في رثاء يوم الجمعة

يوم الجمعة أفضل الأيام عند الله كان  قديما هو  أفضل الأيام عندي  .


 وكيف لا أحب يوم الجمعة و قد كان يوم  أجازتي  من المدرسة  قد كان  اليوم الوحيد الذي  أستمتع  فيه بالنوم الهادئ المتأخر   مع اختفاء   ضجيج الشارع وأبواق السيارات    .


 استيقظ في العاشرة صباحا  لأشاهد برنامج سينما الأطفال وأتناول مكرونة شعرية باللبن التي تبرع أمي في إعدادها  .

  استمع لصوت الأذان فتغمرني  السكينة و الطمأنينة .

  يعود أبي من المسجد ليشاهد حديث الشيخ الشعرواي  .

 تجمعنا مائدة الغداء ونشاهد فيلم أبيض وأسود أو مسرحية كوميدية لطيفة  و  أقوم  بعمل واجباتي حتى الليل ثم أنام في سلام  .

تمر السنوات أسرع من الضوء و تأتي الثورة وتغير  معها طبيعة الحياة في  مصر    ,ويصير يوم الجمعة   عنوانا  لأفلام رعب وأكشن  واقعية تٌعرض حصريا في الشوارع المصرية  أبطالها متظاهرين   لا يملكون سوى أصواتهم الغاضبة  .

يتم شحن الناس  للنزول باسم الثورة والوطن  , ينصب الإعلام كاميراته ويتحفز لنقل الأحداث.

تكتظ الشوارع والميادين بالمحتجين  وتتعالي الحناجر بالهتافات  منادية بكلمة الشعب يريد بينما يظل أغلب أفراد الشعب  جالسين   في بيوتهم   يتابعون  الأحداث في التليفزيون  وقلوبهم  ترتجف خوفا من النتائج     , تحدث الاشتباكات  المحتومة , يسقط الجرحى والقتلى  ويقيم الإعلام حفلاته  على جماجمهم .

تتعدد علامات الاستفهام حول المجرم والضحية   و تتكاثر الأفواه التي تجيد الثرثرة والهراء   وتندر الإجابات وتتواري الحقيقة وراء ستار كثيف .

 يدعي كل طرف أن الثورة معه والحق معه و الشعب معه والشرعية معه

وأن الطرف الأخر   مجرم وعميل وخائن .

 كل يوم جمعة يحمل معه  مليونية جديدة ومطلب جديد  ,  بدأنا بجمعة الغضب ولا نعرف متى ستنتهي . 


  وبعد أن كانت  مظاهرات يوم الجمعة  تحمل معها رياح التغيير الحقيقي  صارت  عبئا على الوطن  وسقطت أسماء المليونيات  من ذاكرة الناس  لأنها  استنفذت أغراضها و لأن   من يقومون بها  تصوروا  أن الهتافات  هي الوسيلة الوحيدة لتغيير  العالم  ونسوا  حقائق عديدة .

   نسوا أن  مصر الذين يتحدثون باسمها ويتصارعون على حكمها  صارت أشلاء وطن يعيش على الاستجداء من دول العالم .

نسوا  أن الشعب الذين يتحدثون باسمه  فرقوه لشعوب عديدة   وكل شعب منهم  مقتنع  أن مصلحته تقتضي القضاء  على الطرف الأخر حتى يعيش سعيدا في البلد  .

نسوا أن الفقراء الذين يتحدثون  باسمهم ويتاجرون بأسمائهم   هم أكثر من تعرضوا للانسحاق وأكثر من فقدوا  وظائفهم بسبب الاضطرابات السياسية المستمرة    .

 نسوا  أنهم نجحوا في هدم  النظام الذين يطالبون بتغييره   ولكنهم لم ينجحوا في بناء شيء ثابت   يحل محله  .

نسوا  أن مصر  أعمدتها تتهاوى كل يوم  تدريجيا  وأن الخراب والدمار   لم   يفرق بيننا وبينهم .

وأخيرا نسوا أن الهتافات ليست كل شيء وأنه  لا مفر  لديهم من اللعب بقواعد السياسة إن أرادوا أن يحققوا أي هدف يحلمون به .

  أشاهد   المآسي  التي تحدث  والدماء التي تسيل عبثا  كل يوم جمعة  فأجد نفسي أقلد العجائز وأترحم على أيام زمان   ,  أيام   الجمعة الرتيبة الهادئة  وأزداد تقينا أنها تلك الأيام  لن تعود لأنها ماتت  مثل كل الأشياء البسيطة والجميلة  التي ماتت في الوطن .  

2 تعليقات

  1. وتأتى الجمعة تلو الجمعة والسؤال الذى يحمله صباح الجمعة " هيه النهاردة جمعة أيه"... فقد الجمعة خصوصيته ولمته التى اعتدناها صغارا ونشتاق اليوم إليها شبابا.. عبرت عما يعتمل فى نفس كل منا ممن أفتقدوا يوم الجمعة بكل ما كان يعنيه من يوم عائلى خاص أو على أقل تقدير يوم الإجازة الأسبوعية

    ردحذف
  2. تصورى يوم الجمعة ده مرتبط عند كل واحد بذكريات
    تقريبا متشابهة فى المعنى و الجوهر و مختلفة فى التفاصيل

    معاكى حق ان يوم الجمعة فقد بريقه
    و لكنه سيظل الجوهرة التى تغطيها بعض الاتربة

    تحياتى

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته