كان كريم رغم سخريته الدائمة من مشاعر هيثم المتقلبة وإدمانه على
مطاردة الفتيات، يحسده سِرًّا ويتمنى لو كان مثله ولكنه يعلم أنه لن يكون
أبدًا مثله.
إنه لا يملك ثقته المتناهية في نفسه، ولا يملك جرأته على الاقتراب
من الفتاة التي تعجبه مهما صدته. ولا يملك ابتسامته الساحرة التي تجذب
البنات له كالمغناطيس، ولا يملك خفة ظِلّه وكلامه المعسول القادر على
تليين أقسى القلوب.
لقد تعوَّد طوال حياته على تأدية دور العاشق الصامت. يقف في
ركن بعيد يتطلع للفتاة التي تعجبه بينما يعج قلبه بتيارٍ عنيف من المشاعر
والأحساسيس، ولكنه يعجز عن الاقتراب خوفًا من صد الفتاة له. وحتى
عندما نجح مرَّاتٍ قليلة في الاقتراب، كان دومًا يعجز عن التعبير لأنه لا
يعرف ما هو الكلام الذي يجب أن يقوله ولا كيف يمكن أن يقوله.
وعندما يرى الفتاة بعدما أنفق وقته في التفكير فيها تتحدث مع غيره
يمطّ شفتيه، ويتحسَّر على الفرصة الضائعة ويلعن ضعفه وخجله وخوفه.
كثيرًا ما يسأل نفسه إذا كانت «عزة » جارته هي التي تسببت في خوفه من البنات؟
لا يمكن أن ينسى قنابل السخرية والإهانات التي نزلت عليه من كل
حدبٍ وصوب بعد أن عضَّت عزة ذراعه وقطعت له ملابسه لأنه انتصر عليها
في لعبة)البلي(. عندما رأى والده منظره المزري وعرف أنه خاف أن يرد لها
الضربات شكك في رجولته، رغم أنه كان طفلاً ضئيلاً ضعيفًا وعزة كانت أكبر منه .
شعوره بالعار بسبب عجزه عن الدفاع عن نفسه منعه من النزول للشارع،
وولَّد لديه نفورًا من جنس البنات كله، فتجنب الاقتراب منهن.
وبعد أن طال عوده ونُبِت له شارب صغير، واخشنَّ صوته، خفق قلبه
لأول مرَّة عندما رأى فتاة جميلة تخرج من مدرسة البنات القريبة من مدرسته.
كان يمشي وراءها كل يوم حتى تصل لمحطة)الترام( ويحلم بالحديث
معها، وأخيرًا استطاع أن يهزم خجله واقترب منها وعرّفها على نفسه.
نظرت له بغضبٍ، وتوحشت ملامحها الجميلة، ثم صفعته على وجهه
بعنفٍ وتركته يتلقى نظرات ساخرة ومزدرية من المارة جعلته يرغب في قتل
نفسه في تلك اللحظة. هذه الحادثة أكدت له صحة نظرته القديمة للبنت.
إنها مثل القطة تبدو من بعيد أليفة وناعمة وجميلة، ولكن لو تجرأ أي شخصٍ

غريبٍ على الاقتراب منها لن تتورع عن نبش مخالبها في لحمه.

مقطع من رواية بنت وولد 
صدرت عن دار إبداع في 2014 
صفحة الرواية على موقع جود ريدز 

صفحة الرواية على الفيس بوك 

0 تعليقات