انترفيو

جلس الأستاذ صفوت في حجرة مكتبه الكبير المكيف في الشركة واضعا يده على خده ونظر للأوراق المكومة أمامه بضيق ثم نظر لساعة يده فوجدها تشير للواحدة ظهرا, فتأفف ومط شفتيه وبدا على وجهه الضيق لانه لم يعرف كيف سيتحمل الجلوس في هذا المكتب لثلاثة ساعات اخرى حتى موعد الانصراف, فلم تكن لديه اي رغبة او ذرة من الطاقة للقيام بأي عمل فقد توجه تفكيره منذ الصباح في شىء واحد فقط يتوق إليه من السنة للسنة وهذا الشىء هو الاجازة التي سيقضيها غدا في الساحل الشمالي ,فترك عقله يسرح وتخيل نفسه يجلس أمام الشاطىء يستمتع باختراق تيارات الهواء المشبعة باليود جلده ثم يغطس في المياة الفيزوية وينام على ظهره فوق الماء فازدادت رغبته في أن يمر الوقت بسرعة حتى يترك عمله الممل وحياته الرتيبة ويسافر ,وبينما كان يجلس غارقا في الحلم بالمصيف اتصلت به السكرتيرة لكي تخبره بقدوم فتاة اسمها أمل مصطفى من أجل مقابلته ,تذكر صفوت انه سمع هذا الاسم من قبل ولكنه لم يعرف أين فسأل السكرتيرة عن سبب مجئيها , فاخبرته أن الفتاة تقول انها قادمة من طرف مدام سلوى أخته ,خبط صفوت يده على رأسه وتذكر فورا انه عندما ذهب لزيارة سلوى من أربعة ايام حدثته عن فتاة قالت له انها ابنة سيدة مسكينة تعطف عليها وانها تخرجت في كلية التجارة من سنتين و فشلت في العثور على وظيفة وهي في حاجة شديدة للعمل لأن المرحوم والدها ترك لهم معاش بسيط لا يغطي مصاريفهم و والدتها تعمل دادة في مدرسة وتعاني من القلب والسكر ولديها أخوات صغار في المدراس تريد ان تساعد والدتها في الانفاق عليهم, وأخبرته انها كانت متفوقة في دراستها وتستحق وظيفة محترمة و انه سيكسب ثواب كبير لو ساعدها وعينها في الشركة فتردد صفوت قبل أن يوافق على مقابلتها ثم نسى أمرها تماما إلى أن أخبرته السكرتيرة بوصولها  ,ولأنه لم يكن في حالة مزاجية تسمح له بمقابلة أحد فقرر ان يقابلها سريعا و يأخذ منها سيرتها الذاتية ويدعها تنصرف  ,أخبر السكرتيرة بأن تسمح لها بالدخول وبعد ثواني فوجىء صفوت بشابة صغيرة في غاية الجمال تفتح الباب وتدخل المكتب وتمشي ببطىء وتنظر للارض بخجل , وبمجرد أن وقعت عيناه عليها تغيرت حالته المزاجية بشكل سحري وشعر بالطاقة تدب في جسده , حدق في عينيها الخضرواتين الواسعتين و قوامها الرشيق وشعرها البني الناعم المربوط على شكل ذيل حصان ووجهها القمحي الناضر الذي كانت تزينه مساحيق تجميل خفيفة والبنطلون الجينز الازرق والبلوزة الخضراء التي كانت رغم بساطتها تجعلها تبدو انيقة ثم قام من كرسيه و يده تلقائيا وسلم عليها وعلى وجهة الابتسامة البلهاء التي ترتسم على وجة الرجل عندما يقابل فتاة جميلة وظل يقول لها أهلا وسهلا عدة مرات كأنه يهنئها على جمالها ,ثم فكر انه لابد من اطالة من مدة المقابلة لأطول فترة ممكنة .

أعطته الفتاة ملف يحتوي على شهادة تخرجها والدورات التي حصلت عليها وسيرتها الذاتية ,ولكن لأنه كان مشغول بشىء أكثر اهمية وهو تأمل جمالها الباهر فوضع ملفها جانبا وقال لها انه سيقرأه فيما بعد ثم نظر لها نظرة العاشق الولهان وطلب منها ان تحدثه عن نفسها فانطلقت أمل في الحديث عن دراستها والدورات التي حصلت عليها , ولكن للأسف لم يسمع صفوت كلمة واحدة مما قالته لان جمالها نومه مغناطيسيا فظل يتأمل إنعكاس ضوء المكتب على عيناها الجميلتين ولم يفق من سرحانه إلا عندما توقفت عن الكلام وانتظرت منه أن يتحدث وعندما وجدته صامتا وعلى وجهه نفس الإبتسامة البلهاء ,نظرت له بارتياب ثم سألته اذا كان سمعها فايقظه سؤالها ونظرتها القلقة من غفلته فدارى شعوره بالاحراج بابتسامة كبيرة وأخبرها انها ممتازة وأن اي شركة ستكسب بتعيينها , ثم سكت وأخذ يفكر فيما يقوله لها فأدرك انه يجب ان يتعدى مرحلة الإنبهار بها ويدخل مرحلة التخطيط لكي يقترب منها ثم يخرج معها ,ثم حاول أن يتظاهر انه سيقوم معها بمقابلة عمل فوضع رجله فوق الأخرى وسند رأسه على يده اليسرى وعبس قليلا لكي يبدو امامها جادا ثم سألها بصوت رخيم منخفض

- هل عندك خبرة او تدربتِ في مكتب محاسبة

- لا أنا تخرجت من سنتين وقضيت كل هذا الوقت في البحث عن وظيفة ولكني استطيع تعلم كل شىء بسرعة

- هل مهم بالنسبة لك أن تعملي محاسبة او ممكن ان تعملي سكرتيرة او في قسم العلاقات العامة

- أنا مستعدة بالقبول بأي وظيفة المهم بالنسبة لي ان أعمل

اعجبته لهفتها على العمل و فكر في انها لو تجاوبت معه فسوف يبحث لها عن وظيفة حقيقية في أسرع وقت ممكن وقبل ان يفكر في سؤال اخر يطرحه عليها دق جرس تليفونه المحمول بنغمة اغنية لاليسا فرأها تنظر للتليفون وتبتسم فاعجبته هذه الابتسامة ورأى ان هذه هي فرصته الذهبية للتغيير مسار الحوار والاقتراب منها فاغلق التليفون بسرعة ثم ابتسم لها ابتسامة ماكرة وسألها اذا كانت معحبة بالنغمة فترددت قبل ان تهز رأسها بالإيجاب في خجل فضحك صفوت و قال لها ان اليسا هي مطربته المفضلة لانه اغانيها في قمة الرومانسية ثم غازلها بعينيه وقال لها انا مؤمن ان الانسان لا يستطيع ان يعيش بدون الحب هل تتقين معي في هذا الرأي فشعرت بالاحراج فهذا هو اخر سؤال تتوقع ان يطرح عليها في مقابلة عمل ولكنها لم ترغب في افساد المقابلة ولذلك ردت عليه بطريقة ذكية و قالت له الحب شىء جميل ولكن العمل بالنسبة لي هو اهم شىء في الحياة ,احبطه ردها الجاد عليه ولكنه لم يرغب في الاستسلام فتظاهر بالبراءة وهو يسألها " ماذا تفعلين في وقت فراغك " اجابت عليه قائلة :

- اساعد والدتي في اعمال المنزل واذاكر لاخوتي

- هل تحبين مشاهدة التليفزيون

- احيانا

- وما هي البرامج التي تحبين مشاهدتها

- المسلسلات والافلام والبرامج الحوارية

- ألا تشاهدين المسلسلات التركية

- لا أحبها

- انا أحبها جدا لأن مليئة بقصص الحب وبيني وبينك احب مشاهدة الممثلات الاتراك فأنا اعشق عيونهن الملونة ثم ثبت نظره على عيناها ثم انطلق في الضحك بصوت عالي فاستغربت أمل من ضحكه لانها لم تجد ما قاله ظريفا بل زاد كلامه من شكها في نواياه وجعلها تفكر في الانصراف من المكتب, وقبل ان تستئذن منه اتصلت السكرتيرة لكي تخبره أن رئيس مجلس الادارة يريده لان هناك اجتماع مهم بعد قليل فهز رأسه في احباط وشعر بالغيظ من مجىء هذا الاجتماع لينهي لينهي جلسته الظريفة مع أمل قبل ان يستطيع ان يتقرب منها ,فكر سريعا فادرك أن لم يعد لديه وقت لكي يلف ويدور عليها وان عليه القيام بخطوة جريئة فقال لها انا أسف لاني مضطر للانصراف من اجل اجتماع ولكني بعد العمل أحب أن اتغدى في مطعم سمك قريب من الشركة يقدم افضل سمك مشوي وجمبري مقلي فما رأيك لو عزمتك وصدقيني أنك لو وافقتي فسوف تتناولي افضل اكلة سمك وجمبري في حياتك , فوجئت أمل بدعوة الرجل ورغم كانت كثيرا ما تمنت ان تأكل سمك وجمبري فاخر إلا انها لم تعطي نفسها فرصة للتفكير بعد أن اتضح امامها ما يريده هذا الرجل منها فشعرت بغضب داخلي وودت لو استطاعت أن تعطيه درسا في الادب الا انها قررت ان تكتم غضبها حتى لا تخرج من المكتب بفضيحة فحافظت على نبرة صوتها الهادئة الجادة وهي ترفض دعوته قائلة انا اسفة فانا لا اكل إلا مع أمي واخوتي ففهم صفوت انها فهمت ما يريده منها ولكنه أصر على المحاولة معها فنظر لها بخبث وقال لها لا تأخذي دعوتي على محمل سىء فانا انظر لك كأنك اختي الصغيرة وكل ما في الامر اني مللت من الغداء بمفردي يوميا وأريد ان يشاركني احد الطعام ,فقالت له أمل اذا كنت تعتبرني مثل اختك فعلا فأتمنى أن تقرأ ملفي وتحاول مساعدتي في العثور على وظيفة أما عن الغداء فاعفيني منه فلقد وعدت والدتي أن أعود بسرعة ,لم تعطيه فرصة للرد فشكرته وغادرت الحجرة فضرب صفوت يده على المكتب في غيظ وتبدلت نظرته لأمل فبعد أن كان يراها فتاة حسناء لطيفة اصبح يراها شحاتة جاءت لتستجدي منه وظيفة فشعر بالغضب من نفسه لانه تباسط معها و اعطاها قيمة ودعاها للغداء وبدلا من أن تشكره وتفرح أن رجل محترم مثله يريد ان يتعرف عليها تتكبر عليه وترفض دعوته وقرر انه لن يضيع دقيقة أخرى في التفكير فيها وان حشرة فاخرج غيظه منها في ملفها فمسكه ومزقه لقطع صغيرة ثم رماه في صفيحة القمامةو قرر أن يمسح هذه المقابلة من ذاكرته .

أخفت أمل عن والدتها حقيقة ما حدث في المقابلة وقالت لها انها تمت على ما يرام فظنت الام ان الرجل سيتصل بابنتها قريبا ولكن عندما مر شهر ولم يأتي الاتصال المنتظر سيطر القلق على الام , وعندما قابلت مدام سلوى اشتكت لها , فاتصلت به سلوى غاضبة وبمجرد ان سمع صفوت اسم أمل شعر بالانزعاج ثم اخذ يفكر سريعا في سبب مقنع لعدم مساعدته لأمل ثم قال لها بصراحة هذه البنت لا تصلح للعمل في الشركة لانها فشلت في الإجابة على كل أسئلة المحاسبة التي طرحتها عليها ,من الواضح انها كانت طالبة بليدة في الكلية ,فوجىء صفوت بأخته تصيح في التليفون وتقول له " من الواضح انك لم تكلف نفسك وتفتح ملفها وتقرأه ,أمل كانت من العشرة الاوائل على دفعتها قل لي الحقيقة لماذا لا تريد مساعدتها ", اصيب صفوت بصدمة من مواجهة سلوى له فتلجم لسان صفوت لعدة ثواني وشعر بالغباء لانه  وضع نفسه في موقف  محرج ولابد أن يهرب منه بأي طريقة  فصاح فيها قائلا "هل تريدي أن تقولي إني أكذب ,أنا حكيت لك الحقيقة ولن أسمح لك بالتشكيك في كلامي  ومن فضلك لا تطلبي مني اي خدمات فأنا لا أعمل في جمعية خيرية " ,ثم لم يعطيها فرصة للرد وأغلق السماعة بسرعة و عنف .