هذه القصة أهديها  لكل شخص لديه حُلم  ولكنه فشل في تحقيقه لأن اكتشف أن  المسافة بينه وبين  حلمه  بعيدة  أو لأنه يشعر أن  الأوان قد فات على السعي وراء حلمه, لكل من يشعر أنه فشل في  ظروفه أقوى من إرادته, لكل من يشعر أن نقاده أعلى صوتا منه, إنها  قصة فنان استطاع أن يتحدي ظروفه ومجتمعه ونقاده ولم يستمع إلا لنداء الفن وفي النهاية انتصر على الجميع وأصبح من أهم الأسماء في تاريخ الفن التشكيلي,  إنه الرسام الفرنسي هنري روسو.
 ولد هنري روسو في عام 1844 في أسرة فقيرة ,   درس القانون وكان  يعمل جامعا للضرائب في باريس , استحوذت عليه الرغبة في الرسم وهو في الأربعين من عمره , لم يقل له أحدًا أنه موهوب, لم يشجعه أحد على الرسم ولم يكن يملك المال الكافي لتعلم الرسم  لكن لأنه كان يريد أن يرسم بأي شكل. اشترى الفرشاة والقماش والألوان وقرر أن يعلم نفسه بنفسه, ذهب  إلى متحف اللوفر وأخذ يتأمل  لوحاته المفضلة 
طويًلا ويدرسها ويفحص الصور في المجلات والكتب حتى يتعلم تشريح الجسم البشري,

بعد أن بدأ روسو الرسم قام بعرض لوحاته في معرض فني ولكن لوحاته لم تلقً  سوى 
 الاستهجان والسخرية من الناس والنقاد الذين  سخروا من أسلوبه البسيط البدائي في الرسم الذي يشبه الأطفال, لم يعبأ روسو  بانتقاد الناس له وواصل الرسم والتعلم, كان روسو يذهب كل عام  للمعارض الفنية لعرض لوحاته على أن أمل أن يغير رأي النقاد فيه, لكنه ظل يلقى نفس  الاستهجان والسخرية. كان النقاد يقولون  عنه انه يرسم بقدميه وأن لا أحد يمكن أن يعجب بلوحاته سوى رجل الكهف.
مع ذلك تجاهل روسو النقاد  واستمر لأنه كان يعشق الرسم , كانت أغلب لوحاته تصور  الغابة لأنه كان يحب الطبيعة بشدة .
 في إحدى الليالي حلم بأسد ينظر إلى غجري نائم فاستيقظ لكي يرسم تلك اللوحة ,
التي سماها الغجري النائم 

اعتقد أن تلك اللوحة الرائعة ستعجب النقاد ولكنهم سخروا منها كالعادة , لم يتأثر روسو بكلام النقاد لأنه اعتاد على انتقاداتهم  , كان يستيقظ كل يوم مبتسما للوحاته.كان  يعلم أن الأشكال التي يرسمها أبسط من الرسامين الآخرين ولكن هذا كان سر جمال لوحاته وتميزها.
استمر روسو في الرسم بحماس لسنوات طويلة حتى ترك عمله وتفرغ للرسم تمامًا , وفي النهاية استطاع أن يحصل على الاحتفاء والتقدير الذي يستحقه ولكن بعد أن صار رجلا عجوزا تجاوز الستين, لقد حصل على الاهتمام ليس من النقاد ولكن من جيل آخر من الفنانين الشباب الذين تأثروا بلوحاته ,إذ أن روسو الذي كان معروفا بكرمه  صادقهم, وكان يقيم من أجلهم الحفلات الموسيقية في الاستديو الخاص به , في نهاية حياته استطاع روسو أن يحقق النجاح  الذي يستحقه  بعد أن نجحت لوحته الأهم " الحلم "  في تحقيق النجاح الجماهيري والنقدي  ,وأصبح روسو من أهم الرسامين العالميين الذي ينتمون للمدرسة  ما بعد الانطباعية, وصارت لوحاته تُعرض في فرنسا و العالم كله , لقد بقيت لوحاته الرائعة صامدة في وجه الزمان  كما   أن لوحاته  أثرت على الجيل اللاحق له مثل بابلو بيكاسو,جين هيجو , ماكس  بيكمان ولكن روسو كان ناجحا قبل أن يعترف الناس بفنه , روسو كان ناجحا لأن النجاح لا يعني  بالضرورة الشهرة والنقود والمبيعات , روسو كان ناجحا لأنه كان مؤمنا بنفسه وبفنه ولأنه كان سعيدا بما يفعله ولأنه لم يدع  ظروفه أو أراء الآخرين في فنه تعوقه  عن الاستمرار في الرسم,  لذلك فإن احتفاء الآخرين المتأخر به واعترافهم بموهبته الفذة  كان  تحصيل حاصل ولم يكن  شرطا أساسيا لاستمراره  في طريق الفن, تخيلوا ماذا كان سيحدث  لو  استمع روسو إلى نقاده 
 واقتنع أنه لا يجيد الرسم .
يمكنكم التعرف أكثر على فن هنري روسو عبر موقع ارتزي المتخصص في الفن التشيكلي 

المصدر
موقع Brain Bickings

0 تعليقات