تستيقظ مبكرا, تصنع لنفسك كوبا من القهوة أو الشاي ,تضع الأوراق أمامك وتمسك بالقلم أو تجلس أمام الكمبيوتر وتفتح برنامج الورد, تحرك يديك وتبدأ في  الكتابة ,تغمض عينيك, تحاول أن تبحث عن فكرة روايتك الجديدة  أو تحاول أن تتخيل المشهد الذي تريد كتابته, تفاجئ  أن عقلك  فارغ تماما, تجد نفسك عاجزا عن كتابة جملة سليمة كأنك طفل لا يزال يتعلم الهجاء , تنظر إلى ورقتك البيضاء, فراغها يستفزك, تكتب عليها أي شيء فتخرج العبارات رديئة والأفكار سيئة, تشعر بالإحباط فتقرر أن تترك الكتابة حتى تترك لنفسك مساحة للتفكير , تعاود المحاولة ولكنك تبوء بالفشل فيزيد إحباطك  وتتساءل عن سبب عجزك عن الكتابة  أو الخروج بفكرة جديدة, لماذا هربت الأفكار من عقلك وهل سيطول هروبها ؟ يساورك  الشك في قدرتك الإبداعية  وتتساءل  هل فقدت موهبتك أم أنك لم تكن موهوبا بالأساس؟
إذا كنت عانيت من العجز عن الكتابة فأنت لست وحيدا , هذه الحالة يمر بها كل الأدباء  وتسمى بالانجليزية
Writer’s block
  هذا مصطلح اخترعه المحلل النفسي ادموند بيرجلر عام 1947  هو يشير إلى عجز الكاتب كليا عن ممارسة الكتابة أو الخروج بأفكار جديدة  وكلمة
Block
تعني سد أو حاجز
والأديب عندما يعجز عن الكتابة يشعر أن هناك حاجزا سميكا يفصل بينه وبين الأفكار وكأن أبواب  الإبداع أغلقت في وجهه.
 هذه الحالة  لا تحدث للأدباء المبتدئين  فقط ولكنها شائعة حتى بين الأدباء المحترفين, فأشهر من عانوا منها كان الأديب الأمريكي سكوت فيتزجرالد صاحب الرواية الشهيرة " جاتسبي العظيم ".
علاج العجز عن الكتابة يختلف باختلاف أسباب وهي
1- الخوف
إذا انتظرت الكمال فلن أكتب حرفا واحدا
مارجريت أتوود
الخوف من وجهة نظري هو العدو الأكبر لأي مبدع وهو  الإحساس المشترك  بين جميع الأدباء سواء كانوا مغمورين أو مشهورين, مبتدئين أو محترفين , الأديب  المبتدئ يخاف ألا يكون لديه الموهبة الكافية, يخاف  أن  يضيع وقته في كتابة رواية رديئة  ويخاف أن يفشل   في جذب القراء, والخوف يسيطر على عقله لدرجة أنه  يتخيل  المشتركين  في موقع جود ريدز  يمزقونه إربا ويضعون روايته في قائمة أسوأ الكتب على الإطلاق أو قد يقارن نفسه بتولتسوي أو بنجيب محفوظ  فيشعر بالضآلة  ويعتقد أنه لا يمكن أن يصل إلى ما وصلوا إليه,  أما الكاتب المحترف الناجح فينشأ لديه نوعا أخر من الخوف ألا وهو الخوف من عدم القدرة على تكرار النجاح فنجاحه يلقي على عاتقه مسئولية ضخمة ويجعله يرغب  في إبهار قرائه وفي التفوق على نفسه, الخوف مرجعه طموح الكاتب وحرصه على تقديم  الأفضل, المشكلة أن هذا الطموح  يتحول أحيانا من محفز إلى عائق يصيب عقله بالشلل ويجعله عاجزا عن الكتابة لمدة طويلة.
الحلاعترف أنك خائف ثم تحدى خوفك  وامض في الكتابة كأن لا أحد سيقرأ ما كتبته, لا تفكر كثيرا فيما ستكتبه حتى لا تنتقد نفسك, اكتب أي جملة  تمر على عقلك حتى لو كنت تعتقد أنها ضعيفة أو رديئة, تذكر أن الأدباء العظماء الذين تعشقهم كانوا في يوم من الأيام مثلك مبتدئين ولكنهم صاروا عظماء بالاستمرار في الكتابة والعمل على تحسين أنفسهم, لا  تتوقع أن تكون كلماتك رائعة من أول مرة تذكر أن بإمكانك تصليحها وتحسينها, بعد أن تفعل ذلك ستجد نفسك بالتدريج عدت إلى ما كنت عليه لأن فعل الكتابة نفسه سيحرر اللاوعي بداخلك وسيزيح الأحجار التي تقف في نهر إبداعك .
2- الملل
لم أعمل  ليوم واحد في حياتي , فمتعة الكتابة هي التي دفعتني يوما بعد يوما وعاما بعد عام
راي برادبوري
العدو الثاني للإبداع بعد الخوف هو الملل, الملل يسلبك القدرة على التخيل  لأنه يجعلك ترى كل شيء حولك عاديا, مسطحا بلا أهمية ويسلب منك الفضول والشغف والمتعة  التي تصاحبك وأنت تكتب وحينئذ تصير الكتابة عملا أو واجبا ثقيلا,
 ما الذي  يجعلك تقبل على الكتابة في موضوع ممل ؟
ربما لأنك تريد أن تصبح كاتبا مهما ولأنك تعتقد أن الكاتب المهم هو الذي يبحث عن الموضوعات التي يراها المجتمع مهمة وخطيرة, أو ربما لأنك اتجهت للكتابة في نوعية معينة من الكتابات التي يراها الناشرون رائجة ومربحة معتقدا أنك بهذه الطريقة ستتمكن من جذب القراء وتحقيق مبيعات كبيرة.  
الحل : تذكر مقولة أوسكار وايلد " الفنان الحقيقي لا يهتم بالجمهور ", لا تفكر كثيرا في رد فعل القراء على ما ستكتبه وتذكر أن الكتابة بدأت بالنسبة لك كهواية وكوسيلة للتعبير عن نفسك, لا تكتب إلا في الموضوعات والقضايا التي تستهويك وتثير فضولك, وعندما يعود لك الحماس وتنتابك السعادة والحماس للكتابة, اعرف  أنك تسير على الطريق الصحيح.
3- وجود أخطاء في الرواية
 من المعروف أن العوامل الأساسية التي يقوم عليها العمل الأدبي هي القصة والأحداث والحبكة والشخصيات, وعجزك عن المضي في كتابة روايتك  قد يكون جرس إنذار غرضه تنبيهك أن هناك شيئا خاطئا في تركيب الرواية أو في رسم الشخصيات أو في التخطيط للحبكة أو في ترتيب الأحداث, فعندما تكون عاجزا عن تحريك الشخصيات فقد يعني هذا أنك لم ترسم شخصيات آدمية قادرة على الحركة والكلام وعندما تكون عاجزا عن تخيل المشهد التالي في الرواية فإن ذلك يعود ذلك إلى عدم منطقية الأحداث أو إلى وجود خطأ في الحبكة.
 الحل : اترك الرواية لعدة أيام ثم عاود قراءتها من البداية بتأني حتى تتعرف على العنصر المفقود فيها, كما بإمكانك أن تخطط لكل فصل ولكل مشهد في الرواية  قبل أن تكتبه حتى تستطيع أن تربط  جميع الأحداث ببعضها.
4- الضغط والإرهاق

