قرأت الأسبوع الماضي مقالا  في جريدة النيويورك تايمز  للكاتب وطبيب الأعصاب البريطاني الشهير أوليفر ساكس تحدث فيه  عن أنه  اكتشف  من شهر أنه مصاب بسرطان  في الكبد وأن الأطباء أخبروه أنه لا يوجد علاج لهذا السرطان, المدهش أن الدكتور اوليفر ساكس لم يتحدث عن معاناته مع المرض ولم يعبر عن حزنه لاقترابه من الموت  بل   بالعكس عبر عن امتنانه الشديد لأنه  عاش على هذه الأرض لأكثر من ثمانين عاما وخلال هذا العمر أحب وأعطى وأخذ  وقرأ  وسافر ورأى العالم , السبب في عدم تعبيره عن حزنه هو إدراكه أنه لا يملك الوقت للحزن ورثاء الذات, فإحساسه باقترابه الشديد من الموت جعله أكثر تركيزا  في تحديد ما يريد أن يفعله بالوقت المتبقي له لذلك نجده يكتب في المقال
  
أشعر بالحياة أكثر, أتمنى وأرغب في الوقت المتبقي لي أن  
أعمق  علاقاتي و أودع من أحب وأن أكتب أكثر و أن أصل لمراحل عليا من الفهم والبصيرة. لقد أدركت أنه  لا يوجد لدي  وقت لأي شيء غير ضروري , يجب أن أركز على نفسي وأصدقائي وعملي , يجب أن أتوقف عن مشاهدة  الأخبار و الانتباه للسياسة  والجدل حول الاحتباس الحراري "
في نهاية المقال تحدث الدكتور أوليفر عن فردية الإنسان في الحياة والموت  
  " الناس لا يمكن أن يتعرضون للاستبدال , عندما يموتون  يتركون فراغا لا يمكن ملآه 
, انه قدرهم , كل إنسان قدره أن يكون  كائنا متفردا , قدره أن يعثر على طريقه وأن يعيش حياته الخاصة وأن يموت بطريقته الخاصة"
أوليفر ساكس 

مقال الدكتور أوليفر أثر في نفسي وجعلني أفكر وأتأمل وأتساءل  كيف سيكون شعوري لو كنت مكانه ؟   هل ستبقى نظرتي للحياة كما هي أم ستتغير؟  
 عندما فكرت في الأمر أن  أدركت كل مشاكلي وهمومي ستتضاءل وتصغر وتصير تافهة جدا  وكل الأشياء التي امتلكها وكل الانجازات  التي حققتها  ستصير بلا  قيمة  عندما اقترب من الموت  ,  الشيء الوحيد الذي سيعينني قبل أن أغادر الدنيا أن أشعر أنني عشت حياة صالحة وهادفة التزمت فيها  بمبادئي وأخلاقي  وحاولت  بقدر المستطاع أن أجعل العالم مكانا أفضل. 
رغم أن  الموت هو النهاية المحتومة لكل كائن حي إلا أننا نخاف منه  ونتجنب دائما الحديث عنه و ننكر قدومه و نوهم أنفسنا أنه بعيد عنا ,و نترك دوامة الحياة اليومية تبتلعنا, نهدر  وقتنا  في  العراك والصراعات نشغل عقولنا  بالصغائر والتفاهات, وفجأة يدق الموت أجراسه ويجبرنا على الاستيقاظ فنكتشف أن العمر  الذي كنا نظنه طويلا كان قصيرا  وأننا لم نحقق أي شيء له معنى و  لم نستمتع بالحياة ولم نقضٍ وقتا كافيا مع أحبائنا , و أن  كل الأشياء التي كنا نرهق أنفسنا من أجل الحصول عليها كانت سرابا وأن الوقت الذي ضاع  لا يمكن أن نسترده وأن كل الأشياء التي كنا نستهين بها  ونراها من المسلمات  عطايا ونعم  لم نحسن تقديرها.
 المشكلة أننا نستيقظ دائما بعد فوات الأوان فنحن لسنا في حاجة لأن نواجه الموت  حتى نتعلم تلك الدروس   ,الموت قريب منا جميعا بنفس الدرجة وأي لحظة من الممكن أن تكون أخر لحظات حياتنا, لا يجب أن يكون الموت مرادفا للخوف والكآبة بل يجب أن يكون  أكبر معلم للإنسان وأكبر حافز له حتى يقدر كل دقيقة تمر عليه في الحياة ويعيشها حتى النهاية بتركيز ورؤية وهدف , الموت نقطة النهاية التي تجعل من الحياة رحلة قصيرة يجب أن تستفيد منها ونستمتع بها قبل أن تنتهي. 
يمكنكم قراءة مقال الدكتور أوليفر ساكس كاملا من هنا
http://www.nytimes.com/2015/02/19/opinion/oliver-sacks-on-learning-
he-has-terminal-cancer.html?_r=4

 إذا أعجبتكم مقالاتي فيمكنكم طلب خدماتي 
بسهولة من خلال موقع خمسات
https://khamsat.com/writing/copywriting 

2 تعليقات

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته