسر الأحداث التي تقع له  بصورة إيجابية ويرى المشاكل مؤقتة والعقبات ما هي إلا تحديات تدفعه لبذل المزيد من المجهود من أجل الوصول إلى هدفه, أما الشخص المتشائم فيتوقع الأسوأ دائما ويلوم نفسه على العقبات التي تواجهه ويعتقد أن مشاكله ستدوم للأبد , ولذلك يتوقف عن السعي وراء أهدافه ويركن لليأس سريعا.بعد قراءتي لهذا الكتاب اقتنعت أن نظرتي القاتمة للحياة تسحب مني طاقة كبيرة وتعوقني عن تحقيق أهدافي, وأنني لابد أن أغير عاداتي الفكرية وأن أتوقف عن تفسير الأحداث التي تقع لي بصورة سلبية, وأن أتوقف عن توقع الأمور السيئة والإعداد لها  قبل أن تحدث.
حماسي للتفاؤل دفعني أن أعلن على صحفتي على الفيسبوك أنني قررت تحدي المزاج العام و التوقف عن نشر أي بوست سلبي والالتزام بنشر الإيجابية والبهجة بين الجميع. الإعلان لاقى إعجابا من أصدقائي رغم أن بعضهم رأى أنه من الصعب علي الالتزام بهذا القرار في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلد والتي تضغط على أعصاب وجيوب الجميع, ولكني تحديتهم وقررت أن اتمسك بالتفاؤل كمنهج للحياة.  اتبعت النصائح والإرشادات التي قرأتها في كتاب تعلم التفاؤل عند إرسالي خطابات التوظيف لأصحاب الشركات والمشاريع في مواقع العمل الحر وعند إرسال أعمالي الأدبية لدور النشر.  كلما أتعرض للرفض أو التجاهل كنت ابتسم وأقول لنفسي " لا بأس,  الأمر ليس كارثيا ولن يدوم, لابد أن يأتي بعد الرفض القبول , المشكلة ليست في , المشكلة فيهم , المشكلة أنهم لا يقبلون سوى أصحاب الخبرات الطويلة ولكني لو اقنعتهم بإمكانياتي وجدارتي سيغيرون موقفهم ويوافقون على تشغيلي, علي فقط أن أغير أسلوبي في التقديم وأن أطرق أبواب مختلفة وأن أواصل السعي بدون كلل أو ملل وسأحقق ما أريده عاجلا أم آجلا ".
 مع كل رد سلبي أحصل عليه كنت أقوم بإرسال خطاب تقديم آخر جديد  كنوع من التحدي لنفسي وللظروف. في البداية كان الأمر سهلا وكان حديثي الإيجابي لنفسي يرفع معنوياتي ويحمسني للعمل ومواصلة السعي. ظللت أكرر الكلام ذاته لنفسي حتى أستمر في العمل ولكن مع مرور الأيام وتكرار دائرة التقديم والرفض أو التجاهل وجدت الكلام الإيجابي المشع بالأمل يفقد مفعول وبدأت أجد الإرهاق والإحباط يتسلل إلى نفسي  ويتمكن مني رغما عني و بعد أن كنت أحفز نفسي بالكلام الإيجابي بدأت أشك في صحته." المشكلة ليست في ؟ ", إن كانت فعلا المشكلة ليست في فلماذا يقبلون الآخرين ويرفضوني ؟وإذا كان الرفض أمر مؤقت فلماذا فشلت في تحقيق أي نجاح يذكر حتى الآن رغم محاولات حثيثة أقوم بها من  سنوات طويلة ؟, ألا يعني هذا أن الفشل هو أمر دائم ومتواصل بينما النجاح شيء استثنائي ؟.  رغم أنني لم استطع الرد على هذه الأسئلة حاولت أن أجد طريقة لكي أشحن نفسي بالطاقة الإيجابية ولكن لكني لم أجد حولي سوى مصادر للطاقة السلبية.