استقل  رضا  الأتوبيس  المتجه لكفر الشيخ من أجل حضور عزاء عمه  عبد الصمد الذي توفى فجر اليوم بعد أن أصيب بأزمة قلبية مفاجئة .
  تملكه شعورا مفاجئا   بالسعادة   عندما  أدرك أنه سيرث كل أموال عمه  , فهو ابن شقيقه  الوحيد و الرجل لم   ينجب ولم يكن متزوجا قبل   وفاته   .   
لقد عمل عمه لمدة  عشرين عاما  في إحدى دول الخليج, وبعد أن مل من الغربة  وكون ثروة لا بأس بها عاد للاستقرار في مصر نهائيا  و اشترى  قطعة أرض زراعية  ثم وضع باقي أمواله في البنك  
حاول أن رضا أن يخمن مقدار ثروة عمه ؟ هل هي مليون أم اثنين أم ثلاثة .
لا يهم , مهما يكن مقدراها   فإنها بالتأكيد  ستحل له معظم مشاكله في الحياة وتجعل منه مليونيرا . أحدثت كلمة مليونير    في نفسه شعورا بالنشوة لم يختبره من قبل ولأول مرة أعطى لنفسه الحق في الحلم وأخذ يفكر فيما يمكن أ ن يفعله   بميراثه   .
قال لنفسه  لابد أن  أرحم نفسي وزوجتي من مهانة ركوب  المواصلات العامة و أشترى سيارة محترمة ولكن ما هي  الماركة المناسبة التي يجب أن أشتريها  .  
بعد أن أحتار رضا  في اختيار الماركة  تذكر  مرة أخرى   أنه قريبا  سيصير  مليونيرا    فتجددت الدهشة داخله وقال لنفسه هناك شيئا  أهم من السيارة لابد   أن أفكر في شراءه 
فلا يمكن لرجل ثري مثلي  أن يعيش في شقة مكونة من حجرتين ضيقتين وصالة صغيرة . يجب أن أشتري شقة واسعة مكونة من   أربع حجرات  .
لا  سأشتري فيلا كبيرة  .
 وعلى الفور قفزت أمام رضا  صور الفيلات الفاخرة التي يراها في التليفزيون  .
  تخيل نفسه مثل أبطال الأفلام الأثرياء يرتدي روبا حريريا  ويجلس في حديقة الفيلا الكبيرة  صباحا بجوار زوجته  ويدخن السيجار الكوبي  ويشرب عصير المانجو الطازج  بينما يلعب أطفاله في الحديقة الواسعة ويعومون في حمام السباحة الكبير ,   فانشرح صدره  وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة   .
 انتقل تفكيره لمصدر رزقه فرأى انه يجب أن يستقيل  من وظيفته  الحكومية التي يأخذ  منها مرتبا لا يغني ولا يسمن من جوع ويقوم  بعمل مشروعه  خاص .
تساءل إذا كان عليه أن  يلبي رغبة زوجته التي طالما  حلمت  بامتلاك  محل ملابس  أو يستغل دراسته  في كلية الزراعة  ويقوم بشراء أرض لكي يستصلحها ويزرعها .
بدت له الفكرة الأولى أفضل لأنه إذا  أشترى أرضا  سيضطر أن يترك القاهرة ولقد تعود على الإقامة فيها  ,   ولكنه لا يفهم في  بيع الملابس ,   من الممكن أن يفتح محل خردوات أو نت كافية   . إنه مشروع مضمون المكسب   فلا يوجد شاب ولا طفل لا يحب الذهاب لمقاهي النت .
استيقظ رضا من  أحلامه عندما سمع  صوت السائق وهو يطلب من الركاب النزول فنزل معهم .
عندما وصل لمنزل عمه  كانت صلاة الجنازة قد بدأت فانضم  لباقي المصلين ثم توجه لشقة عمه وجلس بجوار جيرانه  وأصدقائه و أخذ يتلقى   منهم كلمات العزاء المعتادة  .
 بعد دقائق اقترب منه رجل أصلع  في منتصف العمر   وبعد أن قام بتعزيته عرفه بنفسه قائلا    انه محامي عمه  .
اتسعت عينا رضا من الدهشة  ثم بدا على وجهه استبشارا   حاول أن يداريه لعدم تناسبه  مع   جو العزاء   . جلس المحامي  على بعد كرسيين منه  فظل رضا   يختلس إليه  نظرات ملهوفة متسائلة وفي النهاية  قام من مكانه و  جلس بجوار المحامي  وأخبره  بصوت منخفض مرتجف أنه  يريد  الحديث معه في أمر مهم  .
سأله المحامي  "خير " فقال
 - اعلم أن سؤالي ليس مناسبا ولكني أريد أن أعرف  متى ستقوم بإجراءات  إعلام الوارثة؟
بدت الدهشة على وجه المحامي فاعتذر له رضا قائلا  
 - أنا لا أريد الأموال الآن ولكني أريد فقط معرفة  مقدار الثروة التي سأرثها  ؟ .
ارتسمت على وجه المحامي ابتسامة مريرة  و قال لرضا 
- عن أي ثروة تتحدث ؟   لقد ضاعت ثروة عمك من وقت طويل .
 ألم تعلم أنه أهدر جزء كبير  من أمواله   في    المضاربة في البورصة وبعد ذلك اشترك مع أحد أصدقائه في مشروع لتربية الدواجن ولكنهما اختلفا بعد أن  فشل صديقه  في إدارة المشروع مما أدى لخسارته  جزء كبير من ثروته ,  فباع  أرضه الزراعية وسيارته المرسيدس   لتسديد ديونه  لدرجة أنه في أخر أيامه كان يعيش من معاش شركة الكهرباء التي كان يعمل بها قبل سفره.
أصيب رضا بصدمة شديدة أعجزته عن الكلام والتفكير   , وقبل أن  يدخل في نوبة من الحسرة على حظه العاثر     نظر المحامي له  بعطف  ثم قال له
-  لا تحزن فهناك شيء واحد لم يبعه عمك وسوف ترثه    
عادت  الحيوية لوجه رضا   وصاح   كالطفل المتحمس
 -  صحيح ولماذا لم تقل لي ذلك  من قبل وما هو هذا الشيء  ؟
-  سيارته   وهي ماركة نصر 131 وحالتها جيدة جدا  .من الممكن تستعملها  أو  تبيعها .
نظر رضا للمحامي بغيظ فقد تصور   أن ميراثه سيكون   أرض زراعية أو مبلغ كبير من المال  وليس    سيارة نصر مستعملة  ,  ثم شعر بالندم لأنه سارع  في الفرحة  وسمح لنفسه أن يحلم  .
 استلم رضا  السيارة من المحامي و ركبها . وضع يديه على عجلة القيادة    ثم أخذ يتطلع  لسائقي السيارات الملاكي  الذين كان ينظر لهم  دائما  بنظرات حاسدة من شباك الأتوبيس المزدحم    , فشعر بالزهو وعاد  لقلبه قدر قليل  من البهجة وقال لنفسه 
" أنا  أملك شيئا بعد أن كنت لا أملك أي شيء " .



0 تعليقات