" أخشى اليوم الذي تتفوق فيه التكنولوجيا على   التواصل
البشري حينئذ سيتكون العالم من جيل من الحمقى  
 تذكرت تلك  المقولة
لألبرت اينشتاين  وأنا  أشاهد  الفيلم الأمريكي
“ her “
الفيلم حاز على جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو , وهو يحكي قصة  " ثيودور تومبلي   " الذي يقوم بدوره الممثل العظيم   "  واكين فينيكس "  .
" ثيودور "  رجل    يعاني من الوحدة والانعزال  بعد أن انفصل عن زوجته  وهو كأي رجل عصري  يعتمد  على التكنولوجيا في كل شيء  ويقرر شراء  جهاز تكنولوجي  جديد   يمتلك ذكاءً   اصطناعيا لكي يسليه  ويساعده على القيام  بعمله , وهذا الجهاز يصدر منه صوت أنثى تقوم 
بدورها سكارليت جوهانسون  وتدعى  سمانتا .

 يندهش ثيودور من قدرة سمانتا على التواصل معه والمناقشة معه في كل أمور الحياة كأنها إنسانة رغم أنها آلة   فتتوطد علاقته بها حتى يقع في غرامها ويصير عاجزا عن الانفصال عنها ولو لدقائق.
 أفضل مشهد في الفيلم هو المشهد الذي  يري فيه  " ثيودور " مجموعة كبيرة من الرجال يمشون في الشارع و يتحدثون لأنفسهم كالمجانين  , ولكنه عندما يمعن النظر إليهم يجدهم   يضعون سماعات في أذنيهم ويتحدثون مع أجهزتهم الالكترونية,   يكتشف  " ثيودور  أن هذه الأجهزة تصدر منها   صوت سمانتا ,  وأنها   تتحدث مع 6 ألاف شخص غيره وأنها أحبت منهم 600 شخص .
قصة الفيلم قد تبدو لنا  غريبة وخيالية فكيف يمكن أن يقع شخص في حب جهاز تكنولوجي ولكنها  في  الحقيقة تصور  حقيقة علاقة الإنسان بالتكنولوجيا والتي تطورت من الاستخدام الضروري إلى الحب ثم الإدمان ,  هذا الإدمان ستراه جليا  لو جلست في أي مكان عام ,وتطلعت للجالسين بجوارك,ستلاحظ أن أغلبية الناس عيونهم ملتصقة بشاشة  الهاتف أو الأي باد    ومنفصلين  تماما  عن من حولهم كأن التكنولوجيا اختطفت عقولهم .
 صار من الصعب علي  أن أقوم بإجراء حوار مع أي شخص لمدة دقيقة بدون أن  أجده ينصرف عني  لكي  يشاهد فيديو أو يقرأ   رسالة أو تعليق من أحد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي  أو يلعب   المزرعة السعيدة.
الإنسان في العصر الحديث صار يفضل أن يقضي وقته في لعبة الكترونية أو في قراءة تعليق  مضحك   على أن يتحدث مع أقرب الناس إليه .
 ارتباطنا المرضي   بالتكنولوجيا سببه أن  التكنولوجيا تمحنا كل ما نريده في الوقت الذي نريده ,  وتمطرنا طول الوقت بالمثيرات البصرية مثل الفيديوهات والصور  مما  يسبب   إفراز   مادة الدوبامين في الدماغ  , وهي المادة التي تلعب دورا أساسيا في شعورنا  بالسعادة والمتعة  , ولأننا نزيد أن نحصل على  المزيد من المتعة نجد أنفسنا متصلين بالانترنت طول الوقت و  ملتصقين بأجهزتنا   حتى نصبح مدمنين بدون أن نشعر .
ومن المفارقات الساخرة   أن التكنولوجيا   تم  اختراعها لتوفير الوقت ولتسهيل التواصل بين الناس ولكنها تحولت  لوسيلة  لإهدار  الوقت ولفصل الإنسان  عن العالم الحقيقي .
 فالاستخدام المفرط للتكنولوجيا يقلل  من قدرة الإنسان  على التركيز   و من   مهارته الاجتماعية ومن قدرته  على التواصل مع غيره من البشر  مما يزيد  من شعوره بالوحدة والعزلة .
  قد تظن أن علاقتك بأصدقائك في العالم الافتراضي حقيقية  ,    ولكن هذا ليس صحيحا  لأن البشر  لم يخلقوا  لكي يتواصلوا عن طريق الوجوه الالكترونية والكلمات السريعة   ,  فلقد   أثبتت الأبحاث العلمية أن لغة الجسد تساهم ب65 في المائة من الحوار بين البشر والباقي يعتمد على الكلمات , وهذا يفسر سر انتهاء العلاقات في العالم الافتراضي بسرعة,  وسر اعتماد بعضها  على الخداع والكذب  لأنك لا تستطيع أن تنظر في وجه من تكلمه حتى تراه وتتعرف عليه جيدا .
لقد أدركت  خطورة التكنولوجيا  عندما سألت إحدى قريباتي عن سبب عدم اتصالها بي فوجدتها تقول لي " ما أنا بعرف كل أخبارك من الفيس بوك وعملت لك لايكات كتير  "
 حينئذ   شعرت بالخوف  عندما تخيلت أن  الشات وعلامات الإعجاب والتعليقات  من الممكن أن يصبحوا قريبا وسائل الاتصال  الوحيدة بين البشر و أن  صداقتنا بالبشر من الممكن أن تستبدل بصداقات مع   آلات تكنولوجية مزودة بذكاء اصطناعي.

0 تعليقات