كيف يمكن أن أكون إنسانة متفائلة عندما تزكم  رائحة المجاري أنفي كلما افتح النافذة, وعندما تمنع عني العمارات الشاهقة الكئيبة متعة النظر إلى السماء,  وعندما أرى  أكوام القمامة تحيط بي من كل جانب عندما أمشي في الشارع, وعندما أرى علامات الشقاء والبؤس على وجوه المارة في المواصلات العامة, وعندما أجد الباعة وموظفي الحكومة يتجهمون في وجهي ويعاملوني بعدائية شديدة بدون سبب, وعندما أقرأ كل يوم خبر جديد عن فرض المزيد من الضرائب ورفع الأسعار مجددا, وعندما أجد الدادة التي تعمل في المدرسة المجاورة لمنزلي تبكي وتدعو على نفسها بالموت بعد أن توفى حفيدها في مستشفى حكومية لأنها فشلت في الحصول على المال اللازم لعلاجه من حادث السير الذي وقع له,  وعندما أن أجد كل أصدقائي يحدثوني عن زيارتهم للأطباء النفسيين للعلاج من الاكتئاب ورغبتهم في الانتحار لأنهم  فشلوا في الهجرة من مصر. كيف يمكن أن أكون إنسانة متفائلة وأنا أعيش في بلد  أشبه بسفينة تياتينك يغرق بالتدريج ولكن لا أحد من ركابه يستطيع أن ينقذ نفسه ويعثر على قارب للنجاة؟. كيف يمكن أن أكون إنسانة متفائلة وأنا أجد نفسي كلما حاولت التأقلم مع الأوضاع السيئة المحيطة بي أجدها تتدهور وتزداد سوءا بسرعة مخيفة ؟. أدرك  أنني لست السبب في كل المشاكل والمصائب التي تحدث حولي ولكن هذا لن يمنع تأثيرها السلبي على نفسي وإحساسي بالعجز والإحباط حيالها. لا شك أن بيئة الإنسان والظروف المحيطة به تؤثر على عقله وحالته النفسية كما أنها تحدد مقدار النجاح الذي سيحققه في المستقبل, فالشخص الذي ينتمي لدولة فقيرة ليس لديه فرصة كبيرة لتحقيق طموحاته  مهما تحلى بالتفاؤل والأمل والذكاء والحماس للعمل على عكس  الشخص الذي ينتمي لدولة متقدمة توفر له  كل عوامل النجاح والسعادة. المشكلة أننا أصبحنا نعيش في عالم واحد بفضل التكنولوجيا التي جعلت الشاب المنتمي لدول العالم الثالث الذي يدخل الانترنت بسرعة السلحفاة لديه القدرة على رؤية شخص آخر يعيش في بقعة أفضل من العالم ويحصل على كل  حقوقه  وتتاح أمامه كل فرص العمل والإبداع,  ومن هنا يتحول  معنى التفاؤل  بالنسبة لشباب العالم الثالث إلى الأمل في الهروب إلى مكان أفضل يوفر له حياة كريمة. ولأن الكل يسعى إلى الهجرة في حين فرص الهجرة محدودة وشروطها صعبة يتحول التفاؤل بالهجرة إلى تفاؤل أن الحياة لن تتدهور أكثر من ذلك, وأننا لن نصبح مثل سوريا والعراق.  لقد كشفت لي تجربتي مع التفاؤل أنه أصعب كثيرا من التشاؤم. التشاؤم أمر سهل لأنه  لا يتطلب منك أي مجهود, بالعكس أنه يمنعك من بذل المجهود أما التفاؤل فهو أمر  صعب ومرهق  لأنه يحتاج إلى عزيمة وإيمان وقدر كبير من الشجاعة, شجاعة حب الحياة بدون شروط حتى لو كانت لا تمنحك مقابل الحب سوى الطعنات المباغتة, شجاعة الحلم أن المستحيل ممكن حتى لو لم يكن الممكن متاحا لك.  شجاعة الركض وراء كل بقعة ضوء تراها أمامك حتى لو آمن الجميع أنها سراب وأوهام. شجاعة الإيمان بقدرتك على بناء مصيرك حتى لو استطاعت عواصف الحياة أن تهدم لك كل ما بنيته في لحظة. شجاعة الايمان بقدرتك على الوصول إلى  أحلامك حتى لو كنت تسير في الظلام ولا تعرف الاتجاهات. شجاعة تلقي الضربات والصفعات المفاجئة من الحياة بصدر رحب وابتسامة عريضة. شجاعة النهوض بعد السقوط وتضميد جراحك سريعا والطبطبة على روحك ومواصلة العمل بنفس الحماس.
