زيارة خاصة 

استولى علي  القلق   عندما اتصل بي أحد الضباط    ليخبرني أنه وقع على الاختيار لزيارة القبطان   في محبسه .

سألته   لماذا لم تختاروا  أحدا من أهله أو أصدقائه   و اخترتموني   رغم أنني لم أكن أكثر من مجرد مساعد  له   ؟  .

قال لي  مهمتي تنفيذ الأوامر وليس شرحها  .
  وافقت على هذه الزيارة من أجل أسرته الذين أرادوا الاطمئنان عليه من خلالي .
دخلت لأجده جالسا على أريكة في زنزانة أشبه بحجرة   صغيرة   تحتوي  علي  سرير   وثلاجة ومنضدة خشبية .
 كان  يرتدي بيجامة بيضاء  ويضع نظارته الطبية على عينيه ,ويحمل القرآن بين يديه ويقرأه بصوت هامس و  على وجهه علامات الخشوع   .
رفع رأسه لأعلى  ثم بدت على  وجهه علامات  الصدمة  لما رآني  ,ولكنه   داري انفعاله بسرعة   وعاد  لقراءة القرآن  متجاهلا وجودي .
 قاومت شعوري بالإهانة لرد فعله و     ألقيت عليه السلام  فاضطر أن يتوقف عن القراءة ويجيبني . 
سألته بلهفة
- كيف حالك أيها القبطان    ؟
 وجه لي نظرة صارمة  و ظل يضغط على الحروف  وهو يقول  
- الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه . أنا  في أتم صحة وأفضل حال .
ابتسمت له وهتفت في حماس
-    زوجتك وأولادك   يرسلون لك السلام   و يعبرون لك عن حزنهم على ما تعرضت  له  ,ويريدوك أن تطمئن فلقد    وكلوا لك محاميا بارعا وهو سيفعل كل ما بوسعه لإخراجك من سجنك .
   رفع حاجبيه في اندهاش وأشار إلى باحتقار
- وما دخلك أنت بسجني  وما الذي  أتي بك إلى هنا  أصلا ؟
- أسأل السلطات   هم   الذين اختاروني   لزيارتك ؟
- أنا أعلم لماذا اختاروك ؟ إنهم  يريدون تعذيبي  لأنهم يعلمون   أنني لا أطيقك ويعلمون أنك ستأتي هنا لتشمت وتتشفى .
- استغفر الله العظيم , الشماتة ليست من طباعي
- لا تنكر سعادتك  لأن ما أردته تحقق   . أنت الوحيد الذي طلبت مني أن أتخلى عن منصبي    وعندما  لم أستجب لطلبك شاركت في تلك المؤامرة الحقيرة التي دبرت
للإطاحة بي  ووضعي في السجن    .
تحكمت في أعصابي و رددت عليه بهدوء
 -    أنا لم أخنك أبدا ,   إن حبي لك وخوفي عليك  هو الذي دفعني لمطالبتك بالتخلي عن منصبك  لأن 
الأدوية التي تأخذها أثرت على تركيزك وجعلتك  غير صالح لتولى  دفة القيادة   ,ولكنك لم تستمع لنصيحتي وصممت أن تذهب إلى  هذه الرحلة  .
  لقد  عرضت حياة الركاب للخطر عندما اصطدمت بسفينة أخرى   و  لولا أننا  كنا قريبين من الشاطئ  لما عاش أي منا  .
انتفض غاضبا  وأخذ يصيح
-    لقد كنت قبطانا بارعا  وسفينتي لم  تتعرض   للغرق أبدا  وإنما     تعرضت للخطف من قبل  مجموعة دنيئة  من القراصنة وأنت كنت منهم  .
  و ما   تقوله  أكاذيب اخترعتها لتبرر بها مشاركتك في المؤامرة حتى تستولى على إحدى  أكبر وأعظم السفن في العالم  وتكون قبطانا لها . ولكني أؤكد لك أنك   لن تهنئ طويلا بمنصبك الجديد  . سينصرني الله عليكم  وسأخرج قريبا    وسأسترد موقعي   وسأنتقم منك   ومن كل القراصنة ,  اخرج من هنا أيها الخائن  .
امتقع وجهي وأدركت  أن الحديث مع القبطان لم يعد له جدوى    ولكن قبل أن أخرج قلت له

- اطمئن ,  لم ولن   أسعي أبدا لكي أكون  قبطانا  لسفينتك   فأنا لست مجنونا حتى أتولى قيادة   سفينة  متهالكة.

2 تعليقات

  1. أشعر كما لو إنها إسقاط للواقع

    ردحذف
  2. عندما يفقد القبطان تركيزه فالنتيجة سيئة بلا شك
    عندما يتشغل القائد بامور اخرى غير سفينته فالنتيجة المتوقعة هى الغرق او التوهان

    هناك قباطين يعشقون السير بالسفن المتهالكة لانها هى التى تبين قدرتهم على القيادة و ان الوصول بالسفينة المتهالكة الى بر الامان هو الانتصار الحقيقى

    تحياتى

    ردحذف

رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته