المصريون   يعيشون  في حالة انتظار مخيفة ومقلقلة ومرهقة للأعصاب . إنه أشبه بانتظار ساعة الصفر استعدا لدخول  حرب أو انتظار مجيء إعصار مدمر  سيطيح بالأخضر واليابس    .
  رائحة الهواء   مشبعة بغضب عارم  مثل   كائن متوحش بإمكانه  أن يدمر ويقضي على كل شيء أمامه .الغضب هذه المرة  لم  يقتصر على الطبقة المتوسطة التي أشعلت ثورة يناير وإنما   أمتد للطبقة الغنية التي تأثرت مصالحها بالفوضى والعشوائية التي أديرت  بها البلاد  بعد الثورة  كما امتدت للطبقة الفقيرة التي ازداد فقرها ومعاناتها حتى تحولت حياتها إلى جحيم دائم   .
 ونحن في مرحلة الانتظار   نطرح على أنفسنا عشرات الأسئلة المحيرة    ؟
 هل ستكون المظاهرات القادمة سلمية فعلا   وهل ستؤدي إلى تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها ؟
هل سيفر الإخوان من الحكم سريعا مذعورين كالفئران  أم سيشعلون حربا أهلية ستؤدي إلى تفكك مصر وتحولها إلى  دويلات ؟
 أما السؤال الأهم  فهو  من سيحكم مصر بعد   انتهاء حكم الإخوان ؟  
   هل سيتقبل الشعب  فكرة المجلس الرئاسي ؟  ومن سيتولى اختيار هذا المجلس ؟ هل   سيتم عمل استفتاء شعبي  على أعضاء المجلس أم سيختاره المتظاهرون ؟
وإذا رفضنا المجلس الرئاسي و سلمنا   المجلس العسكري الحكم مجددا ؟  ما هو طول المدة التي سيحكم فيها البلد ومتى ستعقد الانتخابات الرئاسية مجددا ؟ وهل يمكن أن يترشح الإخوان أو أي تيار إسلامي في الانتخابات  القادمة  أم سيتم إقصائهم عن الحياة السياسية تماما ؟    
لو طرحت تلك الأسئلة على أي شخص من المشاركين في المظاهرات سيردد لك أحد الاقتراحات التي سمعها في التليفزيون من أحد المحللين السياسيين ,  ثم سيقول لك أنه يرفض حكم العسكر ويرفض المعارضة ويرفض النظام القديم ولذلك سيؤجل التفكير في الخطوة القادمة لحين خلع الإخوان .
 هذه الإجابة الضبابية  تؤكد لي أننا   لم نتعلم شيئا من  ثورة يناير  .
يجب أن نتعرف أننا كمصريين   نكره التخطيط والتحليل والاستنتاج والتفكير العميق ونفضل أن نعيش اليوم بيومه  ونترك كل شيء للظروف وللقدر وللمصادفة و نعتمد على انفعالاتنا ومشاعرنا في تقرير كل شيء, ولذلك مازلنا نتوهم أنه سيخرج  فجأة من بين المتظاهرين القائد والزعيم الثوري العبقري القادر على تهدئة النفوس ولم الشمل و إنقاذ البلد  ووضعها على المسار الصحيح .
 وعدم قدرتنا على تقرير مصيرنا يضعنا تحت رحمة  أي قوى ستستغل فراغ السياسي الذي سيحدث بعد خلع الإخوان وستعلن نفسها المتحدث الجديد باسم الثورة   وتكسب الشعب بنفس الكلام المعسول عن العدالة الاجتماعية والعيش والحرية , كما سيضعنا  تحت رحمة القوى الدولية والإقليمية التي نتهمها دوما أنها تتآمر علينا في حين أننا   من  نرضي بلعب دور الضحية طول الوقت   .
 التمرد على النظام الحالي هو أول خطوة على الطريق الصحيح لكنه لن يؤدي وحده لتغيير مسار البلد   طالما أن  من سيشاركون  في المظاهرات  ليسوا متفقين على   اختيار بديل واضح للإخوان .  
الثورة ليست هدفا في حد ذاتها     وإنما هي  وسيلة من أجل تحقيق التغيير للأفضل وإن لم يكن  في أذهان المتظاهرين  طريقة واضحة وعملية للوصول لهذا التغيير   , فإننا  سنخرج من متاهة النظام الحالي  لمتاهة أكبر  ستؤدي بنا إلى نظام حكم  أخر لن نرضي عنه مما سيؤدي لدخولنا مجددا   في دوامة المظاهرات والاعتصامات   والاضطرابات والفوضى .

0 تعليقات