قد  تكون مرتبطا بميعاد محدد عليك أن تنهي فيه روايتك  فتشعر أن  تكتب وفوهة المسدس مصوبة على رأسك  مما يضع عليك ضغطا نفسيا كبيرا ويجعلك عاجزا عن التفكير بصورة صحيحة, فتجلس لساعات طويلة لتكتب وتراجع ما كتبته حتى تصاب بالإرهاق وفي النهاية تجد نفسك عاجزا حتى عن تحريك يديك  , لقد جفف التعب والضغط كل منابع الإبداع لديك وتركك مستنزفا بلا طاقة على أي فعل أي شيء.
الحل : اعطِ لنفسك أجازة من الكتابة لعدة أيام حتى ترتاح وتجدد نشاطك , وعندما تعود إلى الكتابة لا تضغط على نفسك , حدد ساعات معينة للكتابة وتوقف  قبل أن تشعر بالإرهاق.
5- انعدام التركيز:
 نقص التركيز و الانتباه هي  إحدى أكبر  المشاكل التي يعاني منها الإنسان في العصر الحديث ,وسبب هذه المشكلة راجع إلى ازدياد مصادر الضوضاء و تشتيت الانتباه , فكيف بإمكانك أن تركز في الكتابة  وأنت محاط بعشرات المواقع المسلية والألعاب الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي لديها قدرة سحرية على جذبك  وهدر وقتك لساعات طويلة بالإضافة للهاتف المحمول الذي يجعل  الناس  بإمكانهم الوصول إليك في أي مكان.
الحل : حدد لنفسك وقتا معينا للكتابة وليكن في الصباح الباكر أو في الليل المتأخر   , اختر مكانا هادئا  ثم  اغلق هاتفك المحمول وافصل الانترنت عن حاسبك وابتعد عن 
الأجهزة الالكترونية حتى تصفي ذهنك وتنتهي من الكتابة

يمكنكم قراءة هذه التدوينة في مدونتي يوميات كاتبة  
http://writerdairy.blogspot.com/2014/11/blog-post.html

1 تعليقات

  1. أحببت المقال جداً ، وآوافق المكتوب :)
    أشعر بأن لدي داخلياً ما أريد أن آكتبه ، ولكن عادة ما تسيطر علي حالة من التفكير الطويل
    التي تسلبني لحظة بداية الكتابة
    وأشعر بأن ذهني مشتت عن الكتابة
    فعلا الوصول للكمال غير ممكن !

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته