أن تكتب كالرجال وأن تكتب كالنساء
الأدب الرجالي والأدب النسائي
المشكلة ليست في روايتي , المشكلة هي أنا , كاثرين "
هذه
هي النتيجة التي خرجت بها الروائية
الأمريكية كاثرين نيكولز , كاثرين التي لا تزال في بداية طريقها الأدبي أرسلت
روايتها الجديدة إلى أكثر من خمسين وكيلا للنشر , مرت الأسابيع ولم تتلق كاثرين أي
ردود , فكرت في إجراء تجربة غريبة , أنشئت حسابا الكترونيا تحت اسم مستعار لرجل وهمي يدعي جورج لير وارسلت من خلاله روايتها , انتظرت
كاثرين النتيجة ففوجئت بتلقيها سبعة عشر ردا
من وكلاء النشر أغلبها إيجابية
بينما تلقت ردين فقط من وكلاء النشر عندما ارسلت الرواية باسمها الحقيقي .
اعتقدت كاثرين لفترة طويلة أن سبب رفض
دور النشر لها سببه الأساسي عدم جودة كتاباتها
, ولكن تجربتها كشفت لها أن أعمالها كانت تقابل بالرفض وعدم الاهتمام فقط
لأنها امرأة
قرأت قصة كاثرين نيكولز من خلال تحقيق نشرته صحيفة الجارديان
البريطانية عن التمييز الذي لا يزال يمارسه
الوسط الأدبي ضد الأدب الذي تنتجه النساء .
كاثرين نيكولز
هذا المقال أصابني بالدهشة , لقد كنت اعتقد أن العالم الغربي المتقدم الذي
أعطى للمرأة كل حقوقها وساوى بينها وبين الرجل في كل شيء تقريبا , فلماذا يتحيزون
ضد كتابات النساء وينظرون لها باستخفاف ؟ وإذا كان هذا حال الأدبيات في العالم
المتقدم فما هو حال الأدبيات في عالمنا العربي اللاتي لازلن يناضلن حتى الآن
من أجل الحصول على حقوقهن الأساسية ؟ .
التمييز ضد كتابات المرأة في العالم العربي لا يحتاج إلى
الأرقام والإحصائيات من أجل إثباته , يكفي أن ننظر إلى أسماء المرشحين أو الحائزين
على الجوائز الأدبية ولن نجد فيها اسم
امرأة إلا نادرا , ويكفي أن ننظر إلى قائمة الأكثر مبيعا في المكتبات ولن نجد فيها إلا أمرآه واحدة او اثنين على
الاكثر , معظم الكتابات النسائية التي تحقق نجاحا عادة ما
تندرج في قائمة الأدب الرومانسي ليس لأن النساء لا يجدن إلا الكتابة عن الحب , فالنساء
طرقن جميع أنواع الأدب وكتبن عن كل شيء , السياسة والحياة والمجتمع, ولكن الكتابات الرومانسية النسائية تحقق نجاحا أكبر لأنها تتفق مع النظرة التقليدية للمجتمع عن المرأة , إنها كائن رومانسي حالم لا يشغل
عقلها سوى حبيبها ولا يزعجها سوى ابتعاده عنها ولا يحطمها إلا غدره وخيانته لها ,
لقد وضع الوسط الأدبي كتابات المرأة في
صندوق صغير ضيق جدا اسمه الأدب النسائي من أجل عزله عن الكتابات الرجالية التي
يراها الناس دائما مهمة وجادة وجديرة بالقراءة والاحتفاء حتى لو
كانت ضعيفة المستوى , الأدب النسائي يراه البعض أقل منزلة من الأدب الرجالي لأن بطلاته نساء ولأنه يعبر عن مشاكل النساء وهمومهن
وأفكارهن والتي هي جزء لا يتجزأ من هموم
المجتمع بأكمله, لكن النظرة لهذا النوع من الأدب قاصرة ومتعالية لأن المجتمع يرى
هموم النساء تافهة وسخيفة وهذا انعكاس واضح لرؤيته للمرأة بشكل العام .
المجتمع لا يزال يرى المرأة كائنا أدنى من الرجل ولذلك فهي لا تصلح أن تكون مفكرة أو فيلسوفة أو أدبية أو حكيمة أو
زعيمة , إنها تصلح فقط أن تكون زوجة أو أم
, تصلح لأعمال المنزل والاعتناء بالآخرين ودعمهم , تصلح للتزين والتجمل وخلق
المتعة للرجل. المجتمع يرى المرأة
الجميلة مثل القمر والقمر رغم جماله لا يستطيع أن يضيء من تلقاء نفسه , إنه يستمد
ضوءه من الشمس كما تستمد المرأة ضوئها من الرجل , نعم هذه النظرة القاصرة
للمرأة لا تزال محفورة في عقول الناس ولا تزال تتحكم فيهم حتى الآن بشكل واعي وغير واعي, وهذه النظرة تؤثر بالسلب على ثقة النساء
بأنفسهن و على رؤيتهن لإنتاجهن الإبداعي ,
فكيف تستطيع المرأة أن تفكر وتبدع في مجتمع لا يحترم عقلها ولا يرى فيها إلا جسد أو وسيلة للإنجاب والمتعة ؟, ويخاف
منها إذا عبرت عن رأيها أو فكرت بشكل مختلف ؟.
هذه النظرة تؤدي إلى إصابة النساء بضعف الثقة بالنفس والخوف من التعبير عن أنفسهن وكثير منهن يدفن أحلامهن ويكبحن طموحهن و يمثلن دور الزوجات المطيعات حتى يرضى عنهن المجتمع.
من تتجرأ وتصر على الكتابة تجد نفسها تناضل في جبهتين , تناضل من أجل أن تثبت نفسها وتنشر أعمالها الأدبية وتناضل ضد الوسط الأدبي الذي يتعامل مع كتاباتها باستخفاف واستهانة , أو يحاول أن يفرض عليها نوعا معينا من الكتابات تلاءم طبيعتها الأنثوية, قد تصاب الكاتبة بالإحباط وتنهي مسيرتها الأدبية وقد تصر على النضال وتخطي العقبات ومواصلة مسيرتها الأدبية حتى لو لم تقابل كتاباتها بالاحتفاء والاهتمام المطلوب, ولكنها في كلا الحالتين تتعرض للظلم وتبذل مجهودا أضعاف ما يبذله الرجل حتى تستطيع أن تقنع الناس أن إبداعها يستحق القراءة .
هذه النظرة تؤدي إلى إصابة النساء بضعف الثقة بالنفس والخوف من التعبير عن أنفسهن وكثير منهن يدفن أحلامهن ويكبحن طموحهن و يمثلن دور الزوجات المطيعات حتى يرضى عنهن المجتمع.
من تتجرأ وتصر على الكتابة تجد نفسها تناضل في جبهتين , تناضل من أجل أن تثبت نفسها وتنشر أعمالها الأدبية وتناضل ضد الوسط الأدبي الذي يتعامل مع كتاباتها باستخفاف واستهانة , أو يحاول أن يفرض عليها نوعا معينا من الكتابات تلاءم طبيعتها الأنثوية, قد تصاب الكاتبة بالإحباط وتنهي مسيرتها الأدبية وقد تصر على النضال وتخطي العقبات ومواصلة مسيرتها الأدبية حتى لو لم تقابل كتاباتها بالاحتفاء والاهتمام المطلوب, ولكنها في كلا الحالتين تتعرض للظلم وتبذل مجهودا أضعاف ما يبذله الرجل حتى تستطيع أن تقنع الناس أن إبداعها يستحق القراءة .
اتذكر تعليقا قرأته لأحد النقاد عن الأديبة
الراحلة العظيمة رضوى عاشور, وهو أنها كانت تكتب كالرجال , هذا التعليق الهدف منه
مدح أدب رضوى عاشور ولكني وجدت فيه إهانة
مبطنة للأديبات وكأن النساء بطبيعتهن لا
يجدن الكتابة.
جميعنا سواء كنا رجالا أو نساء نملك تحيزات و
أحكام مسبقة, هذه التحيزات تسيطر علينا بشكل غير واعي, فحكمنا على أي كتاب نقرأه يختلف
باختلاف نوع الكاتب وجنسيته وعمره وخلفيته
الاجتماعية. لن نستطيع أن نتخلص من تلك
التحيزات تماما لأن المجتمع زرعها في
عقولنا منذ الصغر, ولكننا عندما نعيها
وندرك كم تؤثر على طريقتنا في قراءة الأعمال الأدبية قد نستطيع أن نحيدها أو نعزلها
جانبا حتى نستطيع أن نحكم على العمل
الأدبي كما هو بمميزاته وعيوبه.
ليس هناك شيء اسمه أدب رجالي وأدب نسائي. هناك فقط أدب جيد وأدب رديء. ولابد ان نحكم على الأدب بناء على محتواه فقط وليس بناء على نوع مؤلفه.
0 تعليقات
رأيك يهمني اترك تعليقك على ما قرأته