كانت الدهشة تستولي على   طالبات المدرسة عندما   يشاهدن  نادين  وسارة  تلعبان معا في الفناء ويتساءلن لماذا قبلت  سارة  وهي الأولى  على المدرسة أن تكون صديقة لنادين التي لا تستطيع  أن تعبر أي  سنة  دراسية بدون ملحق ؟   .
الحقيقة   أن  سارة كانت  ترى في  خفة   دم  نادين  وحكاياتها المسلية   مصدرا   للترفية   لها بعد ساعات طويلة من المذاكرة  , أما نادين فكانت  تستغل اجتهاد  سارة وتفوقها حتى  تشرح  لها  ما فاتها  من دروس   .
     كانت سارة  تتعجب  من استهتار نادين بالتعليم  وكانت     تحثها على قضاء وقت أطول في المذاكرة  و وقت أقل في اللعب والرحلات  حتى تحصل على مجموع كبير  وتدخل كلية محترمة    . كانت نادين  تضحك على كلامها  و  ترد عليها باستهانة  قائلة
" مفيش فرق "  فكانت سارة تصمت وتتجنب مجادلتها حتى لا تخسرها .
مرت السنوات و   جاءت السنة الأهم في حياة سارة ونادين  وحياة كل طالب ألا وهي الثانوية العامة.
 واصلت سارة اجتهادها حتى حصلت سارة على 98 في المائة  وحققت حلمها بدخول كلية الهندسة بينما حصلت   نادين على   ستين  في المائة  والتحقت  بقسم العلاقات العامة في إحدى الجامعات الخاصة وابتعدت عن سارة .
   واصلت سارة الصعود في سلم  التفوق في القسم المدني  بكلية الهندسة   حتى تخرجت بتقدير جيد جدا  .  كانت متيقنة  أن تفوقها سيفتح لها أبواب الشركات المغلقة وسيرفعها إلى أعلى الدرجات الوظيفية , وكانت تظن   أن  الترحاب الذي تٌقابل به  و الوعود التي تٌقدم لها  صادقة   فكانت تجلس   بجوار هاتفها في انتظار الرد ولكن مرت الأيام و ظل هاتفها صامتا  .
ولأنها لم تعرف في حياتها شيئا غير التحصيل العلمي    ظنت أن الماجستير هو   الحل . 
 وبالفعل بعد  ثلاث سنوات حصلت على درجة  الماجستير بمرتبة الشرف    وأعادت التقدم   بأمل متجدد  ففوجئت بتكرار الرفض و كان السبب هذه المرة  أنها صارت خريجة قديمة .
    حام   شبح اليأس  حولها   مع مرور الوقت وطول الانتظار  و أدركت أنها لا يمكن أن تطرده   إلا بالبحث عن أي وظيفة في أي مجال بأي مرتب    .
لفت نظرها  إعلانا  عن مركز طبي يطلب موظفات استقبال ولا يشترط الخبرة  والمرتب   ألفين  جنية   . أغراها المرتب الكبير لكي تجرب حظها .  
دخلت المركز فأبهرتها فخامته وأناقة موظفيه .
 رحبت بها السكرتيرة ثم  طلبت منها  أن تنتظر  حتى  تقابل المسئولة  عن شئون العاملين .
وبعد لحظات أشارت لها   بالدخول وبمجرد أن دخلت  المكتب و رأت نادين  تجلس أمامه تصلبت  في مكانها مصعوقة    .
 عجزت كلتاهما عن الكلام لعدة ثوان  ثم قطعت نادين الصمت ورحبت بسارة وقالت لها أنها سعيدة برؤيتها  وأنها  فكرت كثيرا في الاتصال بها  ولكن رقم تليفونها ضاع منها  .
شكرتها سارة على حسن الاستقبال  و  سألتها إذا كانت هي فعلا  المسئولة عن شئون العاملين  . أكدت لها سارة  صحة المعلومة  وأخبرتها أنها تعمل في هذا المركز منذ تخرجها   فالدكتور مصطفى صاحب المركز صديق قديم لوالدها  وعندما عاد لمصر بعد فترة طويلة من العمل في الخارج  قرر افتتاح هذا المركز  ,وعندما عرف والدها أنه يريد موظفين في  العلاقات العامة أرسلها له  .
أُعجب الدكتور مصطفى  بشخصيتها وثقتها في نفسها ومعرفتها الجيدة بالعلاقات العامة فعينها فورا  .
  وخلال فترة قصيرة نجحت في عملها واستطاعت كسب ثقة الدكتور الذي شجعها على الحصول على دورات في إدارة الموارد البشرية   وساعدتها هذه الدورات في الحصول على الترقي سريعا  لدرجة أنها أصبحت تدير المركز في غياب الدكتور  .
كانت نادين تتحدث عن عملها  بزهو وفخر شديدين يشبه الفخر الذي كان يملأ   سارة  عندما  تتحدث عن الدرجات النهائية التي حصلت عليها   .
 تذكرت نادين  أن سارة جاءت للتقدم في  وظيفة فبدا على وجهها الاستغراب   وهي تسألها
- انتي مش خريجة كلية الهندسة برضه
بدا الشحوب على  وجه سارة عند سماعها اسم كليتها  ثم هزت  رأسها للأمام    ببطء .  
  أرسلت نادين  لسارة نظرة كالتي تمنحها  لبائعة المناديل في الإشارة  قبل أن تعطيها بضع جنيهات  ثم قالت لها بحنو مفتعل
 - معلش , أنا هاوصي الدكتور عليكي علشان يشغلك   .  
انتفضت سارة  واقفة  وقالت لها   بحدة
 - لا  بلاش توصيه أنا خلاص  غيرت رأيي   , أنا  مش عايزه اشتغل عندك 
ضحكت نادين وهي تقول لسارة
- انتي مش هتشتغلي عندي   إنتي هشتغلي عن الدكتور وبعدين دي وظيفة متتعوضش اوعي تضيعها على نفسك

 ندت عن سارة ابتسامة مستهينة  ثم قالت لنادين   قبل أن تغادر الغرفة   "  مفيش فرق "

0 تعليقات