التفاؤل صفة جميلة نظريا ولكن التحلي بها يحتاج  إلى إنسان يمتلك عزيمة مصنوعة من فولاذ وطاقة لا تنفد,  إنها  مثل الشمعة التي يصعب المحافظة على ضوئها لأن كل العواصف تتحالف على إطفائها, التفاؤل يحتاج إنسان لديه القوة الكافية لإعادة إشعال شمعته الداخلية مئات المرات كل يوم. ولقد اكتشفت  أنني لا امتلك هذه القوة, فأنا لا استطيع أن انهض بسرعة بعد كل صدمة جديدة تفاجئني بها الحياة. الصدمات لم تعد تقويني أو تستفزني لمواصلة الصراع بل صارت تقتل روحي القديمة وتزرع في نفسي اللامبالاة والتبلد. لقد طردت الحلم من قاموسي بعد أن صارت أقصى أحلامي هي أن أحصل على حقوقي الأساسية في الحياة, ولم أعد قادرة على التمسك بالحديث الايجابي بعد أن اكتشفت انه مجرد  قصص جميلة خيالية أعزي بها نفسي وأتحايل بها على ألمي ولكن عقلي لا يصدقها.                                                                                                            
تجربتي الفاشلة مع التفاؤل كان لها جانب إيجابي لأنها كشفت لي أنني لست إنسانة متشائمة كما كنت أتصور ولكني في الحقيقة إنسانة واقعية, الإنسان الواقعي عقلاني وحذر لا يخاطر بشيء لا يحتمل خسارته و  يضع في حسابه كل الاحتمالات ويعد نفسه لمفاجآت القدر السيئة حتى يحمي نفسه من الصدمة حين حدوثها. الإنسان الواقعي  يعلم  حدوده وإمكانياته ويدرك انه ليس مركز الكون وأن الحياة لا تدور حوله ولا تعبأ بأحلامه, وأنها لن تعطيه كل ما يريده فقط لأنه إنسان طيب أو مجتهد.  الإنسان الواقعي يعرف كيف يساير أمواج الحياة وكيف يتعايش مع تقلباتها بدلا من أن  يتحداها ويصارعها بدون طائل. الإنسان الواقعي يعمل ويجتهد ويسعى ليس من أجل الوصول إلى المستحيل ولكن من الحصول على المتاح. انه يعمل في صمت وبطء  رغم انه يعلم أن النتيجة لن تكون دائما في صالحه, يعمل إرضاءً لضميره وإثباتا لوجوده , يعمل ويكافح لأنه يؤمن أن التوقف عن العمل معناه الموت. ولذا فأنا افتخر أنني إنسانة واقعية.
   

مقالات مشابهة 

في مديح العزلة   

2 تعليقات

  1. اااااااااه
    قلبتي علينا المواجع والله
    فعلا التشاؤم سهل والتفاؤل محتاج لعزيمة وصبر
    والواقعية برضه صعبة
    والهجرة غير متاحة
    والإنتحار حرام :)
    طب نعمل إيه ؟!!

    ردحذف
    الردود
    1. محدش عارف بس مفيش قدامنا حل الا الكفاح والعمل عشان نرضي ضميرنا زي ما قلت في المقال
      شكرا على مرورك

      حذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته