الإنترنت 
كم عدد الأيام التي يمكن ان تحتملها بدون أن تدخل على  الانترنت ؟
شخصيا كنت أعتقد  أنني لا  أستطيع أن أعيش بدون انترنت لساعة واحدة , الانترنت في العصر الحالي لم يعد رفاهية , لقد أصبح  جزءا  لا يتجرأ من الحياة بل صار كل هو كل الحياة , لأني مثل كل الناس صرت أعتمد عليه بشكل أساسي في إنجاز الأعمال والبحث عن المعلومات والتواصل مع الآخرين, ولكن  انتقالي من مكان لآخر فرض علي أن انقطع عن الإنترنت لعدة أيام.
في اليوم الأول انتابني  شعور خانق  بالعزلة والضجر والضيق كأنني أجلس في جزيرة بمفردي, لقد رحل صديقي الذي كان يسليني ويملأ حياتي بالصخب وتركني في صمت موحش ,  بعد ذلك أدركت حقيقة مشاعري , إنني مدمنة على الانترنت و ما أعاني منه هو أعراض الانسحاب .  قررت أن أتقبل الأمر الواقع , اعتدت على الصمت المحيط بي  ثم احببته حتى أصبحت لا أحب تشغيل الموسيقى في حجرتي وأفضل أن أجلس في هدوء تام .
بعد أن كنت أعاني من التوتر والقلق المستمر صرت أشعر بالراحة والاسترخاء  وبأن الوقت يمر بشكل أبطأ  كثيرا .
 الحقيقة أن  الوقت لا يمر ببطء فعلا ولكن الذي اختلف هو إحساسي بالوقت بدون الانترنت الذي كان يقتات على وقتي ويلتهمه بشراهة , فالخمس دقائق التي أقضيها في تصفح موقع واحد  عادة ما تتحول إلى ساعة لأن الخبر يتبعه خبر والخبر يتبعه تعليق والتعليق يتبعه رد وتعليق آخر  وهكذا تتحول الخمس دقائق إلى أربع ساعات ثم  يضيع اليوم كله  في الشات وقراءة أخبار تافهة والدخول في مشاجرات عقيمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
بعد أن كنت لا أجد الوقت لإنجاز أي شيء  أصبح عندي وقت متسع لإنجاز  كل المهام التي كنت أؤجلها و للقراءة والكتابة والتأمل والتفكير وممارسة الرياضة والجلوس مع أسرتي والخروج من المنزل.
 بعد أن كنت أصارع الأرق يوميا  أصبحت 
أستمتع بنوم عميق وهادئ.
 بعد أن كان عقلي مثل القرد لا يستطيع التوقف عن القفز من فكرة لأخرى أصبح ذهني صافيا وأصبحت قادرة على  التركيز لمدة طويلة بدون مشاكل.
باختصار أصبحت حياتي أكثر هدوءً وأفضل كثيرا بدون انترنت ولكن هل هذا يعني أن علي أن  أتوقف عن استخدامه تماما وأعود إلى عصر ما قبل التكنولوجيا ؟ بالطبع لا. هناك كثير من الأشياء في حياتي تعطلت ومهام كثير أصبح من الصعب علي انجازها بسبب انقطاعي عن  الانترنت.
المشكلة ليست في الانترنت وليست في التكنولوجيا بشكل عام  بل في الإنسان ,  في  حبه للإفراط وقدرته على تحويل أي شيء مهما عظمت فائدته إلى مادة  مخدرة  تفصله عن الواقع و تهدر وقته وتفسد  حياته  , في قدرته على تحويل نفسه إلى عبد للآلات التي اخترعها ,  مشكلة الانترنت أنه يعطينا أكثر مما نحتمل فعقل الإنسان ليس مهيئا  لاستقبال كل  المعلومات والمثيرات البصرية  التي يتلقاها من المواقع الالكترونية ,  لا عجب أنني  أنسى  الأخبار الكثيرة  التي أقرأها على المواقع  بسرعة , ولا عجب أنني كنت أعاني من صعوبة في التركيز في عمل أي شيء لأن  كان ذهني في حالة عمل مستمر بسبب الأخبار والصور والتعليقات والفيديوهات  والموسيقى التي يمطرني بها الانترنت طوال الوقت.  
بعد أن انتهت أيام عزلتي و عدت للإنترنت فوجئت  انه لا توجد رسائل هامة وصلتني ولا توجد أخبار هامة فاتتني وأن أصدقائي الافتراضيين لم يشعروا بغيابي. وهذا ما جعلني أعيد تنظيم  علاقتي بالشبكة العنكبوتية 
قبل أن ادخل على أي موقع أصبحت أتوقف وأطرح على نفسي ثلاثة أسئلة
ما الهدف من دخولي إلى هذا الموقع ؟
هل هذا الهدف مهم  ؟
ما هي المدة التي سأقضيها في هذا الموقع ؟
قررت أن أحد لنفسي المدة التي سأقضيها فيكل موقع أدخله وأن التزم بهذه المدة , وأن أتذكر أن وجود الانترنت عندي 24 ساعة  لا يعني أنني 
يجب أن استخدمه طوال اليوم لأن أي  شيء عندما يزيد عن حده ينقلب إلى ضده ولأن وقتي أثمن من أن أضيعه بدون وعي.

2 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته